أعد المصور الصحفي بادي دولنج تقريرًا من تنزانيا لصحيفة «الإندبندنت» كشف فيه كيف أن الفقر في دول العالم النامي هو العقبة الأكبر أمام التعليم، بسبب اضطرار الأطفال ترك المدارس والعمل للمساعدة في إعالة أسرهم. أوضح بادلنج أن حوالي 258 مليون طفل وشاب في جميع أنحاء العالم لا يحصلون على التعليم، 59 مليونًا منهم في المرحلة الابتدائية وحدها، وفقًا لمعهد اليونسكو للإحصاء.
واليوم، ما يزال الفقر أحد أكبر الحواجز التي تحول دون الالتحاق ببرامج التعليم. ولا أدل على ذلك من المناطق الريفية والنائية في تنزانيا، حيث أُجبر صبي يبلغ من العمر 12 عامًا على ترك المدرسة والعمل، وهو محاصر في حلقة من الخطر واليأس؛ حتى يساعد في إعالة عائلته. يقول: «ليس لدي خيار آخر، أعرف أن العمل خطير، ولكني أشعر أنه يجب أن أساعد أسرتي. إنني حزين لترك المدرسة».
يعمل تشاتشا 12 ساعة يوميًّا تحت جنح الظلام لتجنب اكتشافه في أحد مواقع استخراج الذهب الصغيرة في شمال غرب البلاد. بشكل غير قانوني، ينقب في المناجم بحثًا عن الصخور الحاملة للمعادن النفيسة، فيستخرجها ويبيعها للوسطاء الذين يستخلصون الذهب منها. يجني الصبي 1.50 جنيه إسترليني يوميًّا للمساهمة في فواتير المنزل. إن عمله مرهق وخطير. إذ يجري إطلاق النار على المتعدين، حتى الأطفال.
يوجد في تنزانيا قوانين قوية تحكم عمل الأطفال – يؤكد دولنج – تدعمها خطة عمل وطنية للقضاء على هذه الممارسة. تحظر الخطة على الأطفال دون سن 18 عامًا المشاركة في أعمال خطرة، بما في ذلك التعدين، ولكن مع ذلك يجري إغراء الأطفال في المناجم على أمل تغيير مصائر عائلاتهم.
لم تطأ قدما تشاتشا فصل المدرسة، وربما لن يفعل ذلك أبدًا. إنه واحد من 1.895 مليون طفل خارج المدرسة في تنزانيا اليوم.
لعل أمله الوحيد يكون في الشراكات مثل تلك بين مؤسسة التعليم فوق الجميع «EAA إي إيه إيه» ومؤسسة جراسا ميشيل. تشدد هذه الشراكات بقوة على بناء القدرات، وتعزيز المدارس في جميع المناطق؛ لمساعدتها على العمل بكفاءة واستدامة، وكذلك المشاركة المجتمعية، ودعم الخدمات. نجحت الشراكة في تسجيل 23.479 من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في التعليم الابتدائي الجيد على مدار عامين في منطقة مارا، وهي أكثر المناطق في تنزانيا صعوبةً في الوصول إليها.
جلبت مؤسسة جراسا ميشيل برنامج التعليم المكمل للتعليم الأساسي في تنزانيا «COBET»، لإعطاء فرصة ثانية للمتعلمين الذين تجاوزوا سن الالتحاق بالمدرسة ولم يرتادوها قط، ولمن تركوها.
في عام 2001 – يضيف دولنج – نفذت تنزانيا برنامج تطوير التعليم الابتدائي وألغت الرسوم المدرسية العامة؛ لزيادة الوصول إلى التعليم الابتدائي. ولكن ظهرت العديد من التحديات. أصبح التعليم الآن إلزاميًّا للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سبعة و15 عامًا، وعلى الرغم من أن معدل الالتحاق قد زاد بشدة، فإن تنزانيا لم تحقق بعد التعليم الابتدائي الشامل. فغالبية الأطفال في تنزانيا لا يذهبون إلى المدرسة بسبب الرسوم غير الرسمية، أو مساهمات الآباء اللازمة للتسجيل. ويشمل ذلك، من بين أشياء أخرى، الشراء الإجباري للأحذية.
يرى دولنج أن الالتحاق بالمدارس الابتدائية حق أصيل للأطفال، بغض النظر عما إذا كان آباؤهم يستطيعون دفع الرسوم أم لا، فربما هم نفسهم لم يتلقوا أي تعليم. في جوهرها، إذا فشل الطفل في اكتساب المهارات الأساسية اللازمة للإسهام كعضو فاعل في المجتمع، فإن الخسارة هائلة، ليس فقط للطفل أو المجتمع، ولكن للأمة ككل. وبالنسبة لأولئك المتشككين، يمكن أن يؤدي التعليم في النهاية إلى الحد من الفقر للأجيال القادمة. تشير الدراسات إلى أن ما سيجنيه المجتمع من تعليم الأطفال يفوق بكثير ما سيجنيه من عدم تعليمهم.
كرست الشيخة موزة بنت ناصر، رئيسة مؤسسة التعليم فوق الجميع، معظم حياتها لضمان ذهاب الأطفال الأكثر تهميشًا إلى المدرسة. لقد قالت في مقر اليونسكو في باريس العام الماضي: «لا يمكن للإحصائيات تصنيف تأثير أحلام الأطفال المكسورة. لذلك يجب ألا ننخدع بالأرقام، ولا يمكننا قبول اللامبالاة ردًّا. لأن التاريخ سيحكم علينا من خلال ما نقوم به».
إن العطاء الذي يبذله عدد قليل من الأشخاص يغير حياة الملايين. لذا، يجب الاحتفال بهذه الأعمال اللطيفة اليوم.
استثمرت مؤسسة التعليم فوق الجميع، من خلال برنامج Educate A Child 1.8 (علِّم طفل) مليار دولار في التعليم والتزمت بتسجيل 10.4 مليون طفل غير ملتحق بالمدارس في التعليم الابتدائي في أكثر من 50 دولة. وفقًا لفوربس هذا العام، هناك 2153 ملياردير في العالم يسيطرون على 8.7 تريليون دولار. لنتخيل التأثير الذي يمكن تحقيقه عندما يلتزم عدد أكبر من الأغنياء بالاستثمار في تعليم الأطفال.
لقد حان الوقت للمساعدة في ضمان عدم وجود أطفال غير ملتحقين بالمدرسة في كل ركن من أركان العالم – يقول دولنج – فلكل طفل الحق في التعليم الجيد، ومع ذلك، إلى حين تبني ذلك من قبل المجتمع ككل، لن يكون هناك تعليم للجميع.
إذا كانت هوامش الحياة بالنسبة لـ59 مليون طفل يظلون خارج المدرسة ضئيلة للغاية بحيث يكون الحاجز أمام الالتحاق هو زوج من الأحذية، فإننا نحتاج جميعًا إلى التفكير في اتخاذ إجراء لتصحيح الأمر.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».