سلَّط تقريرٌ نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، وأعدَّهَ ستيفن لي مايرز، مدير مكتب نيويورك تايمز في العاصمة الصينية بكين، وفرناز فصيحي، مراسلة الصحيفة الأمريكية في الشرق الأوسط، الضوء على الاتفاقية التي أُبرمت بين الصين وإيران لاستثمار 400 مليار دولار في إيران على مدى الـ25 عامًا القادمة مقابل إمدادات ثابتة من النفط للصين، مرجحًا أن تؤدي الاتفاقية إلى تعزيز نفوذ الصين في منطقة الشرق الأوسط وإخراج إيران من عزلتها الدولية التي تفرضها عليها الولايات المتحدة.

تعزيز نفوذ الصين وخروج إيران من عزلتها

استهل الكاتبان تقريرهما بالإشارة إلى موافقة الصين على استثمار 400 مليار دولار في إيران على مدى 25 عامًا مقابل إمدادات ثابتة من النفط لتغذية اقتصادها المتنامي بموجب اتفاق اقتصادي وأمني شاملَيْن وقَّعته البلدان يوم السبت. ويمكن أن يؤدي الاتفاق إلى تعزيز نفوذ الصين في الشرق الأوسط وتقويض الجهود الأمريكية الرامية إلى الحفاظ على العزلة المفروضة على إيران. لكن لم يتضح على الفور حجم الاتفاق، الذي قد ينفَّذ بين البلدين، بينما لم يزل الخلاف الأمريكي مع إيران بشأن برنامجها النووي من دون حل.

دولي

منذ سنتين
مترجم: هل تجرؤ إيران على مهاجمة قاعدة عسكرية أمريكية داخل أمريكا؟

وأوضح التقرير أن الرئيس الأمريكي جو بايدن عرض استئناف المفاوضات مع إيران بشأن الاتفاق النووي لعام 2015 الذي ألغاه سلفه، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بعد ثلاث سنوات من توقيعه. ويقول مسؤولون أمريكيون إن كلا البلدين قد يتَّخذان خطوات متزامنة ومتناسقة لكي تمتثِل إيران لبنود الاتفاق النووي، بينما ترفع الولايات المتحدة العقوبات تدريجيًّا.

وفي المقابل رفضت إيران هذا العرض، ودعمتها الصين في ذلك، مُطالبةً الولايات المتحدة أولًا برفع العقوبات الأحادية الجانب، التي خنقت الاقتصاد الإيراني، قبل الدخول في محادثات إحياء الاتفاق النووي الذي ألغته الولايات المتحدة. وكانت الصين واحدة من خمس قوًى عالمية وقَّعت، إلى جانب الولايات المتحدة، الاتفاق النووي الذي أُبرِم في عام 2015 مع إيران.

طموح الصين المتزايد في المنطقة

ونقل التقرير عن وكالة أنباء «فارس» الإيرانية الرسمية أن وزيرا خارجية إيران والصين، جواد ظريف ووانج يي، وقَّعا الاتفاقية خلال حفل أُقيم في مقر وزارة الخارجية الإيرانية في طهران يوم السبت. وعَكَس توقيع الاتفاقية، التي كانت تتويجًا لزيارة قام بها وزير الخارجية الصيني لطهران استمرت ليومين، طموح الصين المتزايد لأداء دور أكبر في منطقة ظلَّت لعقود تمثل الشغل الشاغل للولايات المتحدة من الناحية الإستراتيجية.

Embed from Getty Images

من جانبها أفادت وزارة الخارجية الصينية أن وانج أخبر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، خلال الاجتماع الذي عُقِد بينهما أن «الصين تدعم إيران دعمًا راسخًا في الحفاظ على سيادة الدولة الفارسية وعدم المساس بكرامتها الوطنية». وأكَّد وانج قائلًا: «يتعين على الولايات المتحدة إلغاء العقوبات المفروضة على إيران فورًا، وأن تكفَّ ذراعها الطولى المتمثِّلة في الإجراءات القضائية عن استهداف الصين، من بين دول أخرى».

وتابع التقرير موضحًا أن إيران لم تعلن عن تفاصيل الاتفاقية قبل التوقيع عليها، ولم تُقدِّم الحكومة الصينية أي تفاصيل بشأنها. لكن بعض الخبراء قالوا إن الاتفاقية لا تختلف كثيرًا عن مسودة حصلت عليها صحيفة «نيويورك تايمز» العام الماضي مكونة من 18 صفحة. وأوضحت تلك المسودة بالتفصيل أن الصين ستضخ استثمارات تُقدَّر بنحو 400 مليار دولار في عشرات المجالات، ومنها البنوك والاتصالات والموانئ والسكك الحديدية والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات على مدى الـ25 عامًا المقبلة هي مدة الاتفاقية.

وفي المقابل أفاد مسؤول إيراني وتاجر نفط أن الصين ستحصل على إمدادات ثابتة منخفضة جدًّا من النفط الإيراني.

اتفاق شامل للتعاون

ويُضيف التقرير أن مسودة الاتفاقية دعَت أيضًا إلى تعميق التعاون العسكري، بما في ذلك التدريبات والمناورات المشتركة وإجراء البحوث المشتركة، بالإضافة إلى تطوير الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخباراتية. وروَّج مسؤولون إيرانيون للاتفاقية مع بكين، والتي اقترحها الزعيم الصيني، شي جين بينج، أول مرة خلال زيارة قام بها إلى منطقة الشرق الأوسط في عام 2016، باعتبارها إنجازًا. لكن الاتفاقية قوبلت بالانتقادات داخل إيران على أساس أن الحكومة الإيرانية ربما تقدم الكثير للصين في مقابل إبرام هذه الاتفاقية.

وفي هذا الصدد وصف حسام الدين أشينا، كبير مستشاري الرئيس الإيراني روحاني، الصفقة على تويتر بأنها: «نموذج للدبلوماسية الناجحة، ودليل واضح على قوة إيران في المشاركة في التحالفات، وليس البقاء في عزلة». كما وصف أشينا الاتفاقية بأنها: «مرسوم مهم لتعاون طويل الأمد بعد مفاوضات طويلة وعمل مشترك».

بينما وصف سعيد خطيب زاده، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، الاتفاقية بأنها «خارطة طريق كاملة» للعلاقات بين البلدين خلال الـ25 عامًا المقبلة.

المنطقة في مفترق طرق

ونوَّه التقرير إلى أن وزير الخارجية الصيني وانج يي زَارَ المملكة العربية السعودية (خصم إيران اللدود) وتركيا، ومن المقرر أن يتوجه إلى زيارة الإمارات العربية المتحدة والبحرين وسلطنة عمان في الأيام القادمة. وعرض وانج مساعدة الصين في حل الخلافات المستمرة، بما في ذلك برنامج إيران النووي، قائلًا: «إن المنطقة تقف حاليًا في مفترق طرق». بل إن الصين على استعداد لاستضافة المحادثات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، في إشارة إلى أن السيطرة الأمريكية على المنطقة حالت دون إحلال السلام وتحقيق التنمية.

Embed from Getty Images

وفي إيران كانت الآراء وردود الفعل متباينة بشأن نفوذ الصين المتزايد في المنطقة -بحسب التقرير- إذ كانت المفاوضات المتعلقة بإبرام هذه الاتفاقية، التي اقترحها الزعيم الصيني لأول مرة خلال زيارته في عام 2016، تسير في البداية ببطء. وكانت إيران قد توصَّلت حينها إلى اتفاق مع الولايات المتحدة ودول أخرى لتخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران نظير فرض قيود صارمة على أنشطتها البحثية النووية، وبدأت الشركات الأوروبية تتدفق على إيران باستثمارات وعروض لإبرام شراكات متبادلة لتطوير حقول الغاز والنفط.

تاريخ ممتد للعلاقات بين الصين وإيران

ويستدرك كاتبا التقرير قائلَيْن: لكن هذه الفرص تبخَّرت بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عهد ترامب وفرض عقوبات جديدة على إيران، والتي أثارت مخاوف الأوروبيين من التورط فيها، مما أجبرَ إيران على أن تولِّي وجهها نحو الشرق. وأصدر آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، أمرًا بإحياء المحادثات مع الصين، وعيَّن علي لاريجاني، وهو سياسي محافظ موثوق به ورئيس البرلمان الإيراني السابق، مبعوثًا خاصًا للمفاوضات.

وأكدَّ ظريف، وزير الخارجية الإيراني، بعد توقيع الاتفاق قائلًا: «الصين صديقة في الأوقات الصعبة. ويعود تاريخ التعاون بين الحضارتين القديمتين في إيران والصين إلى قرون عديدة مضت. إن توقيع اتفاقية التعاون سيعزز العلاقات بين البلدين».

ومن جانب آخر اشتكى المنتقِدون للاتفاقية من نقص المعلومات وافتقار المفاوضات للشفافية، ووصفوا الاتفاقية بأنها بيع لموارد إيران، وقارنوا بينها وبين الاتفاقيات الأحادية الجانب التي أبرمتها الصين مع دول مثل سريلانكا. بينما رأى مؤيدو الاتفاقية أنه يتعين على إيران أن تكون براجماتية وتعترف بأهمية اقتصاد الصين المتنامي.

الاتجاه نحو الشرق

وفي السياق ذاته قال علي شريعتي، وهو محلل اقتصادي، وكان عضوًا في غرفة التجارة الإيرانية حتى وقت قريب: «لقد ظللنا – نحن الإيرانيين – لمدة طويلة جدًّا خلال تشكيل تحالفاتنا الإستراتيجية نضع كل البيض في سلة الغرب ولم تؤتِ هذه السياسة أُكُلها. وفي الوقت الراهن، إذا غيَّرنا هذه السياسة ونظرنا إلى الشرق فلن يكون الأمر بهذا السوء».

ولفت التقرير إلى أنه لم يتبقَ سوى أن ننظر إلى المشاريع الطموحة المفصلة في الاتفاقية تتحقق في الواقع. وإذا انهار الاتفاق النووي تمامًا، ربما تفرض واشنطن أيضًا على الشركات الصينية عقوبات ثانوية، وهي قضية أثارت غضب الصين في السابق. وتضمنت المقاضاة الأمريكية لهواوي (شركة الاتصالات الصينية العملاقة)، اتهامات بأن الشركة كانت تتداول مع إيران في الخفاء، وهو ما يُعد انتهاكًا لتلك العقوبات المفروضة على طهران.

Embed from Getty Images

وفي الختام استشهد التقرير بما أكَّد عليه مسؤولون صينيون أن كلًا من واشنطن وطهران بحاجة إلى اتخاذ خطوات لنزع فتيل النزاع النووي الإيراني. وقال وزير خارجية الصين، وانغ يي، خلال المحادثات التي أجراها مع نظيره الإيراني، جواد ظريف: «يمكن لجميع الأطراف النظر في نهج تبادل المصالح المتزامن، ووضع خارطة طريق لاستعادة الالتزام بالاتفاق النووي. ويمكن أن تكون هناك جهود لتحقيق مكاسب أولية، وتهيئة الظروف لإعادة إحياء الاتفاق النووي بأكمله».

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد