الأسلحة المتطورة مفيدة بلا شك، ولكنَّ أوجه قصور الإصلاح في المجال العسكري الصيني حاليًا تُعيق قدرة الجيش الصيني على استخدام هذه المعدَّات الحديثة.
نشرت مجلة «ذا دبلومات» الأمريكية تحليلًا لستيف ساكس، وهو ضابط استخباراتي يعمل في مقر سلاح مشاة البحرية الأمريكية، تناول فيه الحديث عن مواطن القوة والضعف في صفوف الجيش الصيني، مشيرًا إلى أوجه الخلل في بعض التحليلات الأمريكية الخاصة بذلك، ومؤكدًا أن بعض التحليلات تفتقر إلى التوازن بين مواطن القوة والضعف. وخلُص الكاتب إلى أن محلِّلي الدفاع وصنَّاع السياسات في الولايات المتحدة ينبغي أن ينتبهوا إلى مؤشرات التحسينات التي تجريها الصين في جميع مجالات أوجه القصور الحرجة في الجيش الصيني.
يستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى المقال الذي كتبه رايان هاس ونشرته مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية في 3 مارس (آذار) ، حيث حذَّر هاس المحللين وصنَّاع القرار الأمريكيين من تبني موقف مثير للقلق من نوعٍ خاص تجاه الصين. إذ ربما يؤدي هذا الموقف المثير للقلق إلى زيادة القلق في أوساط المحللين وصُنَّاع السياسات، ولكن ذلك لن يرتكز على مجموع الأدلة المتوفرة لديهم. ويشير هاس مباشرةً إلى كيفية نجاح الأنظمة الاستبدادية في إظهار قوتها وإخفاء ضعفها عن طريق التحكُّم في المعلومات التي تتسرب من وراء حدودها. ويرى هاس أن «صنَّاع السياسة في واشنطن يجب أن يكونوا قادرين على التمييز بين الصورة التي تُقدِّمَها بكين والواقع الذي تواجهه».
ومن خلال رسم صورة واضحة وشاملة لنقاط القوة والضعف على حدٍ سواء في الصين، يمكن أن يُسهم صنَّاع السياسات في زيادة توعية صنَّاع القرار بشأن المسائل الرئيسة المتعلقة بالمنافسة. ولا تشتمل التحليلات التي ينصَبُّ تركيزها على الصور المتوقعة للقوة إلا على نصف الأدلة فحسب. ويشير هاس إلى أنه حتى نتجنب إثارة القلق، يجب أن يتأكد المحللون وصنَّاع السياسة من أن تقييماتهم للقوة العسكرية الصينية تسترشد على نحوٍ مماثلٍ من نقاط القوة الصينية المتوقعة وأوجه قصورها الحالية.
وفي هذا المقال، يسلِّط الكاتب الضوء على أوجه الخلل القائمة في جميع التحليلات الحالية للجيش الصيني وتقديم تقييمات تكميلية لنقاط الضعف القائمة التي يجب أن يضيفها المحللون الأمريكيون إلى تقييمات القوة العسكرية.
نِصْفَا تقييم القوة العسكرية للجيش الصيني وتقدُّماته
ويضيف الكاتب: يتجلى التحليل المثير للقلق الذي يفتقر إلى التوازن بين نقاط القوة والضعف في الجيش الصيني في شهادة قائد القيادة الأمريكية لمنطقة المحيطين الهندي والهادي (إندوباكوم) في مارس 2021 أمام لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ فيما يتعلق بكيفية تخطيط قيادته للِّحاق بركب التحديث التكنولوجي الصيني. ويتضمن هذا الهدف التركيز على التطورات التكنولوجية الأمريكية التي تؤدي إلى زيادة القدرة الفتَّاكة للقوة المشتركة، فضلًا عن توسيع نطاق قُدُرات إطلاق النيران على مدى بعيد بدقَّة. ونظرًا لتوفُّر دليل على التهديد المتزايد الذي يُشكِّله الجيش الصيني، شدَّد الأدميرال فيليب ديفيدسون في شهادته المكتوبة على بدء تشغيل منصات جوية وبحرية جديدة ومتطورة.
ولا تُمثِّل الصواريخ الجديدة والمنصات المتطورة سوى جزء صغير من جهود الجيش الصيني الرامية إلى تحقيق تكافؤ مع خصومه. ويصف الكاتب هذا التطور التكنولوجي بأنه «تحديث عسكري»، يُحدِّده تطوير منظومة أسلحة مُتقَنة وتحسين عتاد حربي لتلبية المتطلبات العسكرية. ومع ذلك، هناك صندوق آخر من التطورات التي يصفها الكاتب بأنها تُمثِّل «إصلاحًا عسكريًّا»، والتي يقل تحديدها من خلال المعدَّات ويزيد من خلال تطورات مؤسسية مثل إعادة هيكلة التسلسل الهرمي للجيش الصيني وإعادة ترتيب أولويات التدريب الواقعي في العمليات المشتركة المتكاملة.
ومع أن صندوق التحديث العسكري يُمثِّل صورة قوة الجيش الصيني ويميل إلى جذب جُلِّ الاهتمام في التقارير الصحفية، يحظى صندوق الإصلاح العسكري بقدر أقل من الضجة الإعلامية، ولكنه يسلِّط الضوء على مواطن الضعف الحالية في الجيش الصيني. وتبرز فائدة الأسلحة المتطورة الجديدة في تمكين استعمال القوة الفتَّاكة للجيش، ولكن تعيق أوجه القصور الحالية في الإصلاح العسكري قُدرة الجيش الصيني على استخدام هذه المعدَّات لتحقيق أهداف الصين السياسية والإستراتيجية. وحتى يقدِّم المحللون وصَّناع السياسة أفضل تحليل متوازن لمواطن القوة والضعف في الجيش الصيني، ينبغي ألا يقتصر تركيزهم على تقييم مواطن القوة المتعلقة بالتحديث العسكري، بل ينبغي أن يركزوا أيضًا على مواطن الضعف المتعلقة بالإصلاح العسكري.
التركيز الحالي على التحديث العسكري في الجيش الصيني
ويردف الكاتب قائلًا: ينبع أحدث الأمثلة على تحديث الجيش الصيني وإصلاحه من سلسلة من المساعي التي بذلها شي جين بينج، رئيس اللجنة العسكرية المركزية الصينية، إذ استهدفت هذه المساعي ما أُطلِق عليه «مواطن العجز الخمسة». وتُسلِّط مواطن العجز هذه الضوء على مواطن الضعف الحالية في الجيش الصيني التي ستحُول دون تحقيق التحديث العسكري له بحلول عام 2035 كما ستمنعه من أن يصبح جيشًا على مستوى عالمي بحلول عام 2049. ويتمثل أحد المكوِّنات الرئيسة لهذه الجهود في تطوير منظومات أسلحة قتالية ذات مصداقية واستخدامها بحيث يمكنها تعريض أصول الخصوم الرئيسة للخطر، وتمكين الجيش الصيني من توسيع نطاق نفوذه خارج البر الصيني الرئيس.
ويتطلع التحديث العسكري إلى تسليح الجيش الصيني بمنظومات الأسلحة اللازمة لتنفيذ الإستراتيجية الصينية المتمثلة في «الدفاع النَّشط» عن المصالح الوطنية الأساسية تنفيذًا فعَّالًا. وتتضمن هذه الجهود إنتاج صواريخ باليستية جديدة متوسطة المدى يمكنها الوصول إلى القواعد الأمريكية في جزيرة جوام (في المحيط الهادي)، فضلًا عن قدرات فضائية جديدة تُعزِّز جهاز الاستخبارات التابع للجيش وأنظمة المراقبة والاستطلاع على مسافات أطول. كما يهدف التحديث العسكري إلى بناء الجيش الصيني بحيث يكون قادرًا على تنفيذ أنشطة عسكرية عالمية تُظهر القوة الصينية لحماية مصالحها الأجنبية ومواطنيها المقيمين خارج البلاد.
الإصلاح العسكري.. الجزء الآخر في حملة تحوُّل الجيش الصيني
ويشير التحليل إلى أنه حتى مع وجود أدوات جديدة، أدرك شي جين بينج ضرورة تنفيذ إصلاحات شاملة لدعم قوة تتسم بالقدرة والكفاءة. وفي أواخر عام 2015، قنَّن شي جين بينج في البداية حملته المعنية بإجراء إصلاح عسكري، بعد تحديد جيش يكافح من أجل تلبية متطلبات شن حرب محلية في ظل الظروف المعلوماتية. ويستند مفهوم الحرب الشبكية هذا إلى مراقبة واستطلاع مستمرَّيْن إلى جانب ذخائر موجَّهة بدقة والتي تُخفِّف من الأضرار الجانبية وتخفِّف كذلك من خطر التصعيد العسكري غير المقصود.
وفي ظل هذه الظروف، أعلن شي جين بينج عن إجراء إصلاحات شاملة تهدف إلى إضفاء طابع احترافي على الجيش الصيني على مدى السنوات الخمس اللاحقة. وكانت هذه الإصلاحات تهدف إلى تقريب القوة من تحقيق مكانة عسكرية على صعيد عالمي. وتمثَّل أحد التغييرات الرئيسة الأولى في تحويل المناطق العسكرية إلى «قيادة مسرح العمليات» وتنظيمها على نحوٍ مماثلٍ لقيادات العمليات القتالية الجغرافية الأمريكية. وزوَّدت هذه التغييرات الجيش الصيني بمهارات إضافية ضرورية لتنفيذ مهمات وحملات أكثر تعقيدًا، مثل هبوط برمائي افتراضي في تايوان.
وتسببت هذه الإصلاحات أيضًا في تطوير ثلاث خدمات جديدة داخل الجيش الصيني، وهي: القوة الصاروخية (بلارف) التي خرجت من رحم فرق المدفعية الثانية سابقًا، والتي تدير عمليات إطلاق النار البعيدة المدى بدقة وترسانة الصواريخ النووية في البلاد، وفريق الدعم الإستراتيجي، الذي يدير عمليات المعلومات، والعمليات الفضائية، والعمليات الإلكترونية، وفريق الدعم اللوجستي المشترك، الذي يدير حركة العتاد في جميع أنحاء البلاد، فضلًا عن ضمان التكامل العسكري المدني للدعم اللوجستي للجيش الصيني.
ومن خلال هذه المنظمات الثلاث الجديدة، أضْفَت بكين طابعًا مركزيًّا على قيادة ترسانتها الإستراتيجية الحركية وغير الحركية. وتضْمَن هذه المركزية السيطرة الفعَّالة والولاء السياسي لهذه القوات، مع معالجة مواطن الضعف الحرجة في الجيش الصيني الذي يحيط بالعمليات المشتركة المتكاملة عبر جميع المهام القتالية.
مهمة غير مكتملة لإصلاحات الجيش الصيني
ويُعرِّج الكاتب قائلًا: بينما اختُتِمَت حملة شي جين بينج للإصلاح العسكري لعام 2015 في عام 2020، استمرت جهوده الرامية إلى تحسين أوجه القصور المُحدَّدة في الجيش الصيني، مثل تنمية الأفراد ذوي الكفاءة، وتعزيز العمليات المشتركة المتكاملة، والتأكيد على التدريب القتالي الواقعي. وفي أثناء الجلسة المكتملة الخامسة للمؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، حدَّد الحزب الصيني موعدًا مُستهدَفًا جديدًا في عام 2027 لإستراتيجية شي جين بينج للتنمية ذات الخطوات الثلاث لتحديث الدفاع. وبحلول الموعد الجديد، يُكلَّف الجيش الصيني بالوصول إلى أهداف التقدُّم العسكري، مثل تسريع وتيرة الإصلاحات العقائدية والتنظيمية.
ونظر الجيش الصيني إلى عام 2035 باعتباره الموعد الثاني الذي سيدمج فيه حربًا آلية (قادرة على التعبئة بسرعة عبر مسافات شاسعة) ومعلوماتية (وهي العمليات التي يقودها استطلاع شامل وأسلحة قادرة على إصابة أهدافها بدقة) وذكية (وهي الحملات التي تُنفَّذ من خلال منظومات قتالية يوفرها الذكاء الاصطناعي لضغط دوائر اتخاذ القرارات).
وتتمثَّل المحطة الأخيرة لخطة شي جين بينج المكونة من ثلاث خطوات في عام 2049 عندما يكون الجيش الصيني على وشك بلوغ مكانة عسكرية عالمية. وحتى يُحقِّق هذه الأهداف، من المرجح أن يواصل شي جين بينج حملاته التي تهدف إلى مكافحة الفساد، وتحسين إدارة المواهب وبرامج الاحتفاظ بها، والمطالبة بتنفيذ عمليات مُشتركة مُعقَّدة ومتكاملة في التدريب والتمارين على حدٍ سواء.
لماذا لا يمكننا تجاهل النصف الآخر من تطوير الجيش الصيني؟
يدرك شي جين بينج واللجنة العسكرية المركزية أن إدخال أسلحة متطورة إلى قوة عسكرية تتَّسم بالتدريب والإدارة السَّيئَيْن لن يمكِّن الجيش الصيني من تحقيق أهداف الحزب الإستراتيجية. ومع ذلك تُمكِّن الأدوات الجديدة بكين من إدامة صورها المتوقعة للقوة العسكرية مع إخفاء أوجه القصور المستمرة المتعلقة بالإصلاح العسكري.
ويختم الكاتب تحليله بالقول: يجب أن ينتبه محلِّلو الدفاع وصنَّاع السياسات في الولايات المتحدة إلى مؤشرات التحسينات في جميع مجالات أوجه القصور الحرجة في الجيش الصيني التي حددها شي جين بينج من أجل إجراء تقييمات واضحة وشاملة للتقدُّم داخل حملتي تحديث الجيش وإصلاحه على حدٍ سواء. ويمكن أن تُقدِّم مؤشرات التقدُّم المُستمر نظرة نقدية فيما يتعلق بثقة قادة الحزب في قدرة الجيش الصيني على المنافسة والقتال وكسب الحروب، مع تسليط الضوء أيضًا على مجالات أوجه القصور المستمر في كل ما يتصل بالقوة.
وإذا انصبَّ تركيز المحلِّلين العسكريين وصنَّاع السياسة على شراء مُعدَّات جديدة، وصواريخ ذات مدى أطول، وسفن أوسع مقدرة، وطائرات ذات قدرة أكبر على التخفي فقط، فإنهم يرون نصف الصورة فقط، ويخاطرون بإفساح المجال أمام الجيش الصيني ليشعر بالفخر والرضا عن الذات.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».