في تحليل نشرته مجلة «ذا ديبلومات» اليابانية، يسلّط الباحثان فيولا روتشيلد وبنجامين ديلا روكا، الضوء على الأزمة التي يعاني منها قطاع التكنولوجيا في الصين على إثر الحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة على العديد من شركات التكنولوجيا الصينية. ويلفت التحليل الانتباه إلى التأثيرات الاجتماعية المترتبة على تلك الأزمة، والسياسات التي اتخذتها الصين للحدِّ من أضرارها.
في أزيزٍ لا يكاد يتوقف، جاثمين في قلق على دراجاتهم الكهربائية، تمر أسراب من مندوبي شركات التجارة الإلكترونية خلال مدن الصين. ولمدة تفوق العشر ساعات يوميًا، يقطعون شوارعها في سباق لتسليم الطرود والوجبات الساخنة في أسرع وقت ممكن. وفي الوقت نفسه، ففي مكاتب البنايات الشاهقة، يكدّ مبرمجو شركات التقنية في جهد لا يقل صعوبة، إذ لا يفارقون لوحات المفاتيح طوال الليل، في سعي محموم للانتهاء من كتابة الأكواد المكلفين بها قبل الموعد النهائي للتسليم.
ورغم الساعات الطويلة التي يقضونها في العمل، فإن هؤلاء العمال أكثر حظًا من غيرهم. فهم على الأقل لديهم وظائف. إذ أدّت برودة الركود الممتد الذي أصاب القطاع التقني الذي كان مزدهرًا يومًا ما إلى لجوء شركات التقنية إلى تسريح الموظفين. وأصبح الآلاف من خريجي الجامعات الشباب والعمال من ذوي الياقات الزرقاء، الذين اعتادوا الحصول على وظائف بيسر في قطاع التقنية، يعانون الآن من أجل وظيفة.
يشير تقرير مجلة «ذا ديبلومات» إلى أنه قبل عامين فقط، كان يبدو نهوض قطاع التقنية في الصين، الذي عادةً ما يطلق عليه «الاقتصاد الجديد» للصين، نهوضًا لا يمكن إيقافه. فقد شهدت الفترة بين عامي 2014 و2017، تضاعف أرباح عملاق الاتصالات الصيني شركة «هواوي»، وتصدُّر 34 شركة ناشئة في قطاع التقنية الصيني، التقييمات بقيمة تتجاوز المليار دولار.
وبحسب التقرير، فقد كان الاقتصاد الجديد، حسب أحد التوقعات، في السبيل الصحيح لتوفير ما يزيد على مليون فرصة عمل سنويًا. لكن اليوم، يبدو كما لو أن القطاع الذي كان نموذجًا في يوم من الأيام، قد عكس مساره، وقد أخذت شركات قطاع التقنية الصيني سواء أكانت شركات ناشئة أم مجموعات عملاقة، تترنّح في مكانها طوال العام الماضي.
إذ شهد الربع الأخير من عام 2018، انخفاضًا في صافي أرباح مالكة شركة «تينسنت» مالكة تطبيق «وي شات»، بمقدار الثلث، وخسارة عملاق التجارة الإلكترونية شركة «جي دي. كوم» مبلغ 700 مليون دولار. ولم تتوقف الخسائر على الشركات التقنية فقط، إذ تتوقع «علي بابا» انخفاض مبيعاتها، هذا العام، بأكثر من 20%. بالإضافة إلى تراجع في أرباح شركات التقنية والإعلام والاتصالات، بنسبة 140% عن عام 2017، وهو أكبر تدهور شهده أي قطاع صيني عن الفترة نفسها.
ما هي المشكلة القائمة؟
يقول كاتبا التقرير إن الشركات الاقتصادية الجديدة، ومعها بالطبع العمالة الاقتصادية الجديدة، عانت منذ عام 2017 من مزيج متقلب من الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لكنهما يعتبران أن إحدى القوى الدافعة الرئيسة وراء الاضطراب الجاري في قطاع التقنية الصيني، التي ضاعفت من تأثير العوامل السلبية الأخرى، هو النزاع الذي ساد العلاقات الأمريكية-الصينية منذ العام الماضي، ولا سيما الحرب التجارية المستمرة والخلافات حول أمن البيانات والملكية الفكرية، إذ أدّت إلى انخفاض كبير في الأرباح وفزع المستثمرين، فضلًا عن أنها خلقت مخاطر تشغيلية جديدة لشركات التقنية الصينية.
ويرى الكاتبان أن تعثر الاقتصاد الصيني ينطوي أيضًا على عواقب اجتماعية خطيرة، منها: معاناة العمال، واشتعال الاضطرابات الاجتماعية، وحملات قمع المعارضين التي ترسلها بكين. ويوضّح التأمل في الصورة الكبيرة لتلك الأحداث أن سياسات الولايات المتحدة الأخيرة قد ألحقت أضرارًا بالصين أكبر من مجرد تهديد صافي الدخل لشركة هواوي. إذ تزيد تلك السياسات من انتشار الضغوط الاجتماعية على نطاق أوسع، ومن ثمّ قد يؤدي إلى اتخاذ بكين خطواتٍ تعمق من الصدع المتنامي على مستوى القطاع التقني بين الصين والولايات المتحدة.
النزاعات الدولية وعواقبها المحلية
يقول التقرير إن الاقتصاد الصيني الجديد كان من المرجح أن يتراجع، حتى لو لم تكن العلاقات مع الولايات المتحدة قد شهدت هذا الانحدار الذي شهدته، مرجعًا ذلك إلى السياسات التي اتبعتها بكين في الآونة الأخيرة، والتي أدت إلى ركود القطاع، بما في ذلك تقليص الدعم الموجه للقطاع الخاص، والحد من الإقراض المحفوف بالمخاطر، وزيادة التنظيم. وكذلك أضرّت فضائح الشركات الخاصة بالعديد من الشركات والمؤسسات الاقتصادية.
ورغم ذلك، يشير إلى أن التطورات الأخيرة في العلاقات الأمريكية-الصينية قد فاقمت بالتأكيد إلى حد بعيد من خطورة المشكلات التي يواجهها قطاع التقنية الصيني.
ويرى كاتبا التقرير أن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة كانت أكبر رياح معاكسة عرفها القطاع حتى الآن، إذ أضرَّت التعريفات الجمركية بقطاع التقنية الصيني من خلال بضع قنوات مختلفة، أثرت كل واحدة منها بشكل متفاوت في الشركات الصينية.
ويوضحان أن أول آثار التعريفات الجمركية تمثلت في أنها تبطئ من حركة الصادرات إلى الولايات المتحدة، ومن ثمّ تؤدي إلى انخفاض إيرادات الشركات، مشيران إلى أن العديد من شركات الاقتصاد الجديد، على وجه الخصوص، معرّضة للتأثر إلى حد كبير بأي انخفاض في مبيعاتها إلى الولايات المتحدة، إذ بالنسبة إلى الشركات الصينية المدرجة على مؤشر إم.إس.سي.آي المعياري العالمي للأسواق الناشئة، تستمد الشركات العاملة بقطاع تكنولوجيا المعلومات حصة أكبر من أرباحها من الولايات المتحدة أكثر من أي قطاع آخر.
أما الأثر الثاني، وفقًا للكاتبين، فيتمثل في أن التعريفات الجمركية الانتقامية التي تفرضها الصين تؤدي إلى تضاعف معاناة الاقتصاد الجديد، وذلك لأن ثمة العديد من مستلزمات الإنتاج التكنولوجية يصعب الحصول عليها من خارج الولايات المتحدة، مثلما حدث مع عملاق الاتصالات الصينية «زي تي إي» حين أجبرها حظر فرضته الولايات المتحدة على بيع أي مكونات للشركات الصينية على تعليق أنشطتها التشغيلية العام الماضي، بالإضافة إلى ما شهدته شركات التقنية الصينية من ارتفاع هائل في أسعار المكونات الأمريكية التي تستخدمها في منتجاتها.
ويرى الكاتبان أن أسوأ تبعات الحرب التجارية كان تسببها في انخفاض حاد في الأرباح المحلية لتلك الشركات. فقد قلّصت التعريفات الجمركية من إيرادات كل من الشركات الصينية والمستهلكين، الأمر الذي أدى إلى تعسر دورة الإنفاق المحلي، وأبطأ حركة الاقتصاد بأكمله. وتحذّر كافة المؤشرات من تراجع أوسع.
وكانت مبيعات التجزئة الصينية قد انخفضت بالفعل إلى أدنى مستوى لها خلال 16 عامًا، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تخفض التعريفات الجمركية من معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة مذهلة تصل إلى 1.6 نقطة مئوية. وهو ما يضر أيضًا شركات الاقتصاد الجديد بشكل متفاوت.
ويوضح تقرير «ذا ديبلومات» أن شركات التجارة الإلكترونية تعاني أكثر من غيرها لأنها الأكثر تأثرًا بدورات الازدهار والكساد الاقتصادية. علاوة على أن الصعود السريع للاقتصاد الجديد يجعله غير مهيأ لمواجهة معدلات التباطؤ الاقتصادي الحالي، إذ حين تدفقت الاستثمارات عام 2017 على قطاع التقنية الصيني بمعدلات شديدة التسارع، اندفعت العديد من الشركات إلى إنفاق أموال جديدة لتوسيع قدراتها التشغيلية بما يتجاوز ما يمكنها تحمله بسهولة في أثناء الركود.
ومع ذلك، يشير التقرير إلى أنه بعيدًا عن الحرب التجارية، فإن ثمة نزاعات أمريكية-صينية أخرى أضرت بدورها بشركات التجارة عبر الإنترنت. ويشعر قادة قطاع التقنية الصيني اليوم بالقلق من أن الولايات المتحدة عازمة أكثر من أي وقت مضى على اتخاذ تحركات ضد الشركات الصينية التي تعتبرها مهددة لها اقتصاديًا أو سياسيًا.
وتعطي الأحداث الأخيرة وجاهة لتلك المخاوف، بحسب التقرير. إذ دبرت الولايات المتحدة العام الماضي في واقعتين منفصلتين إلقاء القبض على المديرة المالية لشركة «هواوي»، وتغريم شركة «زي تي إي» مبلغ مليار دولار، بعد أن انتهكتا العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران. والأمر الأكثر لفتًا للنظر هو أنه في شهر مايو (أيار)، دفعت مخاوف التجسس الولايات المتحدة إلى إدراج «هواوي» ومجموعة أخرى من الشركات التكنولوجية الصينية في قائمة حظر التصدير.
وفقًا للتقرير، فقد أثبتت مثل تلك القرارات الأمريكية أن في إمكانها إحداث تأثيرات مدمرة. فقد أمست شركة «زي تي إي» ثاني أقل الشركات ربحية في الصين في العام الماضي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى المليار دولار التي دفعتها إلى الولايات المتحدة. ولأنها تعتمد على قطع أمريكية، فقد قدّرت «هواوي» أن حظر التصدير الأمريكي إذا استمر، سيكلفها 30 مليار دولار هذا العام والعام المقبل.
لذلك، في حين أن معظم شركات التجارة الإلكترونية الصينية لم تعان بعد أثر العقوبات الأمريكية بشكل مباشر، يشير التقرير إلى أن المخاوف من احتمال توسع نطاق الردود الفعل الأمريكية، دفعت العديد من الشركات إلى الانكماش.
وأشارت «علي بابا» في الصيف الماضي إلى التوترات السياسية سببًا لإلغاء دخولها سوق الحوسبة السحابية الأمريكي. ويذكر المصرفيون الاستثماريون في الصين إجمالًا هذه التوترات باعتبارها عوامل تؤدي بشركات التقنية الصينية إلى تأخير كل من العروض العامة الأولية، والإعلان عن النفقات الرأسمالية.
ومما زاد من تدهور الأمر، وفقًا للتقرير، أن كل هذه التطورات في العلاقات الأمريكية-الصينية تسببت في انسحاب المستثمرين خاصة الأجانب. لدرجة أن شركات التجارة الإلكترونية، التي كان يضخ فيها رؤوس أموال هائلة في وقت من الأوقات، غدت تعاني من انخفاض كبير في التمويل. وفي العام الماضي، شهدت عمليات الاستثمار في صناديق الأسهم الخاصة المقومة بعملة الرنمينبي الصينية، هبوطًا حادًا إلى 11 مليار دولار فقط، بعد أن وصلت إلى 13 مليار دولار في عام 2016.
وأيضًا، فقد تقلّصت صفقات رأس المال المُخاطر في الربع الأخير بنسبة 25% على أساس سنوي. وينقل تقرير المجلة عن مقيمٍ ببكين وأحد مؤسسي الشركات الناشئة، تعبيره عن مدى تفاقم الأزمة بقوله: «لقد غدا جمع الأموال من الاستثمارات أمرًا بالغ الصعوبة، إنها حقيقة».
ورغم إشارة التقرير إلى أن إحجام المستثمرين قد لا يصيب بالضرر الأنشطة التشغيلية في كبرى شركات التقنية الصينية، فقد ذكر أن ثمة دلائل تشير إلى أن ذلك الإحجام قد يشلّ أو حتى يقضي على الشركات الصغرى. وحتى بالنسبة إلى الشركات الناشئة التي تحصل بالفعل على استثمارات، فإن التقييمات عادةً ما تكون نصف ما كانت عليه قبل عام.
وتنتشر أخبار عن مشكلات التدفق النقدي التي أدت ببعض الشركات الناشئة إلى عدم التمكن من دفع إيجارات مكاتبها منذ الخريف الماضي. حتى إن إخفاقات الشركات الناشئة دفعت ذراع «تينسنت» الاستثمارية إلى تخفيض قيمة محفظتها الاستثمارية في مارس (آذار) الماضي بانخفاضٍ إلى 2.6 مليار دولار، وهي قيمة لم تصل إليها من قبل.
عمل منهكٌ وغير مرغوب فيه
يعود الكاتبان ليؤكدا أنه مع كل ذلك، فإن الآثار المترتبة على تلك الرياح المعاكسة تتجاوز مجرد انخفاض إيرادات قطاع التقنية. إذ أن العواقب الاجتماعية، أيضًا، شديدة الوطأة وواسعة النطاق.
ويشيران إلى أنه مع شعور شركات التجارة الإلكترونية باحتمالات انخفاض الأرباح إلى حدها الأدنى، فإن قادة تلك الشركات يتخلون عن موظفيهم، إذ تخلص شركات مثل «جي دي. كوم»، و«رميتوان-ديانبينج» و«ديدي تشو شينغ» من عدد كبير من قوتها العاملة وتراجعت عن وعودها في التعاقدات مع الخريجين الجدد.
وانخفضت فرص العمل في القطاع التقني قد انخفضت بنسبة 51% عن العام السابق، مقارنةً بانخفاض بنسبة 27% في مؤشرات التدفق الاقتصاد الكلي للصين، وفقًا لأحد استطلاعات الرأي. علاوة على ذلك، قام المديرون في شركات التقنية بتعميم تنبيهات تشدّد على أنه، في مواجهة الظروف الحالية، فإنهم يتوقعون ساعات عملٍ أطول من الموظفين.
والآن، فإن التوترات التي كانت هادئة في الاقتصاد الجديد تفاقمت، حتى أوشكت على الانفجار. فأولئك الذين حافظوا على وظائفهم منهكون من فرط العمل وقلة الأجور، والذين لم يحصلوا على عمل يعانون من الإحباط وعدم الاستقرار. والجميع يكاد يفيض كيله من كل ذلك.
ومن ثمّ، يحاول العمال، وفقًا للتقرير، معارضة محاولات المديرين تخفيض التكاليف، واعتصار مزيد من العمل من الموظفين. وأبرز مثال على ذلك، الرد الذي ظهر في حركة «ضد نظام 996» التي تحتج على العمل من التاسعة صباحًا إلى التاسعة مساءً، لستة أيام في الأسبوع، الذي أصبح معيارًا للعمل في قطاع الصناعات التقنية.
فثقافة نظام العمل 996 التي كانت ترمز، في يوم من الأيام، لما يشبه تقاليد الالتحاق بالمبرمجين الشباب الطموحين في الصين، قد أصبحت، الآن، في ظل تدني الأجور والافتقار إلى المزايا، نقطة تجميع لقوة عاملة تتمرد على ظروف عملها. وعندما أطلق ناشط مجهول، في الشهر الماضي، مشروعَ احتجاج ضد نظام 996 على منصة جيتهاب، سرعان ما أصبح المشروع الأكثر مرجعية في الموقع، وحصل على مئات الآلاف من المتابعين.
وبحسب التقرير، فإن «القائمة السوداء» للشركات البارزة التي تفتقر إلى ثقافة عمل صحية، ويعاني موظفوها من انتهاك لحقوقهم، تشمل شركات مثل «علي بابا» و«دي جي. كوم» و«هواوي»، و«بايت دانس».
يضيف التقرير أن العاملين باقتصاد الأعمال الحرة في الصين ساخطون أيضًا. يشكل العاملون باقتصاد الأعمال الحرة العمودَ الفقري للتجارة الإلكترونية في الصين، وصناعات توصيل الأطعمة السريعة. ومع ذلك، فإنهم يفتقرون إلى عقود عمل رسمية، وبالتالي لديهم إمكانية محدودة للحصول على التأمينات الاجتماعية الأساسية، ويكلّفون بالعمل لساعات طويلة مقابل أجور بسيطة.
وأخذ العاملون في شركات الشحن والمستودعات في الخروج إلى الشوارع احتجاجًا على تخفيض الأجور، وتزايد أوقات إتاحة التوصيل. وفقًا لتقييمات منظمة «نشرة القوى العاملة الصينية» غير الحكومية، فإن نحو نصف الاحتجاجات التي نُظمت في عام 2019، جرت في قطاعات الخدمات والتجزئة والنقل، وهي قطاعات تهيمن عليها الآن شركات التجارة الإلكترونية إلى حد كبير. وفي بعض الحالات، أدّت تلك الاحتجاجات إلى تعطيل العمليات التجارية العادية بشكل جدّيّ.
ويلفت الكاتبان الانتباه إلى أنه في المستقبل فهؤلاء العمال التقنيين الذين فقدوا وظائفهم، بالإضافة إلى الأشخاص العاطلين عن العمل الذين اعتادوا التعويل على إيجاد عمل في القطاع التقني، سيكونون مصدرًا آخر للسخط الاجتماعي. ففي الآونة الأخيرة، كانت الوظائف في مجال البرمجة أو إدارة شركات التقنية فرصًا مرغوبًا فيها بالنسبة إلى ثمانية ملايين صيني من خريجي الجامعات سنويًا.
وبحسب الكاتبين، فقد مثَّل قطاع التقنية، أيضًا، بداية جديدة للعاملين بالأجرة المسرّحين من وظائفهم السابقة- بما في ذلك 33 مليون عامل سابق في قطاعات الصناعة المختلفة، وجدوا فرصًا للعمل في الاقتصاد الجديد، سعاةً أو عمال مستودعات أو حراس أمن، منذ عام 2015. في حين أن شركات التقنية اليوم لم يعد بإمكانها استيعاب هؤلاء العمال بنفس المعدل السابق.
سياسة الثواب والعقاب في الصين
يلفت تقرير مجلة «ذا ديبلومات» إلى أن معدلات البطالة المتزايدة والنشاط الجاري في قطاع التقنية شدّت انتباه القيادة الصينية. على إثر ذلك، حدّد مكتب العمل السياسي بالحزب الشيوعي الصيني الحاكم، في اجتماعه في يوليو (تموز) عام 2018، «تحقيق الاستقرار في التوظيف» هدفًا رئيسًا من بين أهدافه الستة لـ «تحقيق الاستقرار».
وفي شهر مايو من هذا العام، طالب رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، جميع الكوادر الحزبية بجعل خلق فرص العمل على رأس أولوياتهم، خاصة بالنسبة لخريجي الجامعات الجدد، وقدامى المحاربين، والعمال المهاجرين، وبعض هؤلاء هم أكثر من تضرر من التباطؤ في قطاع التقنية الصيني. ومن ثمّ، تتعامل السلطات الحكومية مع هذه التحديات بسياسة تجمع بين الثواب والعقاب. فمن ناحية، يطلق المسؤولون حملات عنيفة ومنتظمة على الاضطرابات العمالية، ومن ناحية أخرى، يستخدمون الحوافز المالية للعمال والشركات لتخفيف ضغوط التوظيف.
يقول الكاتبان إن هذا العام شهد تزايدًا في الاعتقالات بين صفوف العمال والطلاب والصحفيين والناشطين في قضايا حقوق العمال. وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، قبض على ما لا يقل عن خمسة نشطاء في مجال حقوق العمال في مقاطعتي خونان وغوانغدونغ بتهمة «الإخلال بالنظام العام». وفي مارس (آذار)، تعرض العديد من الموظفين العاملين بأحد المواقع الإعلامية التي تدافع عن حقوق العمال في غوانغدونغ للاحتجاز بالتهم نفسها.
وفي مايو، داهمت الشرطة في بكين وغوانغدونغ وشنجن مكاتب منظماتٍ غير حكومية تدافع عن حقوق العمال المهاجرين، واعتقلت ثلاثة أشخاص على الأقل. وبشكل عام، اعتقلت السلطات الصيني، خلال العام الماضي، أو «أخفت» ما يزيد على 150 شخصًا كان لهم مشاركات في النشاط العمالي، ويمثل هذا العدد زيادة ملحوظة عن الأعوام السابقة.
وفي الوقت ذاته، تقوم السلطات المحلية والمركزية، وفقًا للتقرير، بتقديم إعانات مالية سريعة لشركات التقنية المتعثرة والعمال المسرّحين. ففي الشهر الماضي، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ مجموعةً كبيرة من الإعانات والإعفاءات الضريبية الجديدة المخصصة لشركات التقنية.
بالإضافة إلى أنه، ونظرًا للتوقعات الاقتصادية المتشائمة للقطاع التقني، رصدت بكين مؤخرًا نحو 15 مليار دولار لإعادة تأهيل ملايين من العمال، وتوظيفهم في وظائف جديدة. علاوة على ذلك، تلتزم الحكومة بتسديد نصف مدفوعات التأمين المطلوبة من الشركات إذا امتنعت عن خفض الوظائف هذا العام.
طريق التقدم إلى الأمام
يطرح كاتبا التقرير تساؤلًا عن ما الذي ينتظر الاقتصاد الصيني الجديد؟ ويجيبان بالقول إنه على الرغم من التحرك الذي جرى مؤخرًا نحو استئناف المحادثات التجارية، فإن الولايات المتحدة والصين لا تزالان بعيدتين عن حل نزاعاتهما على المستوى التجاري أو في القضايا الاخرى. وهي حالة ستؤدي إلى تفاقم العوائق التي تواجه التقنية الصينية.
وعلى المدى القصير، يشير هذا إلى أن الصين ستواصل نهج الثواب والعقاب، أي أن السلطات ستستمر في تشديد الإجراءات القمعية على الاضطرابات، وتسارع في الوقت نفسه دعم سياسات «رأسمالية الدولة»، مثل توفير الإعانات المالية والحوافز الضريبية، للحفاظ على شركات الاقتصاد الجديد قائمة.
بيد أنه على المدى الطويل، فإن تلك السياسات، وفقًا للتقرير، قد ينتج عنها عواقب بعيدة المدى. فالدور الذي ينهض به الاقتصاد الجديد في استيعاب ملايين من العمال، يزيد الضغوط على بكين كي تحميه وتعزله عن الصدمات المستقبلية.
وبالنسبة إلى القيادة الصينية، فإن هذا يعني على الأرجح توسيع سيطرة الحكومة على الاقتصاد الجديد وتقليل روابطها الاعتمادية مع الغرب، بحيث لا يمكن للحروب التجارية أو النزعات الانتقامية عند الحكومات الأجنبية، أن تطيح قطاعًا بمثل هذه الأهمية الاجتماعية.
ويختتم الكاتبان تقريرهما بالإشارة إلى أنه من المحقق أن الصين كانت تعمل على تشجيع الابتكار المحلي والاعتماد على الذات في القطاع التقني قبل وقت طويل من إطلاق ترامب حربه التجارية أو إدراج «هواوي» في القائمة السوداء. ويستدعي مثالًا على ذلك، مبادرة الرئيس الصيني شي جين «صنع في الصين 2025»، إذ تشجع الاعتماد على الذات هدفًا حاسمًا في كافة مجالات الاقتصاد.
ومع ذلك، يقول الكاتبان إن تطورات العام الماضي في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين ستسرّع من عملية فك الارتباط، مضيفين أنه في النهاية فالضغوط الاجتماعية القوية في الداخل، وليس فقط التطلعات الجيوسياسية، هي ما يدفع بكين إلى الشروع في طريق «الحرب الباردة التكنولوجية».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».