إن التركيز على قطاع الطاقة يُخفي حقيقة مفادها أن الصناعات الثقيلة، مفتاح النمو المستمر للبلدان النامية، هي ثاني أكبر مصدر لانبعاثات الكربون، حسب ما جاء في تقرير أعدَّته مونيكا موندال لمجلة «ذا دبلومات» الأمريكية.

تشير الصحافية المهتمة بالشؤون البيئية في مطلع تقريرها إلى أن أحد أبرز ملامح مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ هذا العام «كوب-26» كان التعهد الذي قطعته أكثر من 40 دولة بالتخلص التدريجي من استخدام الفحم في قطاع الطاقة. ومع ذلك – وبخلاف توليد الطاقة – فإن بعض الصناعات الأكثر تلويثًا للبيئة، والتي تعتمد على الوقود الأحفوري هي الصلب، والحديد، والأسمنت، والخرسانة، وهي الصناعات ذاتها التي تُشكِّل أهمية بالغة لتطلعات التنمية في آسيا وخارجها.

زيادة الطلب على الصناعات الثقيلة

وتتوقع الكاتبة أن تشهد البلدان النامية نموًا سريعًا في مشروعات البنية التحتية في الأعوام المقبلة، في حين انتقلت الدول المتقدمة من القطاع الثانوي للاقتصاد (التصنيع) إلى القطاع الثالث للاقتصاد (الخدمات). وقد لاحظت وكالة الطاقة الدولية أن الطلب على الصلب، والأسمنت، والخرسانة، سوف يزداد مع نمو السكان، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي في البلدان النامية جنوبي آسيا، وجنوبي شرق آسيا، وأفريقيا.

البيئة

منذ سنة واحدة
قمة المناخ «COP26».. هل تنقذ «دبلوماسية المناخ» كوكب الأرض؟

وكان التركيز على الانتقال مباشرةً إلى الطاقة النظيفة، والتخلص التدريجي السريع من الفحم في صميم مؤتمر المناخ لهذا العام، وتعد هذه الخطوة حاسمة في محاولة الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية وفقًا لاتفاق باريس للمناخ، بيد أن التركيز على قطاع الطاقة يعني أن ثاني أكبر مصدر لانبعاثات الكربون، الصناعة الثقيلة، لم يجذب الاهتمام الكافي.

وفي معرض سرده للمخاوف التي تساور العديد من البلدان النامية الأخرى، قال جارين تسنيم أوشي، مندوب بنجلاديش في قمة المناخ «كوب 26»، وهو مهندس بيئي وباحث في جامعة براك: «بنجلاديش بلدٌ نامٍ وتواجه قيودًا في الميزانية، ومن الصعوبة بمكان على الحكومة أن تستثمر في التكنولوجيا الخضراء، بينما نكافح لتوفير ما يكفي من الخدمات الاجتماعية والمرافق الأساسية لشعبنا».

ثاني أكبر مصدر لانبعاثات الكربون

وأوضحت الكاتبة أن الصناعات الثقيلة تُشكِّل أكبر مصدر لانبعاثات الكربون بعد قطاع الطاقة؛ إذ تمثل 27% من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في جميع أنحاء العالم. ويُعد الأسمنت أكبر مصدر للانبعاث، يليه الحديد والصلب، والبتروكيماويات، في إطار الصناعات الثقيلة. إن المواد الأربع البارزة في تطوير البنية التحتية: الصلب، والأسمنت، والألومنيوم، والكيماويات، مسؤولة عن 60% من انبعاثات الصناعة الحالية. ووفقًا للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، سيكون قطاع البناء العالمي وحده مسؤولًا عن انبعاث 470 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050.

Embed from Getty Images

ويُتوقَّع أن يستمر الطلب العالمي على الصلب في الزيادة بأكثر من الثلث حتى عام 2050، مدفوعًا بالاقتصادات الناشئة مثل تلك الموجودة جنوبي آسيا وجنوبي شرقها، حيث يتطلب ارتفاع عدد السكان تشييد المزيد من البنية التحتية. وعلاوةً على ذلك تشير التوقعات إلى أن الطلب العالمي على الأسمنت سينمو بنسبة تتراوح من 12 إلى 23% بحلول عام 2050 مقارنةً بعام 2014، وقد يرتفع الطلب على الصلب بنسبة تتراوح من 15 إلى 40% بحلول عام 2050.

وقد يكون انبعاث الكربون من هذه القطاعات المتصاعدة أكثر من رصيد الكربون المتبقي للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية.

تحديات

وتلفت الكاتبة إلى أن صعوبة جعل هذه الصناعات أكثر صداقة للبيئة يفاقم من المشكلة؛ ذلك أن هناك تحديات خاصة لاستخدام الطاقة المتجددة لإنتاج الصلب، على سبيل المثال.

وتنقل الكاتبة عن هيمانت ماليا، رئيس البرنامج في مجلس الطاقة والبيئة والمياه ومقره دلهي، قوله: «أنتجت الهند 111 مليون طن من الصلب عام 2019. ولكي تنتج كمية معادلة من الصلب الأخضر، ستحتاج إلى 264 جيجاوات من الطاقة الشمسية»، مضيفًا أن «الهند لديها قدرة إنتاجية قائمة تزيد قليلًا عن 100 جيجاوات من الطاقة المتجددة، في المقام الأول لقطاع الطاقة». وأضاف ماليا: «كل طن من الصلب الأخضر يتطلب استثمارًا بقيمة 3 مليارات دولار. ويمثل تمويل إزالة الكربون الصناعي تحدياتٍ خاصة».

Embed from Getty Images

وأوضحت أولكا كيلكار، مديرة برنامج المناخ في معهد الموارد العالمية، أن «الصناعات الثقيلة مثل الأسمنت، والصلب، والكيماويات، لا تحرق الوقود الأحفوري لتوليد الحرارة فحسب، بل تستخدمه أيضًا باعتباره مواد كيميائية وسيطة. وبينما يمكن التخفيف من انبعاثات استخدام الطاقة باستخدام المزيد من الكهرباء المتجددة، من الصعب للغاية تقليل انبعاثات العمليات الصناعية نظرًا لوجود عدد قليل جدًّا من التقنيات البديلة القابلة للتطبيق».

وخلال قمة المناخ «كوب 26»، أُطلِق «تحالف فيرست موفرز» الذي يهدف إلى تسخير القوة الشرائية الجماعية للشركات العالمية لدفع الطلب في السوق على التكنولوجيا المنخفضة الكربون. وفي تطور آخر أثناء القمة ذاتها أعلنت الصناعات الثقيلة عن «إنجاز جلاسكو»، وهو اتفاق متعدد الأطراف يهدف إلى التعجيل بالتكنولوجيا النظيفة، والذي سوف يغطي صناعة الصلب، إلى جانب النقل البري، والزراعة، والهيدروجين، والكهرباء.

قالت جوانا لين، كبيرة مستشاري السياسات في مؤسسة «ثيرد جينريشن إينفيرونمنتاليزم»: «هذه مبادرة تطلعية، ولكن لم يزل هناك الكثير مما تجب مناقشته»، مضيفةً أن المبادرات رائعة على الورق، ولكن سيكون من الأهمية بمكان معرفة ما تعنيه من حيث الالتزامات المناسبة، وما وقَّعوا عليه».

ووفقًا لماليا، «بينما يجري الحديث عن الهيدروجين الأخضر، فإن تكلفته حاليًا أعلى ثلاث مرات من تكلفة الغاز الطبيعي، وسبعة أضعاف تكلفة الفحم لكل وحدة طاقة. وقد يستغرق الأمر عقدًا قبل أن يصبح الهيدروجين الأخضر منافسًا من حيث التكلفة في الهند».

علوم

منذ سنة واحدة
«غاز الضحك» ولكن.. تعرّف إلى «الشرير» الذي يضر الأرض 300 مرة أكثر من الكربون

ولم تزل مصانع الهيدروجين التجارية في مراحل تجريبية حتى في البلدان المتقدمة. وتقدر جوانا أن مثل هذه التقنيات قد تكون متاحة في السوق في وقت مبكر من 2025-2026. وبدوره توقع ماثيو جيدن، كبير المستشارين العلميين في كلايمت أناليتيكس، أن البلدان النامية قد تكون مورِّدة لمثل هذا الوقود الأنظف.

«وقد نضطر إلى الانتظار بضع سنوات أخرى حتى يحفز الاستثمار الدافع الكافي. وهذه مسألة مستمرة، إذا كانت قابلة للتطبيق»، بحسب جيدن.

ومع ذلك حذَّر ماليا – من مجلس الطاقة والبيئة والمياه – من أن الانتقال لا يمكن فهمه على أنه مسألة ذات وجهين، موضحًا أن «الأمر ليس بهذه البساطة، مثل أن يكون أخضر أو ​​غير أخضر. لا يوجد حل شامل، وهذه هي المشكلة تحديدًا. والمشكلة أن الجميع يبحث عن حل سحري لا وجود له».

الخيارات المتاحة

ويضيف ماليا: «هناك خياران موثوقان الآن قبل أن ننتقل إلى التقنيات المتقدمة، فإما أن نواصل استخدام الفحم، أو نتحول إلى وقود أكثر نقاءً، أي: الغاز الطبيعي، مع وضع خطة واضحة للانتقال في وقت لاحق».

وأكد ماليا أن الغاز الطبيعي وقود أحفوري، ولكنه يؤدي إلى تقليل انبعاثات الكربون بنسبة 40% مقارنةً بالفحم في إنتاج الصلب.

وترى جوانا مسارًا مشابهًا نحو تخضير الصناعة الثقيلة فتقول: «يجب أن تذهب الاستثمارات الجديدة إلى الإنتاج الأنظف للصلب. وسيساعد الانتقال السريع إلى الغاز الطبيعي الذي يليه الانتقال إلى الهيدروجين في إزالة الكربون من القطاع».

Embed from Getty Images

وذكر جيدن أن «المشكلات المتعلقة بالتخلص التدريجي من الفحم أن المواعيد النهائية بعيدة للغاية»، موضحًا أن «هناك مسارات عدة يجب أن تنجز من أجل تحقيق هذا الهدف المناخي. ولسنا بعيدين عن هذا الاحتمال. وسيعني ذلك التوسع السريع في التقنيات الجديدة والانتقال السريع لقطاع الطاقة، وثانيًا قطاع النقل، وثالثًا القطاعات الصناعية». وتابع: «سنرى نظام طاقة سريع التغير للغاية في توازن مختلف تمامًا. وسيتطلب هذا الأمر كثيرًا من العمل والجهد».

وترى الكاتبة أنه لكي نجعل هذا التحول ممكنًا، سيحتاج العالم المتقدم إلى بذل مزيد من الجهد للمساعدة في جعل الخيارات الخضراء ممكنة للبلدان التي لم تزل تركز على انتشال شعوبها من براثن الفقر. وأضاف جيدن: «من الواضح حقًا أنه ليس مصدر قلق للجنوب العالمي فقط؛ إذ يقع على عاتق دول الشمال كثير من المسؤوليات للمساعدة في التمويل ونقل التكنولوجيا. وما نراه حتى الآن هو في الغالب التزام من جانب الشمال العالمي، وقد فشلوا في الوفاء بوعد الـ100 مليار دولار في تمويل المناخ بحلول عام 2020، وهم في حاجة إلى زيادة ذلك بمقدار كبير».

وشدَّد جيدن على أن «كل هذه الجوانب مجتمعة هي التي ستمكِّن هذا الانتقال، لكننا نحتاجها جميعًا، وأي فشل في تحقيق أي من هذه الجوانب سيُعيق قدرتنا على بلوغ أهدافنا المناخية»، حسب ما تختم الكاتبة.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد