قال كل من مويزس ريندون، وسارة باومنك في ورقة بحثية نشرها موقع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: إنه في الوقت الذي ما تزال فيه الولايات المتحدة تحدد شكل سياستها تجاه أمريكا اللاتينية، بدأت الصين في الظهور بوصفها قوة اقتصادية وجيوسياسية في المنطقة. إن نفوذ الصين في أمريكا اللاتينية لا يتعلق بالتجارة فقط، وقد ظهر بشدة في فنزويلا. فمن خلال القروض والاستثمارات المباشرة الصادرة، ضخت الصين التمويل إلى كاراكاس على حساب مواطني فنزويلا، والنجاح طويل الأجل.
وأوضح الكاتبان أن هذا يأتي في إطار سعي الصين إلى توسيع نفوذها دوليًّا. وهكذا، وجدت بكين فرصة في انهيار فنزويلا التي تعاني من ضائقة مالية لتوقيع اتفاقات مالية من جانب واحد. ولأن كل منهما مؤيد للأنظمة الاقتصادية التي تهيمن عليها الدولة، فقد رحب كل من هوجو شافيز ونيكولاس مادورو بالدعم المالي الذي قدمته الصين لتغذية «اشتراكية القرن الحادي والعشرين».
هناك أربع قضايا رئيسية يجب أن تثير اهتمام الولايات المتحدة في ما يتعلق بدور الصين في فنزويلا التي يحكمها مادورو: (1) تدعم الصين نظام مادورو غير الديمقراطي والقمعي. (2) فشل استثمارات الصين في تحقيق فوائد طويلة الأجل لفنزويلا. (3) القروض والاتفاقيات الصينية غير شفافة، وفي بعض الحالات غير مشروعة. (4) تخلق اتفاقيات الصين مخاوف تتعلق بالطاقة والأمن.
دعم نظام فنزويلا
على الرغم من تجنب دول العالم التعامل مع فنزويلا -يشير الكاتبان- قد ضاعفت الصين من دعمها. فخلال العقد الماضي، تلقت فنزويلا أكثر من 62 مليار دولار من الصين، والتي تمثل 53% من إجمالي الأموال التي قدمتها الصين إلى أمريكا اللاتينية. وتمتلك الصين حاليًا 23 مليار دولار من ديون فنزويلا الخارجية؛ مما يجعلها أكبر دائن في البلاد.
تمر فنزويلا بكارثة اقتصادية وإنسانية بسبب سوء الإدارة، وأدت إلى أزمة لا سابق لها للاجئين، وتضخم كارثي، وأكبر انهيار لإنتاج النفط في تاريخ البلاد. حتى وقت قريب، كانت الصين المزود الرئيس الوحيد للأموال لمساعدة حكومة مادورو على الوفاء بديونها. لم تدفع فنزويلا سندًا سياديًّا منذ أواخر 2017، ووفقًا لمصادر في كاراكاس، أصبحت البلاد الآن متخلفة عن سداد 16 سندًا وكوبونًا سياديًّا بلغ مجموعها 1.81 مليار دولار.
لكن الصين بدت مترددة في الآونة الأخيرة في إعادة هيكلة ديون فنزويلا، كما ينوه الكاتبان. وقد تجلى ذلك عندما رفعت شركة النفط الصينية الكبرى سينوبك دعوى قضائية ضد شركة بتروليوس دي فنزويلا «PDVSA» في محكمة أمريكية، متهمة فنزويلا بعدم الوفاء بعقد يعود إلى 2012 بمبلغ 23.7 مليون دولار، وهو مبلغ ضئيل نسبيًّا من المال، مقارنةً مع 62 مليار دولار قدمت على مدى العقد الماضي. ومع ذلك، نظرًا إلى مصادر التمويل المحدودة لفنزويلا، بسبب العقوبات الأمريكية والديون الضخمة، سيحتاج نظام مادورو إلى طلب المزيد من التمويل من الصينيين في المستقبل.
منافع على المدى القصير وعواقب على المدى الطويل
في حين أن المساعدات الصينية يمكن أن ينظر إليها بلدان أمريكا اللاتينية الأخرى طريقًا جذابًا للتنمية -يشدد الكاتبان- فإن الفوائد قصيرة الأجل غالبًا ما تؤدي إلى الاعتماد على المدى الطويل. تركز الاستثمارات الصينية على استخراج الموارد الطبيعية، وتجارة المصنوعات ذات القيمة المضافة العالية من الصين لسلع أمريكا اللاتينية.
منذ عام 1980، انضم نصف سكان الصين إلى الطبقة الوسطى، ومن المقرر أن تتوسع الطبقة الوسطى بأكثر من 80% من الآن وحتى منتصف عام 2020. سيؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على موارد الطاقة والاستهلاك. ستصبح الصين أكثر اعتمادًا على الموارد الطبيعية لأمريكا اللاتينية في العقود المقبلة؛ مما لا يترك لدول مثل فنزويلا حافزًا لتطوير منتجات أكثر تطورًا ذات قيمة أعلى.
يمكن للعلاقات القائمة على السلع الأساسية أن تعزز الاقتصاد بسرعة في البلدان الغنية بالموارد مثل فنزويلا، لكنها لا تتطلب بناء قدرة مؤسسية أكبر. في حين أن الصين قد تدعم هذه الاقتصادات الآن، فإن أي تغيير في مطالبها السلعية، أو اكتشاف سلع أرخص في أماكن أخرى قد يدمر تلك الدول. مثل هذه العلاقة تؤثر بشكل غير متناسب في فنزويلا، وهي دولة تعتمد اعتمادًا كليًّا على مواردها الطبيعية.
تفاقم الفساد
تفتقر الاستثمارات الصينية لمعايير الشفافية الأساسية -يضيف الكاتبان. عادة ما يأخذ الاستثمار الصيني شكل الاستثمار المباشر الخارجي «ODI»، أو الإقراض من خلال بنوك السياسة الصينية. ومع ذلك، غالبًا ما يسلك الاستثمار الصيني طرقًا ملتوية عبر هونج كونج إلى وجهات نهائية غير معلنة، ولا تقدم بنوك السياسة الصينية معلومات مفصلة عن عمليات الإقراض التي تقوم بها.
في فنزويلا، كانت الاستثمارات الصينية في شكل صفقات النفط مقابل القروض، والتي يصعب تتبعها. علاوة على ذلك، رفضت الصين الانضمام إلى نادي باريس، الذي يحدد معايير الاستثمارات الثنائية. وبدون مساءلة منتدى مثل نادي باريس، فإن المجتمع الدولي لديه قدرة محدودة على معرفة حجم استثمارات الصين في فنزويلا.
هذا النقص في الشفافية يضيف طبقة أخرى إلى الفساد الراسخ لنظام مادورو. اعتبارًا من عام 2017، تم تصنيف فنزويلا في المرتبة الحادية عشرة الأكثر فسادًا في العالم. يجب أن يكون المجتمع الدولي متشككًا في المبالغ التي لا نهاية لها، ولا يمكن تعقبها، ووتتدفق إلى دولة لها تاريخ من الفساد وتهريب المخدرات، وتدار بدون ضوابط وتوازنات.
المخاطرة بأمن المواطن والأمن القومي
خلال العقد الماضي، كان 12 قرضًا من أصل 17 قرضًا حصلت عليها فنزويلا مخصصة لقطاع الطاقة -بقيمة 55 مليار دولار. كان التزام الصين الأهم بقطاع النفط الفنزويلي هو استثمارها في حزام أورينوكو، إحدى أغنى مناطق النفط في العالم، والذي ينتج كميات كبيرة من النفط الخام الثقيل، ويقع في وسط فنزويلا. في عام 2010 -يواصل الكاتبان كلامهما- وقعت شركة النفط الوطنية الصينية على منحة أرض مدتها 25 عامًا لاستثمار 40% في جزء واحد من حزام أورينوكو.
إن صناعة الطاقة هي العمود الفقري لفنزويلا؛ اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا. إذ يمثل النفط 95% من صادرات البلاد، ويوفر الأموال لاستيراد كل شيء آخر. لذلك، يمكن اعتبار تركيز الصين على قطاع الطاقة بمثابة «لعبة قوة» لكسب السلطة على الهياكل السياسية والاجتماعية لفنزويلا، وكذلك احتياطياتها النفطية الهائلة.
وعلى الرغم من معاناة الفنزويليين من النقص الحاد في الغذاء، فقد أعطى نظام مادورو الأولوية لشراء الأسلحة والمعدات العسكرية. فبين عامي 2000 و2017، اشترت فنزويلا أسلحة بقيمة أكثر من 5.6 مليار دولار، من بينها 628 مليون دولار من الصين. تقليديًّا، كانت روسيا أكبر مزود أسلحة لفنزويلا، ولكن اعتبارًا من عام 2013، اضطلعت الصين بهذا الدور. تحتل فنزويلا المرتبة 21 في العالم -والأولى في أمريكا اللاتينية- بين البلدان الأكثر إنفاقًا على البضائع العسكرية.
وقد وُجهت معظم تلك الأسلحة إلى الشرطة العسكرية لفنزويلا؛ مما أثار مخاوف أمنية محلية وإقليمية. يصف الكاتبان القيادة العسكرية لفنزويلا بالوحشية والفاسدة؛ مما دفع إلى تحقيق رسمي من المحكمة الجنائية الدولية. دعمت الصين النظام المستبد -خاصة خلال احتجاجات ربيع 2017، التي قتل فيها 163 شخصًا وجرح أكثر من ألفين. أثارت الأسلحة الصينية المتطورة للسيطرة على الحشود الرعب في المجتمع الفنزويلي؛ مما ردع الفنزويليين عن حرية التعبير والاحتجاج سلميًّا، وحفز الآلاف على الفرار من البلاد.
توصيات سياسية
ويؤكد الكاتبان ضرورة أن تحاسب الولايات المتحدة ودول المنطقة الأخرى الصين على أعمالها في أمريكا اللاتينية وفنزويلا. إن فضح السبل التي اتبعتها الصين لدعم نظام مادورو الوحشي والقمعي، وتدمير نجاح فنزويلا الاقتصادي على المدى الطويل، يعد خطوة جيدة إلى الأمام. سوف يمنع موقف حاسم من جانب الولايات المتحدة الدول الإقليمية الأخرى من الدخول في شراكات ضارة مماثلة، وزيادة الضغط على الصين لإقامة علاقات شفافة موجهة نحو السوق في أمريكا اللاتينية.
إن العلاقات القائمة على السلع في الصين تولد فوائد قصيرة الأجل للمنطقة، بدلًا من النمو الصناعي المستدام. في فنزويلا، عززت صفقات الصين التجارية في مجال الأسلحة العسكرية نظام مادورو القمعي، ويشير تدخل الصين غير الشفاف في قطاع الطاقة الفنزويلي إلى تدخل أعمق في الهياكل السياسية والاجتماعية لفنزويلا.
لقد جعلت أزمة فنزويلا من التأثير الصيني تأثيرًا هائلًا؛ مما يعرض المصالح الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية الأمريكية للخطر. وفي حين أن هناك حاجة ماسة لفرض مزيد من العقوبات على نظام مادورو، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى حث دول المنطقة على انتهاج سياسة خارجية شاملة تحفز النمو الاقتصادي والأمن والازدهار.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».