نشر موقع بروجيكت سيندىكيت مقالًا للكاتب الدنماركي بييرن لومبو، وهو أستاذ زائر في كلية كوبنهاجن لإدارة الأعمال، ومدير مركز إجماع كوبنهاجن، حول تغير المناخ، الذي يعده بعضهم نهاية العالم، بينما يراه آخرون – ومنهم الكاتب- مجرد مشكلة عالمية أخرى يمكن التعامل معها.
يرى الكاتب أننا الآن أمام لحظة حاسمة؛ فالآثار العالمية لتغير المناخ واسعة النطاق، ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، من تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، إلى ارتفاع منسوب مياه البحار، التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية، ويحذر من أن التكيف مع هذه التأثيرات سيكون أكثر صعوبة وتكلفة في المستقبل، إذا لم تتخذ إجراءات جذرية الآن.
ويستهل الكاتب مقاله بالقول: نحن بحاجة إلى حل مشكلة تغير المناخ، لكننا بحاجة أيضًا إلى التأكد من أن العلاج ليس أشد ألمًا من المرض، فالتخلي عن الوقود الأحفوري بأسرع ما يمكن – كما يطالب العديد من الناشطين في مجال البيئة- سيؤدي إلى إبطاء النمو الذي انتشل مليارات البشر من براثن الفقر.
يستيقظ معظم الناس على ظهر الكوكب كل يوم معتقدين أن الأمور تزداد سوءًا، لا عجب في ذلك، بالنظر إلى ما يقرؤونه بشكل روتيني في الصحيفة، أو يشاهدونه على شاشات التلفاز، لكن هذا المزاج القاتم يمثل مشكلة؛ لأنه يُغذِّي القصص المرعبة حول كيف سيؤدي تغير المناخ إلى نهاية العالم.
رغم تغير المناخ.. العالم يتحسن
ويضيف بييرن لومبو: الحقيقة هي أن العالم يتحسن في الغالب؛ مبدئيًا، ارتفع متوسط العمر المتوقع عالميًّا بأكثر من الضعف منذ عام 1900، ويتجاوز الآن 70 عامًا، ولأن الزيادة كانت ملحوظة خاصة بين الفقراء، انخفضت اللامساواة الصحية انخفاضًا كبيرًا.
علاوة على ذلك، أصبح العالم أكثر تعليمًا، وتراجعت معدلات عمالة الأطفال، ونحن نعيش الآن في عصر من أكثر العصور سلمية في التاريخ. وكذلك يعيش الناس في وضع اقتصادي أفضل.
على مدار الثلاثين عامًا الماضية، تضاعف متوسط دخل الفرد على مستوى العالم تقريبًا، مما أدى إلى انخفاض كبير في نسبة الفقر؛ ففي عام 1990، كان حوالي أربعة من كل عشرة أفراد من سكان العالم فقراء، أما اليوم فقد تراجع العدد إلى أقل من واحد في كل عشرة أفراد.
وقد ساعد ذلك على تغيير الطريقة التي يعيش بها الناس، فبين عامي 1990 و2015، على سبيل المثال، انخفضت نسبة سكان العالم الذين يستخدمون المياة الملوثة بواقع النصف إلى 15٪. وفي الفترة ذاتها، تمكن 2.6 مليار شخص من الوصول إلى مصادر المياه المُحَسَّنَة، مما رفع الحصة العالمية إلى 91٪.
هذه التغييرات قد حسنت أيضًا حالة البيئة، فعلى الصعيد العالمي، انخفض خطر الوفاة بسبب تلوث الهواء – أكبر قاتل بيئي حتى الآن- انخفاضًا كبيرًا، وفي البلدان منخفضة الدخل، انخفض هذا المعدل إلى النصف تقريبًا منذ عام 1990.
وأخيرًا، تحافظ البلدان الغنية بشكل متزايد على الغابات وتعيد تشجيرها، بفضل زيادة المحاصيل الزراعية، وتغيير المواقف تجاه البيئة.
ويردف الكاتب قائلًا: بالطبع، قد يسمع الكثير من الناس كل هذا وما يزالون مقتنعين بأن تغير المناخ سوف يقضي على الكوكب، هذا أمر مفهوم، لكنه يخبرنا بالكثير عن تأثير الناشطين البيئيين ذوي التفكير الأحادي، ووسائل الإعلام اليائسة بأكثر مما تخبرنا عن الواقع.
قيل لنا إن الاحتباس الحراري سيؤدي إلى اضطراب شديد في الطقس والمناخ، سيعرِّض بقاء الإنسان على وجه الأرض للخطر، لكن هذا الرأي ليس له أي أساس من الصحة، ويتناقض أيضًا مع نتائج الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ في الأمم المتحدة.
على سبيل المثال، تُربَط الأعاصير دائمًا بعملية الاحتباس الحراري، لكن ثلاثة أعاصير كبيرة فقط اجتاحت الولايات المتحدة القارية خلال السنوات الثلاثة عشرة الماضية؛ وهو أدنى رقم منذ عام 1900 على الأقل.
وفي آخر تقييم، ذكر الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ أنه «لم تكن هناك اتجاهات ملحوظة في تواتر الأعاصير المدارية العالمية على مدار القرن الماضي»، وخلص فريق دراسة الأعاصير في ناسا إلى أن «السجل التاريخي لتكرار الأعاصير في المحيط الأطلسي، لا يقدم أدلة دامغة على حدوث زيادة طويلة الأجل في ظاهرة الاحتباس الحراري».
يعتقد العلماء أن ظاهرة الاحتباس الحراري تعني أن تصبح الأعاصير أقل تكرارًا لكن أكثر قوة، وفي الوقت ذاته، من المرجح أن يزيد الرخاء زيادة كبيرة على مدى العقود القادمة، مما يجعلنا أكثر مرونة في مواجهة مثل هذه الأحداث، وبمجرد وضع هذا في الاعتبار؛ سيكون التأثير الكلي للأعاصير بحلول عام 2100 أقل مما هو عليه اليوم.
الطريق الخطأ لمعالجة تغير المناخ
ويرى الكاتب أن تغير المناخ واقع حقيقي ويمثل مشكلة، ووفقًا للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، فإن التأثير الإجمالي للاحتباس الحراري بحلول سبعينيات القرن الحالي سيوازي تقلص متوسط دخل الفرد بنسبة تتراوح بين 0.2 و2٪، فلن تكون هذه نهاية العالم، لكنها تشبه حدوث موجة ركود اقتصادي، في عالمٍ صار أفضل حالًا بكثير.
يقول الكاتب إن الخطر هو أن يقودنا الخوف المبالغ فيه إلى الطريق الخطأ في معالجة تغير المناخ، فيريد النشطاء المعنيون أن يتخلى العالم عن الوقود الأحفوري في أسرع وقت ممكن، لكن هذا سيعني تأخير النمو الذي انتشل المليارات من براثن الفقر، وغيَّر وجه كوكب الأرض، وسيكون لذلك تكلفة كبيرة.
ويضيف الكاتب أنه غالبًا ما يتجاهل الأثرياء والمتعلمون تعليمًا جيدًا في الدول ذات الاقتصاد المتقدم، أو يسخرون من هذه التكلفة، وكان من المخزى فى الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي 2017 في دافوس، أن يعارض نائب الرئيس الأمريكي السابق آل جور خطط بناء محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم في بنجلاديش، لكن رئيسة وزراء بنجلاديش الشيخة حسينة انتقدت ذلك، مشيرة إلى أنه «إذا لم تستطع تطوير الظروف الاقتصادية لشعبك، فكيف ستنقذ شعبنا؟ علينا أن نضمن الأمن الغذائي، وعلينا أن نعطيهم فرصة عمل».
في الواقع، يتبين من التحليل الذى أجراه مركز إجماع كوبنهاجن أن تطوير طاقة الفحم لدفع النمو الاقتصادي في بنجلاديش يمثل سياسة فعالة، حتى عند حساب الأضرار الناجمة عن الدمار المناخي العالمي، إذ ستبلغ التكلفة 9.7 مليار دولار، بما في ذلك التكاليف المناخية العالمية طويلة الأجل، والتي تبلغ 570 مليون دولار، لكن الفوائد ستكون أكثر من 250 مليار دولار، أي ما يعادل أكثر من عام كامل من الناتج المحلي الإجمالي لبنجلاديش.
واتضح أن الإنسانية ستكون أفضل حالًا – بما في ذلك في أفريقيا- في ظل سيناريو الاستخدام المكثف للوقود الأحفوري، مما سيكون عليه الحال حتى لو نجحنا في تخفيض نسبة ثانى أكسيد الكربون في العالم.
ويختتم الكاتب بقوله إننا نحتاج إلى حل مشكلة تغير المناخ، لكننا نحتاج أيضًا إلى التأكد من أن العلاج ليس أكثر ألمًا من المرض، وتتمثل الاستجابة المناسبة في زيادة الاستثمار في البحث عن مصادر طاقة أرخص خالية من الكربون وتطويرها، ويمكن أن تتفوق في النهاية على استخدام الوقود الأحفوري.
من شأن ذلك أن يضمن انتقالًا سلسًا لا يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد، أو يؤذي الشرائح الأضعف في المجتمع، فالفناء والكآبة شوهوا نظرتنا إلى العالم، ويمكن أن يؤديا إلى سياسات سيئة، بيد أن المستقبل مشرق، ونحن بحاجة إلى أخذ قرارات ذكية لإبقائه مشرقًا.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».