«حتى أكثر التعليقات لطفًا يمكن أن تترك تأثيرًا سلبيًا كبيرًا على تصوُّر الطفل لمظهر جسده وعلاقته مع الطعام على المدى الطويل»؛ وبالتالي يجدُر بالآباء التعامل بحرص أثناء محاولة إقناع أطفالهم بفوائد الأكل الصحي، دون تأنيبهم وجعلهم يشعرون بالخجل حين يتناولون الطعام.

تُقَدِّم إيريكا سويني، الصحافية المتخصصة في مجال الصحة والتغذية، في هذا التقرير المنشور على صفحات «نيويورك تايمز» بعض النصائح العملية لمساعدة الآباء على غرس عادات الأكل الصحية لدى أطفالهم بطريقة آمنة نفسيًا.

يخلُص التقرير إلى أن بلورة عادات أكل صحية يمكن أن يساعد في تشكيل سلوكيات الأكل لدى الأطفال وعلاقتهم بالطعام. وتنصح إيريكا بإشراك الأطفال في شراء الطعام والطهي منذ سن مبكرة لأن ذلك يغرس الألفة بينهم وبين الفواكه والخضروات. وتشدد كذلك على أهمية إجراء حوارات إيجابية حول الأنماط المختلفة لتناول الطعام – مثل: اتباع نظام غذائي نباتي، أو خال من الجلوتين، أو غيرها من الحميات الغذائية – لأن ذلك يمكن أن يعفي الطفل من الشعور بالخجل من الطعام.

تجنَّب أيضًا استخدام الطعام لمكافأة طفلك أو رشوته أو عقابه، ولا تركز على الوزن أو اتباع نظام غذائي أثناء الحديث عن الأكل الصحي. ومن حينٍ لآخر، لا بأس بدمج بعض الأطعمة التي لا تتوافر فيها المواصفات الصحية الكاملة – وليست الضارة تمامًا – في خطط الوجبات. ولا تقلق إذا لم يرغب أطفالك في تناول أطعمة معينة؛ فهناك دائمًا بدائل صحية يمكنها تحقيق الهدف.

تربية

منذ سنتين
«ابن خالته ليس أفضل منه».. لهذه الأسباب يجب أن تتوقفي عن مقارنة طفلك بالآخرين

الأكل الصحي: احذر إفساد علاقة طفلك مع الطعام

تحكي الكاتبة قصة كايتلين هيت، التي نشأت في منزل يعاني من «مشاكل غذائية»؛ لأن عائلتها كانت تتحدث طيلة الوقت عن الوزن والنظام الغذائي. تقول كايتلين إن أهلها كانوا يشجعونها على عدم تناول أطعمة معينة؛ لأنها تؤثر سلبًا على شكل جسدها، كما أنها خضعت لحميات غذائية قاسية في سن مبكرة. هذه التجربة شكلت لديها عقدة نفسية بشأن وزنها، وجعلتها تنظر بعين الريبة إلى بعض الأطعمة.

لكن الآن بعد أن أصبحت كايتلين أمًا لطفل يبلغ من العمر ست سنوات، اسمه نوح، أصبحت أكثر دراية بكيفية إدارة نقاش في حضرته حول مسألة الطعام والأكل. وهي تؤكد على أهمية التوازن في تناول الطعام؛ إذ لا توجد أطعمة جيدة وأخرى سيئة، ولذلك فإنها تشجع نوح على تجربة أطعمة جديدة.

Embed from Getty Images

تقول كايتلين، البالغة من العمر 27 عامًا، وهي كاتبة مستقلة تقيم في بروكلين: «أشعر كما لو أننا متحفزون دائمًا، ولذلك نشدد على أن الفواكه والخضروات والبروتين مفيدة لجسمك. لكن لا يروقني العزف على هذا الوتر باستمرار، ولا أحب تكرار كلمات من قبيل: «ينبغي أن تأكل هذا»، أو «هذا الطعام يضرك».

الشاهد من قصة كايتلين هو: أن هناك شعرة دقيقة تفصل بين الحديث مع الأطفال حول الأكل الصحي، وتنمية علاقات ضارة مع الطعام؛ وإذا لم تكن متيقظًا فقد تعبر هذا الخط الفاصل بسهولة. صحيحٌ أن زيادة عدد الأطفال المصابين بالسمنة يجعل من الطبيعي أن يرغب الآباء في تعليم أطفالهم كيف يتبنون أنماط حياة صحية، ولكن حتى أكثر التعليقات لطفًا يمكن أن يكون لها تأثير سلبي كبير على تصور الأطفال لأجسادهم وعلاقاتهم مع الطعام على المدى الطويل.

لتجميع باقة متنوعة من التوصيات المفيدة، تحدثت الكاتبة مع اختصاصي تغذية وطبيب أطفال واثنين من الباحثين في مجال التغذية وصحة الأسرة، فقدموا لها نصائح حول كيفية ترسيخ عادات الأكل الصحية دون التسبب في اضطرابات الأكل أو التسبب في شعور الأطفال بالخجل أثناء تناول الطعام.

القدوة.. كلمة سر الأكل الصحي لدى الأطفال

ينقل المقال عن الدكتورة ديان نيومارك – زتينر، وهي مؤلفة وباحثة في كلية الصحة العامة بجامعة مينيسوتا، قولها: إن الأطفال يميلون أكثر إلى تناول الطعام الصحي عندما يتبع آباؤهم نمطًا غذائيًا صحيًا. لذلك، فإن إتاحة خيارات غذائية صحية أمام الأطفال، وتقديم نموذج إيجابي لهم – مثل النظر إلى الطعام على أنه «مصدر للسعادة والتغذية» وليس كعدو، كما تقول الدكتورة ديان – يمكن أن يساعدهم على قطع شوط طويل في تحسين تصورهم لأجسامهم وعلاقتهم بالطعام.

أما إذا كان الوالدان يتبنيان عادات غير صحية في تناول الطعام فإنهما سيعديان أطفالهما، كما تحذر ويتني لينسنماير، الحاصلة على درجة دكتوراه في مجال التغذية والمتحدثة باسم أكاديمية التغذية والحِميات، وهي تعمل مع طلاب الجامعات الذين يعانون من اضطرابات الأكل كجزء من دورها كأستاذ مساعد في جامعة سانت لويس.

تقول الدكتورة ويتني إنها تشاهد عن كثب كيف يمكن أن تؤثر علاقات الوالدين غير الصحية مع الطعام سلبًا على أطفالهم. وتستشهد بحالة مريضة تعاني من فقدان الشهية العصبي (هو: اضطراب في الأكل مدفوع بالخوف الزائد من اكتساب الوزن ما يؤدي إلى خسارة غير طبيعية للوزن)، كانت والدتها، خلال سنوات طفولتها ومراهقتها، تكافح من أجل زيادة وزنها، وكانت مصابة بقلق مفرط بشأن الأطعمة التي تحتوي على الكثير من الدهون.

Embed from Getty Images

وفي حين أن هذه المريضة لم تنسب بالضرورة ما أصابها لاحقًا من اضطرابات الأكل إلى تعليقات والدتها المبكرة، تؤكد الدكتورة ويتني أن تأثير الأم كان له دور في ذلك؛ لأن المرضى في بعض الأحيان قد لا يدركون أن تعليقات آبائهم أضرت بهم لأنها حدثت قديمًا في طفولتهم.

فإذا كنتَ أنت نفسك تعاني من القلق المفرط بشأن وزنك، أو كنتَ مصابًا بهوس الحميات الغذائية – التي يمكن أن تجعلك تفقد وزنك، لكن بطريقة غير صحية قصيرة المدى، عن طريق تمجيد أو شيطنة بعض الأطعمة بدلًا عن التركيز على التوازن في تناول الطعام، كما تقول الدكتورة ويتني – فقد يكون من الصعب تعويد أطفالك على عادات الأكل الصحية.

وتنصح الأستاذة المساعدة في جامعة سانت لويس بتجنب فرض قيود على أطعمة بعينها، أو الهوس باتباع حميات غذائية، مثل: حمية الكيتو (نظام غذائي منخفض الكربوهيدرات، مرتفع الدهون، متوسط البروتين) أو «هول 30» (نظام غذائي مدته 30 يومًا يركز على الأطعمة الكاملة مع استبعاد السكريات والألبان والحبوب والبقوليات)، والامتناع عن إصدار تعليقات متعلقة بالوزن، على غرار: «لا أصدق أنني تناولتُ هذا الطعام؛ لقد أفسدتُ نظامي الغذائي».

وتنصح الدكتورة ناتالي موث، وهي طبيبة أطفال تعيش في مدينة كارلسباد بولاية كاليفورنيا، ومتحدثة باسم الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، بمتابعة موقع MyPlate الذي تديره وزارة الزراعة الأمريكية، وتنشر فيه إرشاداتها الغذائية، ما يساعد الآباء على التخطيط لوجبات صحية ومتوازنة. وتوصي أيضًا بأن تحتوي الوجبات على كثير من الفواكه والخضروات، إلى جانب بعض الحبوب الكاملة والبروتين. كما تشير إلى إمكانية تعديل إرشادات الطعام لتلائم الأنماط الغذائية المختلفة، مثل الحميات الخالية من الجلوتين أو نظام الغذاء النباتي.

فوائد اجتماع العائلة حول مائدة الطعام

تنصح الدكتورة ناتالي بإجراء محادثات مبكرة مع الأطفال حول الأكل الصحي، وتطوير هذا الحوار في كل مرحلة من مراحل نموهم؛ لأن ذلك يمكن أن يساعدهم في تعزيز عاداتهم الصحية مدى الحياة. والوسيلة العملية التي تقترحها لتطبيق ذلك هي: اجتماع العائلة سويًا حول مائدة الطعام، كلما كان ذلك ممكنًا، وإشراك الأطفال في شراء الطعام والطهي لغرس الألفة بينهم وبين الفواكه والخضروات منذ نعومة أظفارهم.

Embed from Getty Images

وبينما يكبُر الأطفال، تشير الدراسات إلى أن العائلات التي تجتمع على الطعام تميل إلى اتباع نظام غذائي عالي الجودة، يحتوي على المزيد من الفواكه والخضروات، ويبتعد عن الوجبات السريعة والمشروبات السكريّة. لكن ماذا عن الأطفال الانتقائيين الذين يأنفون من تناول بعض الأطعمة؟ تقترح الدكتورة ناتالي تقديم وجبات متشابهة للجميع حين يتحلقون حول مائدة الطعام. وحتى إذا استمر طفلك في الشكوى من طعام معين، فلا تقلق؛ فما هي إلا عدة محاولات حتى يعتاد تناوله.

تقول أليكسيس بيترسن، البالغة من العمر 37 عامًا، وهي مديرة في مجال تسويق المحتوى وتعيش في مدينة آن أربور بولاية ميتشيجان، إنها نشأت في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي على تناول معظم وجباتها أمام التلفاز.

أما الآن فهي تركز على جعل أوقات تناول الطعام تجربة ممتعة بصحبة طفليها – اللذين يبلغان من العمر سبع وثلاث سنوات – وتقدم للجميع الأطعمة نفسها، بما يساعدهم على تناول ما يريدونه، سواء بكميات أقل أو أكثر، من الطعام الموجود في أطباقهم. ولأن أحد طفليها انتقائي وصعب إرضاء ذوقه في الطعام، فإنها تعتمد على الأطباق المألوفة، مثل شطائر التاكو، وتقدم حشوات مبتكرة لتشجيعه على تجربة أطعمة جديدة. وهي تؤكد أن هذا النهج أحرز نجاحًا كبيرًا.

لا تعرب عن اشمئزازك مما يشتهيه الآخرون

تشدد الدكتورة ناتالي على ضرورة الالتزام بالحوار الإيجابي في جميع النقاشات التي تدور حول الطعام، وتجنُّب الإدلاء بتعليقات سلبية حول مظهر الأطفال أو أي شخص آخر، أو توجيه انتقادات لأنماط الأكل؛ لأن ذلك يمكن أن يساعد في تقوية علاقة طفلك بالطعام. وتحذر من أن ذاكرة الأطفال قد تحتفظ بالملاحظات السلبية، وبالتالي قد يتسبب الطعام في إحراج الآخرين، أو تطوير عادات أكل غير صحية، أو التسبب في اضطراب الأكل.

تضيف الدكتورة ناتالي: «أشجع الآباء، أيًا كان نوع الاختيارات التي اتخذوها بشأن اتباع نمط غذائي صحي – مهما كان ذلك مهمًا بالنسبة لهم – أو بشأن أنماط معينة من الوجبات؛ على محاولة أن يكونوا إيجابيين حيال ذلك». وتؤكد على أن المحادثات الإيجابية ينبغي أن تركز على «تناول طعام حقيقي (الطعام الكامل النقي غير المعالج) قدر الإمكان، وتناول الكثير من الفواكه والخضروات، والإنصات إلى الإشارات التي يرسلها جسدك للتعبير عن الجوع أو الامتلاء»، مشيرة إلى ضرورة ألا تكون هناك «أطعمة ممنوعة».

Embed from Getty Images

وتنصح كايتلين ابنها بـ«ألا يتقزز مما يشتهيه الآخرون»، وأن يتجنب إصدار أحكام على ما يأكله غيره. وتعلمه قاعدة أخرى: عليه أن يجرب الطعام قبل أن يصدر حكمًا بأنه لا يحبه. وتقول: إن ابنها منفتح إلى حد ما على تجربة معظم الأطعمة، وإن كان يجد صعوبة في الاعتياد على تناول الخضروات.

لا تُقحِم «الوزن» في محادثات الأكل الصحي

تنوِّه الدكتورة جيريكا بيرج، وهي أستاذة مشاركة ونائبة رئيس قسم الأبحاث في قسم طب الأسرة وصحة المجتمع بجامعة مينيسوتا، إلى أن التركيز على عامل الوزن في المحادثات التي نجريها مع الأطفال الأصغر سنًا يمكن أن تتجسد خلال فترة مراهقتهم في ثوب مشاعر تخصم من رصيد تقديرهم لذواتهم، وتجعلهم ينظرون بسلبية إلى أجسادهم، وتصيبهم باضطراب الأكل.

وخلُصَت دراسة نشرتها الدكتورة جيريكا في مجلة JAMA المتخصصة في طب الأطفال عام 2013 إلى أن المراهقين الذين يجري آباؤهم معهم محادثات متعلقة بالوزن يكونون أكثر ميلًا لاتباع نظام غذائي يعتمد على سلوكيات غير صحية للتحكم في الوزن والإفراط في تناول الطعام أكثر من الأطفال الذين أجرى آباؤهم معهم محادثات ركزت فقط على أهمية الأكل الصحي.

تقول الدكتورة جيريكا إن إرسال الرسائل الصحيحة للأطفال في سن مبكرة – حتى لا تتسبب لهم في ضرر لاحقًا – يمثل تحديًا؛ لأن أي نقاش يدور حول تناول الخضروات أو ممارسة التمارين الرياضية يمكن أن يصبح ضارًا حينما يتمحور حول نقطة فقدان الوزن. بدلًا عن ذلك، ينصحك المقال بالحديث عن النتائج أو السلوكيات الإيجابية التي تهم الطفل، مثل القدرات الرياضية.

لا تفرط في القلق حيال وجبات الأطفال

حين يشعر الآباء بالقلق – سواء كان ذلك نتيجة نقاشاتهم مع الآباء الآخرين أو بسبب مشاهدتهم محتوى يتعلق بالصحة عبر الإنترنت – فإن ذلك يدفعهم عادة إلى الهوس بضرورة اتباع أطفالهم حميات غذائية معينة، أو مقارنة حميات أطفالهم بتلك التي يتبعها الأطفال الآخرون. لكن الدكتورة ناتالي تنصح بأن يركز الآباء على النمط الغذائي الصحي الأنسب لعائلاتهم، وعدم القلق بشأن ما يفعله الآخرون.

صحيح أن الاهتمام بمخطط نمو طفلك أمر مهم لضمان نموه بوتيرة صحية تتناسب مع عمره، لكن الدكتورة ناتالي توضح أنه في بعض الحالات قد يكون من المهم أيضًا التركيز على تربية طفل يتمتع بصحة جيدة ويشعر بالسعادة، وعدم اختزال المسألة برمتها في رقمٍ على مؤشر.

Embed from Getty Images

متى ينبغي عليك أن تقلق؟

تنصح الدكتورة ناتالي الآباء بأن يستشيروا طبيب أطفال أو أخصائي تغذية إذا وجدوا أطفالهم، أيًا كان عمرهم، يفرطون في الاهتمام بعامل الوزن لدرجة الهوس، أو يزيد وزنهم أو ينقص بمعدل كبير خلال فترة زمنية قصيرة.

وهناك أجراس إنذار أخرى تشير إلى الإصابة باضطراب الأكل أو النظر بطريقة سلبية إلى الجسم، منها: تخطي بعض وجبات الطعام، والتحدث بكثرة عن الوزن، والإدلاء بتعليقات سلبية أو مخزية عن عادات الآخرين في تناول الطعام أوشكل أجسامهم، وتناول الطعام سرًا بعيدًا عن الأعين، واختزال الحديث عن بعض الأطعمة بوصفها جيدة أو سيئة. في هذه الحالة يمكن أن يساعد طبيب الأطفال أو أخصائي التغذية الآباء في التحديث بإيجابية مع أطفالهم، وتبني خطة غذائية صحية.

الطفل

منذ سنتين
هل يؤثر الطعام على الصحة العقلية للأطفال؟

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد