نشرت صحيفة «الجارديان» تقريرًا أعدَّته مراسلتها في الشرق الأوسط، بيثان مكيرنان، تناولت فيه كيف استطاع الفلسطيني سمير منصور أن يُعيد إعمار مكتبته التي دمرها القصف الإسرائيلي خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، موضحةً أن التبرعات والكتب تدفقت من كل حدب وصوب من جميع أنحاء العالم حتى غدت المكتبة أكبر ثلاثة أضعاف من ذي قبل.

ليلة غيَّرت مسار حياته!

وفي مستهل تقريرها تسرد المراسلة ما حدث لسمير منصور، صاحب مكتبة، في إحدى ليالي القصف الإسرائيلي على قطاع غزة في شهر مايو (أيار) من العام الجاري، قائلة إن منصور لم يحصل في هذه الليلة على قدرٍ كافٍ من النوم، وأن هذه الليلة غيَّرت مسار حياته؛ إذ ظل مستيقظًا وهو يشاهد الأخبار لمعرفة آخر المستجدات مع سقوط القنابل الإسرائيلية على مدينة غزة.

الاحتلال الإسرائيلي

منذ سنة واحدة
«المونيتور»: «الإرباك الليلي» في غزة يزيد الضغط على إسرائيل.. وهذا ما قد يحدث

وفي حوالي الساعة السادسة صباحًا أفاد مذيع قناة الجزيرة الإخبارية أن شارعًا يقع وسط المدينة، ويضم مكتبة منصور، يتعرض للهجوم، وكانت غريزته تخبره أن يسرع إلى المنطقة سعيًا منه لإنقاذ متجره لبيع الكتب، وبدلًا عن ذلك وصل إلى المنطقة في الوقت المناسب تمامًا ليشاهد صاروخين يخترقان واجهة المتجر الزجاجية بالتزامن مع انهيار المبنى، ويقول منصور: «كنت أدرك أن الأمر سيكون صعبًا، ولكن كان عليَّ أن أحاول إنقاذ بعض الكتب، وبعض الأغراض والمتعلقات. لقد رأيت ما عملت من أجله طيلة 20 عامًا من حياتي يُدمر أمام عيني مباشرةً».

ويوضح التقرير أن تدمير مكتبة سمير منصور لم يكن بأية حال من الأحوال أكبر مأساة تعرض لها سكان قطاع غزة خلال المواجهة الأخيرة بين إسرائيل و«حركة حماس»، الجماعة الإسلامية التي تحكم سكان القطاع البالغ عددهم مليوني نسمة. وأسفرت تلك الحرب – التي استمرت 11 يومًا خلال هذا العام – عن مقتل أكثر من 250 فلسطينيًا و13 إسرائيليًّا، وهي الجولة الثالثة من القتال بين إسرائيل وحماس منذ عام 2007 بعدما سيطرت الجماعة المسلَّحة على القطاع الساحلي المنعزل.

ضربة كبيرة لشريان الحياة الثقافي في غزة!

يستدرك التقرير قائلًا: لكن تدمير هذه المؤسسة الثقافية، العزيزة على قلوب الناس بوصفها مكانًا يوفر متعة الانغماس في قراءة كتاب، والهروب من مصاعب الحياة تحت الحصار الإسرائيلي تسبب في حدوث فجوة بالمجتمع الأدبي في غزة، وبالإضافة إلى استهداف مكتبة «اقرأ» القريبة، إلى جانب مكتبتين صغيرتين أخريين، استطاع القصف الإسرائيلي توجيه ضربة كبيرة لشريان الحياة الثقافية الذي يُبقي غزة المحاصرة موصولة بالعالم الخارجي.

Embed from Getty Images

ويشير التقرير إلى أن الفرع الرئيس لمكتبة منصور كان بمثابة مكتبة تعج بالحركة، ونقطة اجتماع الطلاب والقراء من جميع الأعمار، الذين أمضوا أوقاتًا سعيدة في الاطلاع على الكتب وتصفحها، واحتساء الشاي أو القهوة المضاف إليها حب الهيل، ولم يرفض القائمون على المكتبة على الإطلاق دخول أي شخص إليها، والجلوس وقراءة الكتب طالما أراد ذلك، وكانت دار منصور الصغيرة للنشر، والتي أُنشِئت من أجل «الحفاظ على الثقافة الفلسطينية للأجيال القادمة»، بمثابة منبر لـ50 مؤلفًا محليًّا.

وفي هذا الصدد أعرب منصور قائلًا: «كانت بمثابة صدمة قوية لي عندما أدركت أنني كنت هدفًا للقصف الإسرائيلي؛ إذ أمضيت حياتي كلها في العمل مع الكتب، وبدأت العمل مع والدي عندما كان عمري 12 عامًا، وليس لدي أي انتماءات سياسية، وصحيح أننا نشأنا في قطاع غزة تحت ظلال الحروب، لكنني لم أزل لا أتصور ذلك أبدًا».

ويلفت التقرير إلى أنه في الأيام التي تلت القصف الإسرائيلي وتدمير المكتبة، كان منصور متأثرًا بشدة من المساعدة التي تدفقت عليه من المجتمع المحلي والدولي؛ إذ ساعده العشرات من المتطوعين في استعادة بعض الكتب المدفونة تحت الأنقاض البالغ عددها 100 ألف كتاب، حتى لو كان معظمها لا يمكن إنقاذه، وجمعت حملة تبرعات عبر الإنترنت أكثر من 243 ألف دولار (183 ألف جنيه إسترليني) للمساعدة في استعادة المكتبة المتهدمة وإعادة بنائها، وتدفقت على المكتبة تبرعات بالآلاف من الكتب من جميع أنحاء العالم؛ لتصبح واحدة من أكبر مكتبات القطاع.

متى يُرفع الحصار الخانق عن أهل غزة؟

أفاد التقرير أن الحصار المفروض على قطاع غزة يشير في كثير من الأحيان إلى نقص الإمدادات من مواد البناء، وكونها عرضة لمعدلات التضخم المرتفعة، لكن منصور لم يكن عازمًا على إعادة مكتبته إلى سابق عهدها والعمل فحسب، لكنه كان يهدف إلى تطويرها وزيادة مساحتها، وإنشاء مكتبة جديدة لجمعية مركز غزة للثقافة والفنون المجاور.

وبعد مرور سبعة أشهر من العمل الشاق على المكتبة، جرى الانتهاء الآن من إعادة إعمار 90٪ منها، ويأمل منصور أن يُعاد افتتاحها بحلول نهاية العام، ويُوضح منصور قائلًا: «لم أكن أعرف في البداية أنهم يجمعون تبرعات للمكتبة، وهذا الأمر يشرفني، وأشعر بالامتنان الشديد لكل من تبرع لنا، وساعدنا في إعادة إحياء المكتبة، وقد قررت البدء في العمل مرة أخرى بكامل طاقة المكتبة في أقرب وقت ممكن للحفاظ على الموظفين العاملين فيها، وستكون المكتبة الجديدة أكبر بثلاثة أضعاف من ذي قبل».

Embed from Getty Images

وتختتم المراسلة تقريرها بالقول إن الحياة في قطاع غزة لم تزل صعبة، وتزداد صعوبتها يوميًّا، وتسبب الحصار الإسرائيلي والمصري المفروض على القطاع في إنشاء ما تسميه وكالات الإغاثة «أكبر سجن في العالم»، في ظل ارتفاع معدلات البطالة، والمياه غير الصالحة للشرب أو الاغتسال، بالإضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي، وكان نظام الرعاية الصحية في القطاع قد انهار بالفعل قبل ظهور جائحة كوفيد-19، ولم يحصل حتى الآن سوى ربع السكان على جرعة لقاح واحدة على الأقل.

ويحلم منصور باليوم الذي يرفع فيه الحصار عن القطاع، وحينها سيكون بمقدوره تصدير كُتبه التي ألَّفها مؤلفون من غزة إلى قرَّاء جدد في شتى أنحاء العالم، يقول منصور: «على الرغم من الحصار نحاول أن ننجح ونعيش. وتخيل لو كان لدينا متَّسع للتنفس والسفر على أرض الواقع، وليس فقط عبر الكتب».

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد