نشر موقع المونيتور مقالًا ليوسي بيلين، سياسيّ إسرائيلي حملَ عدة حقائب وزارية وشارك في المفاوضات الفلسطينيّة-الإسرائيليّة، وله كتاب عنها بعنوان: «ملامسة السلام: من اتفاق أوسلو وحتى الاتفاقية الأخيرة». نستعرض في هذا التقرير مقاله الذي يُناقش فيه تاريخ الحلّين الفيدراليّ والكونفدراليّ للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيليّ.

الحسين وعرفات: رأسان في أرضٍ واحدة

قال الملك حسين إنّ الملوك «لا يتناوبون». ولم يوافق الحسين على طلب عرفات بأن تُؤسس الدولة الفلسطينية أولًا ثم تُوحّد مع الأردن في كونفدرالية.

يبدأ بيلين مقاله بمفاجآت الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس الأخيرة، ففي اجتماعٍ في 2 سبتمبر (أيلول) في رام الله فاجأ عباس ضيوفه من حزب ميرتس وحراك «سلام الآن»، في اجتماعين مُنفصلين. المفاجأة الأولى عندما أخبرهم أنّ أعضاء فريق الرئيس ترامب لمفاوضات السلام طرحوا فكرة كونفدرالية أردنيّة- فلسطينيّة. والمفاجأة الثانية عندما أخبرهم بجوابه: سيقبل الدخول في الكونفدرالية إن كانت إسرائيل جزءًا منها.

يُعقّب بيلين على المُقترح الأمريكي بأنه إثباتٌ على أن الفريق الأمريكيّ قضى القليل من الوقت في دراسة وثائق الأرشيف المُغبَّر. ويستعرض تاريخ الفكرة: سبق وأن طرح ملك الأردن الراحل، الملك حسين، الفكرة من قبل، منذ 35 عامًا، وتبنّاها المجلس الوطني الفلسطيني عام 1983. بل فوّض المجلسُ ياسر عرفات، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ليدخل في مفاوضات مع الملك على تفاصيل الكونفدرالية. وكانت مفاوضات بلا نتيجة.

تحدَّث بيلين مع الملك الحسين عن هذا الأمر أثناء المفاوضات بين الطرفين، ولاحقًا بعد سنوات تحدَّثَ مع الرئيس عرفات. ينقلُ بيلين عن عرفات أن الملك أصرَّ على أن يكون رأسَ الإطار السياسي الجديد بينما طلبَ عرفات التناوب في ذلك. ووفقًا لعرفات فقد أجاب الملك حسين بأنّ الملوك «لا يتناوبون». ولم يوافق الحسين على طلب عرفات بأن تُؤسس الدولة الفلسطينية أولًا ثم تُوحّد مع الأردن في كونفدرالية.

اجتماع مُباشر بين إيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينيّة

أخبرَ الحسينُ بيلين أنّ مقترحه الأصلي منذ 1972 كانَ تأسيسَ فيدرالية تقوم على انسحاب إسرائيلي من الضفة الغربية وإنشاء كيان فلسطيني مُستقلّ تحت العلم الأردني في أراضي 1967 المُحتلّة. رفضت السلطة الفلسطينية وإسرائيل المُقترح. وفي مؤتمر عُقد في الرباط، العاصمة المغربية، بعدَ عامين (1974)، أصدرت الجامعة العربيّة قرارًا أخذ حقّ تمثيل الفلسطينيين من الأردن ووضعه في يد منظمة التحرير. يقولُ بيلين أن القرار أثارَ استياء الملك الحسين (ويشرحُ بيلين سبب إبداء الحسين دعمه الرسمي للقرار: صوّت الجميع للقرار فأُجبر على رفع يده دعمًا له ولو كان مُختلفًا معه).

وعنى هذا أن الحديث عن فيدرالية لم يعد متاحًا أمام الملك فبدأ بالحديث عن كونفدرالية. الكيان الفلسطيني المُقترح رُقّي من مُستقل إلى سياديّ واقترح الملك مظلةً مشتركة تجمعُ الكيانين: المملكة الهاشمية في الأردن وفلسطين. ولكنّ شروط عرفات، كما يرى بيلين، خرّبت المقترح هذه المرة.

في أبريل (نيسان) 1987، حاولَ شيمون بيريز، وزير الخارجية الإسرائيليّ آنذاك، أثناء محادثات سريّة في لندن (نتج عنها اتفاقية لندن)، بمساعدة بيلين، التوصّل لمجموعة تفاهمات مع الأردن. وسندَ هذه الجهود زيد الرفاعي رئيسُ وزراء الأردن. تقترحُ الوثيقة التي أعدّوها مؤتمرًا دوليًا لإطلاق الحوار بين إسرائيل ووفد أردني قد يشملُ مُمثلين فلسطينيين. وتنصُّ الوثيقة أن على جميع الأطراف -الفلسطينيّين وغيرهم- أن يكونوا ملتزمين بنبذ الإرهاب وبقبول قرارات الأمم المتحدة 242 و338. وافق الملك حسين على مقترح الاتفاقية ولكن رفضت تبنيها حكومة الوحدة الوطنية الإسرائيلية، برئاسة إسحاق شامير. وفي أواخر يوليو (تموز) 1988، أعلنَ الملك الحسين في مؤتمر صحفيّ تخلّيه عن مطالباته بالضفة الغربية. بقدر ما كان قَلِقًا كانت هذه الأرض مُعدّة للفلسطينيين.

تعطّل الحل الكونفدرالي

الفلسطينيون الذين يعيشون في الضفة الغربية وربما الذين في غزّة أيضًا، يمكن أن يُتابعوا حياتهم في أراضيهم ولكن دونَ حقوق سياسيّة، أو يمكنهم الانتقال إلى الأردن.

يصفُ بيلين المشهد داخلَ إسرائيل بعدَ فشل مقترح الكونفدراليّة، ويبدأ مع اليمين الإسرائيلي الذي اعتبرَ هذا إنجازًا كبيرًا. فكرة أنّ «الأردن هي فلسطين» صارت أكثر عملية الآن: الأردن تحوي أغلبية فلسطينية منذ أعوام عديدة، ولذا فهي واقعيًا –من وجهة نظر اليمين الإسرائيلي- الدولة الفلسطينية. والفلسطينيون الذين يعيشون في الضفة الغربية وربما الذين في غزّة أيضًا، يمكن أن يُتابعوا حياتهم في أراضيهم ولكن دونَ حقوق سياسيّة، أو يمكنهم الانتقال إلى الأردن.

المعسكرُ الذي يدعم الفصل استجاب بشكل مختلف جدًا. بنظرهم كان الفصلُ الحل الوحيد الذي يمكن أن يضمن بقاء إسرائيل دولةً ديمقراطية بأغلبية يهوديّة. دولةٌ ثنائية القوميّة بالأراضي الإسرائيلية مع الضفة الغربية قد تُكوِّنُ أغلبية فلسطينية. إذا كانت الأردن، أو ترتيبٌ أردنيّ- فلسطينيّ، ليس شريكًا في الحل الدائم، أو إذا أرادت إسرائيل تجنّب فرض حلّ أحادي الطرف، فمنظمة التحرير هي الشريك المُحتمل الوحيد من الناحية العملية.

من اليمين إلى اليسار: رئيس الوُزراء الإسرائيلي إسحٰق رابين، وزير الخارجيَّة الإسرائيلي شيمون پيريز، رئيس مُنظمة التحرير الفلسطينيَّة ياسر عرفات. في حفل استلام جائزة نوبل للسلام عام 1994، في أوسلو، النرويج.

بعد أربعة شهور قررت منظمة التحرير تبني قرارت مجلس الأمن –التابع للأمم المتحدة- ونبذ الإرهاب. كانت آخر أيام إدارة ريجان وبدأت الولايات المتحدة الحديث علنيًا مع منظمة التحرير (أعلنَ عن ذلك الرئيس رونالد ريجان آخرَ 1988).

شاركَ بيلين في المفاوضات، ويرسم صورةً لمشهد ويروي محادثات خاصة خاضها: عندما قادَ مؤتمر مدريد 1991 إلى مفاوضات بين وفد إسرائيليّ ووفدٍ أردنيّ فلسطينيّ مُشترك، كان واضحًا للجميع أن المجموعة الأخيرة وفدان مُنفصلان لا واحد، يتلقّى أحدهم الأوامر من الملك حسين والآخر من عرفات في اجتماعات له مع أعضاء الوفد في الطريق لواشنطن. كان واضحًا أنّ لا حل أردنيّ- فلسطينيّ يلوحُ في الأفق.

في صيف 1993، اجتمعت اللجنة التوجيهية في موسكو لمحادثات مشتركة ضمّت إسرائيليين، وفلسطينيين، ومُمثلين عن دول عربيّة ومُمثلين آخرين من المجتمع الدولي. بيلين مُمثلًا عن إسرائيل، والمُفاوض الفلسطينيّ فيصل الحسيني، اجتمعا لمحادثات طويلة بوصفهما رَئيسين للوفود.

عباس يريد كونفدرالية مع إسرائيل

كانت مفاوضات أوسلو جاريةً عندما سألَ بيلين نظيره الحسيني: ما الحل الأردنيّ- الفلسطيني الذي يعتقدُ أنه ممكن؟ ضحكَ الحسيني وسألهُ بالمقابل إذا ما كان الإسرائيليون حقًا يعتقدون أن جميع الفلسطينيين أغبياء. وشرح له: «تتحدثون عن كونفدرالية أردنيّة- فلسطينيّة، وأنا أقولُ لك –لبيلين-: نحنُ نريد كونفدرالية إسرائيليّة- فلسطينيّة. لمَ تعتقدُ أنّا مهتمون بشكل خاص بكونفدرالية مع ملكيّة شرق النهر العاجزة وغير الديمقراطية؟ سنفضّل تأسيس كونفردالية أكثر طبيعيةً، غربَ النهر، مع دولة ديمقراطية مستقرّة وغنية، ولنتعلم الكثير منها». وأكّد لبيلين فورًا أنه يتحدث من منطلق اهتمامه بالمصلحة الوطنية الفلسطينيّة لا لحبٍ لإسرائيل. وأراد أن يوضّح أنه يؤمن أن هذا –الحل- هو المُلائم لإسرائيل أيضًا لأنه سيضمن التعاون في قائمةٍ طويلة من المجالات.

يقولُ بيلين أن عبّاس عندما قال إنه يُصر على كونفدرالية ثلاثيّة، إنما يقصدُ ما أراده الحسيني. يُتابع: القيادة الفلسطينية البراجماتية تريدُ كونفدرالية مع إسرائيل. ويسأل بيلين إن كان الوسطاء الأمريكيون مستعدين فعلًا للنظر في نموذجٍ جديد يُمكن فيه للمستوطنين أن يبقوا شرقَ الحدود بينَ الدولتين المُستقلّتين والسياديّتين، ويقترحُ عليهم أن يجرّبوا خيار كونفدرالية إسرائيلية- فلسطينية، مع الأردن أو بدونها.

الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس.

يختتمُ بيلين مقاله مؤيدًا حلّ الكونفدرالية الإسرائيليّة الفلسطينيّة، ويرى أن لا خيار أكثر منطقيّة من دولتين مستقلّتين غربَ نهر الأردن، تعملان في إطار رسميّ من التعاون. قد يُنهي هذا الحل الحاجة لتفريغ المستوطنات، ويسمح للراغبين بالعيش في فلسطين مواطنين إسرائيليين مثلما يمكن لمواطنين فلسطينيين أن يعيشوا في إسرائيل. بيلين يتقدّم للأمام ويشرح أن كونفردالية إسرائيلية- فلسطينية، يمكن أن تسمح بتكامل القوات الأمنيّة لكلا الكيانين، وتسهّل حل أسئلة السيادة على البلدة القديمة في القدس، تحديدًا لو أطلقت المؤسسة المشتركة عملياتها منها. وبعد كلّ ما حصل يبدو أن عبّاس لم يكن يمزح.

اقرأ أيضًا: «فورين بوليسي»: الكونفدرالية قد تكون الحل الوحيد للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد