العلماء الكبار ليسوا فقط الذين يستطيعون استخدام معلوماتهم في دراسة الظواهر العلمية، ولكن استخدام هذه المعلومات للتنبؤ بالمستقبل.

هذا ما يحاول أن يشرحه تقرير نشر في موقع The Conversation، وأعده كل من دانييل جيه. دينيس، وهو مدرس مساعد في علم النفس الكمي في جامعة مونتانا، بالإضافة إلى بريانا يونج، وهي مرشحة لنيل الدكتوراه في البرنامج التجريبي بالجامعة ذاتها، ويقولان: إن خبراء الأرصاد الجوية يدرسون الضغط الجوي وسرعة الرياح للتنبؤ بمسارات العواصف في المستقبل. وقد يتنبأ عالم الأحياء بنمو الورم على أساس حجمه الحالي وتطوره. قد يحاول المحلل المالي التنبؤ بالصعود والهبوط في الأسهم بناءً على أشياء مثل القيمة السوقية، أو التدفق النقدي.

اقرأ أيضًا: احذر أخذ الفيتامينات بشكل عشوائي.. ضرر ذلك يصل إلى الإصابة بالسرطان والوفاة

ربما الأكثر إثارة للاهتمام من الظواهر المذكورة هنا هو التنبؤ بسلوك البشر. فمحاولات التنبؤ بكيفية تصرف الناس وُجدت منذ نشأة البشرية. كان البشر في وقت مبكر يضعون ثقتهم في غرائزهم. اليوم، المسوقون والسياسيون والمحامون وغيرهم أصبحت معيشتهم تقوم على تنبؤ السلوك البشري. إن التنبؤ بالسلوك البشري، بكل أشكاله، هو عمل تجاري مربح.

لذلك كيف يمكن للرياضيات أن تتنبأ سلوكنا بشكل عام؟ على الرغم من التقدم المحرز في تحليلات سوق الأوراق المالية، والاقتصاد، والاقتراع السياسي، وعلم الأعصاب الإدراكي –وكلّها تسعى في نهاية المطاف إلى التنبؤ بالسلوك البشري– إلا أن العلم قد لا يكون قادرًا على القيام بذلك مع اليقين التام.

بيانات أكبر وأدق

تاريخيًّا، كانت تنبؤات العلماء محدودة بسبب نقص المعلومات، ولكن في السنوات الأخيرة، القوة الحاسوبية وأساليب جمع البيانات تقدمت إلى حد إنشاء حقل جديد هو: البيانات الكبيرة. وبفضل الكم الهائل من البيانات التي تم جمعها، يمكن للعلماء فحص العلاقات التجريبية بين مجموعة واسعة من المتغيرات.

على سبيل المثال، يستخدم موقع «أمازون» تحليلات تنبؤية لتخمين الكتب التي قد نحبها استنادًا إلى التصفح السابق، أو تاريخ الشراء. وبالمثل، تخبرنا الحملات الإعلانية الآلية عبر الإنترنت، المركبات التي قد نهتم بها استنادًا إلى المركبات التي نالت إعجابنا في اليوم السابق.

اقرأ أيضًا: مترجم: رغم إنجازاته في «النسبية».. تعرف إلى أكبر 3 أخطاء علمية ارتكبها أينشتاين

نماذج رياضية

يشير التقرير أيضًا إلى أن المسوّقين يستخدمون سجلات الولادات؛ لمعرفة متى سيغرقونك بإعلانات منتجات الأطفال. حتى أنهم يخمّنون متى ستحتاج إلى هذه الأشياء بالاستناد إلى مراحل نمو طفلك. العديد من أدوات التنبؤ تعتمد على التعلّم العميق. ومن بينها الخوارزميات الرياضية، المبنية على الوظائف البيولوجية للدماغ، واستخدام عدد كبير من البيانات لتعلّم الأنماط.

ويمكن لخوارزميات الحاسوب أن تتنبأ بدقة نتائج قضايا المحكمة العليا، باستعمال مثل هذه العوامل: هوية كل قاضٍ، وشهر تقديم الحجة والالتماس، وعوامل أخرى. على الرغم من أن دقة النتائج الخوارزمية لا تشكّل سوى 70% فقط، فقد ثبت في الواقع تفوّقها على الخبراء القانونيين.

وقد تبين أن الخوارزميات الحاسوبية الأخرى تتنبأ بمحاولات الانتحار بدقة تتراوح بين 80 و92%، ويمكن القول بأنها أكثر دقة من أفضل التقييمات البشرية.

اقرأ أيضًا: نيكولا تِسلا.. الحياة الاستثنائية للعبقري المجهول الذي يؤثر في حياتنا حتى الآن

الرياضيات قد تكون قادرة على إخبارنا بالسلوك الإرهابي الذي يؤدي إلى القيام بالهجمات. في إحدى الدراسات، قام باحثون بفحص سجلّات النشاط الإرهابي في أيرلندا، خصوصًا تلك التفجيرات التي استخدمت فيها أجهزة محسنّة. بعد حادثة واحدة، كان احتمال وقوع حادث آخر أعلى من ذلك. وبعبارة أخرى، فإن الأحداث لم تكن مستقلة. وقد تكون هذه المعرفة مفيدة للمجتمع، إذ يتم اختيار تعبئة الجهود فورًا بعد هجوم واحد تحسبًا لهجوم آخر.

هل يصبح التنبؤ الدقيق ممكنًا؟

وقد جعلت البيانات الكبيرة طرق التنبؤ دقيقة على نحو متزايد. ولكن هل يمكن توقع سلوك الإنسان بدقة تامة؟ أبسط نموذج هي معادلة (Y = F(x، والتي تقرأ «Y» بدلالة «X». فقط ادخل قيمة لـ«X» والعلماء سيقولون لك ما هي قيمة «Y». وكلّما تعقّدت المعادلة، احتجنا إلى قيم أكثر.

وبطبيعة الحال، الأمر لا ينجح دائمًا. الأعاصير تأخذ مسارات لا تتنبأ بها نماذج الطقس. الأورام قد تنمو أبطأ أو أسرع مما كان متوقعًا. العلماء، مثل أي شخص آخر، نادرًا ما تنبؤوا شيئًا بدقّة. مهما كان نوع البيانات التي هي بحوزتك ونموذجك الرياضي، المستقبل يبقى مجهولًا.

لذلك، يجب على العلماء السماح للخطأ في معادلتنا الأساسية. وهذا يعني: Y = f (X) + E، إذ إن «E» يشمل عدم قدرتنا على التنبؤ بدقة. إنه جزء من المعادلة التي تبقينا متواضعين.

ومع تطوّر التكنولوجيا، قد يجد العلماء أننا يمكن أن نتنبأ يالسلوك البشري بشكل جيد في منطقة واحدة، بينما لا نزال نفتقر إلى أخرى. على سبيل المثال، قد يكون التعرف إلى الوجه أسهل للمحاكاة؛ لأن الرؤية هي واحدة من العديد من أنظمة المعالجة الحسية للإنسان.

اقرأ أيضًا: مترجم: لحماية خصوصيتك وتنظيم مهامك.. 24 خاصية خفية في آيفون ربما لم تكن تعرفها

ويشير الباحثان إلى أنه من ناحية أخرى، فإن التنبؤ بسلوك التصويت، وخاصةً على أساس الانتخابات الرئاسية (الأمريكية) لعام 2016، هي قصة أخرى تمامًا. إذ إن هناك العديد من الأسباب المعقدة وغير المفهومة بعد، حول ما يدفع البشر ليفعلوا ما يفعلونه.

ويختتم الباحثان تقريرهما بأنه لا يزال البعض الآخر يقولون، من الناحية النظرية على الأقل، إن التنبؤ المثالي سوف يكون يومًا ما ممكنًا. حتى ذلك الحين، ومع قليل من حظ، فإن الرياضيات والإحصاءات قد تساعدنا على نحو متزايد في الاستعداد لما سوف يفعله الناس مستقبلًا.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد