إن مجرد تصويت الكونجرس على هذا الإجراء يساعد في لفت انتباه الشعب الأمريكي إلى دور الأسلحة الأمريكية في حرب اليمن
سلَّطت ألكسندرا ستارك، الباحثة البارزة في مؤسسة «نيو أمريكا»، الضوء على أسباب عدم موافقة أغلبية النواب في الكونجرس الأمريكي على مشروع القرار الذي يهدف إلى وقف صفقة بيع الصواريخ إلى المملكة العربية السعودية، موضحةً أن مشروع القانون هذا أعاد محنة حرب اليمن إلى الواجهة، وأبرز دور الولايات المتحدة فيها. يأتي ذلك في تقريرها الذي نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.
الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية
استهلت الباحثة تقريرها بالإشارة إلى أن مجلس الشيوخ الأمريكي صوَّت في ديسمبر (كانون الأول) بأغلبية 67 صوتًا مقابل 30 صوتًا ضد مشروع قرار كان مخصصًا لاتخاذ تدابير ترمي إلى منع إتمام صفقة بيع صواريخ جو-جو متوسطة المدى متقدمة إلى السعودية تقدر قيمتها بـ650 مليون دولار. وكان الهدف من مشروع القرار المشترك لوقف الصفقة، والذي قدَّمه تحالف مكوَّن من نواب في مجلس الشيوخ ينتمون إلى الحزبين الديمقراطي والجمهوري، هو الضغط على السعودية لكي تضع حدًّا لتدخلها في الحرب الأهلية المستمرة باليمن، وهي الحرب التي شاركت فيها الولايات المتحدة من خلال دعم التحالف الذي تقوده السعودية، بحسب التحليل.
تقول الباحثة إن دراستها التي أجرتها في مؤسسة «نيو أمريكا» تلقي الضوء على الكيفية التي يستخدم فيها تحالف من المدافعين وأعضاء الكونجرس صفقات مبيعات الأسلحة، وغير ذلك من أنواع التشريعات، وسيلةً للمشرِّعين بغرض التأثير تأثيرًا مباشرًا على الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية، وعلى دعم الولايات المتحدة للتدخل العسكري لقوات التحالف بقيادة السعودية في اليمن.
ويؤكد التقرير أن الجهود التي يبذلها المشرِّعون، ضمن عوامل أخرى ساعدت في تغيير مناقشة السياسات العامة، إذ أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في خطابه الأول بشأن السياسة الخارجية هذا العام، أن الولايات المتحدة ستنهي «كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في الحرب الدائرة في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة». وأكدت إدارة بايدن في وقت لاحق أن مساعي منع صفقة الصواريخ تلك تتَّسق مع تعهد بايدن بإنهاء «دعم العمليات الهجومية» للتحالف الذي تقوده السعودية، مع أنها تواصل تقديم الأسلحة التي تعزز الدفاعات السعودية.
وقد شعر معارضو بيع الأسلحة إلى السعودية بخيبة أمل جرَّاء التصويت الذي أجراه الكونجرس الأمريكي يوم 7 ديسمبر الجاري، لكن فشل الحصول على الموافقة على مشروع القرار يعطي فكرة خاطئة عن أهمية هذه الجهود التشريعية؛ إذ تعد التشريعات الصادرة عن الكونجرس إحدى الطرق القليلة التي يُمكن للأمريكيين أن يشاركوا من خلالها بطريقة ديمقراطية في السياسات الأمنية الأمريكية، ويُظهر مشروع القانون هذا مسارًا يؤدي إلى مزيد من تلك المشاركة العامة للجماهير في صنع التشريعات.
كيف يحدث هذا الإجراء؟
تجيب كاتبة التقرير موضحة أن القرار المشترك لوقف الصفقة، الذي جاء تحت مسمى «إس جيه رقم 31»، يواجه احتمالات نجاح ضئيلة لتمريره. وبموجب شروط قانون مراقبة تصدير الأسلحة لعام 1976، يُطلب من السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة التي يمثلها الرئيس الأمريكي إخطار الكونجرس بأية صفقة أسلحة خارجية وشيكة تُبرَم مع معظم الدول عندما تبلغ قيمة الصفقة أكثر من 14 مليون دولار. وبمجرد أن تُخطِر السلطة التنفيذية الكونجرس يكون أمام المشرِّعين 30 يومًا فقط للتصويت لوقف الصفقة، ولم ينجح الكونجرس أبدًا في منع صفقة أسلحة مقترحة بهذه الطريقة.
وبموجب شروط قانون مراقبة تصدير الأسلحة، لا يمكن للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ منع أي قرار يهدف إلى وقف الصفقة من الوصول إلى مجلس الشيوخ، كما أن معارضي هذا الإجراء لا يمكنهم تعطيل التصويت من أجل دراسة الإجراء أو تمريره، وهذا يعني أن نجاح قرارات الوقف لا يتطلب سوى التصويت بأغلبية بسيطة. لكن يُمكن لأي رئيس أمريكي استخدام «حق النقض (الفيتو)» ضد قرار الوقف، وبعد ذلك يتعين الحصول على تصويت ثلثي كلٍّ من مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين من أجل تجاوز حق النقض المخوَّل للرئيس. وفي عام 2019 صوتت الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ على وقف صفقة مبيعات أسلحة للسعودية، لكن لم يتمكن أي من المجلسين تجاوز حق النقض الذي استخدمه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
هل يمكن أن تساعد مناقشات الكونجرس في تغيير المناقشات العامة؟
يلفت التقرير إلى أن الجهود التي يبذلها الكونجرس لوقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية في السنوات الأخيرة تشير إلى أنه حتى الجهود الفاشلة يمكن أن تغيِّر طبيعة المناقشات السياسية حول العلاقة الأمريكية السعودية والحرب في اليمن. وتشير الكاتبة إلى بحثها الذي أجرته من أجل كتابها الذي سيصدر قريبًا عن نهج الولايات المتحدة تجاه الحرب في اليمن، حيث تقول إنها تمكنت من إجراء عدة مقابلات مع أعضاء التحالف الذي ساعد في تمرير مشروع قانون 2019، ومنهم جماعات الضغط من المنظمات غير الحكومية وموظفي الكونجرس.
وكان هذا التحالف المؤيد للقرار قادرًا على استخدام الإجراءات التشريعية المنصوص عليها في قانون مراقبة تصدير الأسلحة، بالإضافة إلى التشريعات التي تستند إلى قانون صلاحيات الحرب؛ لإثارة مناقشات عامة حول دور الولايات المتحدة في حرب اليمن، وتشجيع الكونجرس للحصول على إجابات من الإدارة الأمريكية.
وهذا تطور ملحوظ بحسب الكاتبة؛ ففي السنوات الأولى من التدخل العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية، لم يكن هناك كثير من صانعي السياسات أو من الشعب الأمريكي على علم بأن الولايات المتحدة كانت تقدم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للتحالف. وقد تضمن هذا الدعم تزويد طائرات التحالف بالوقود جوًّا لتنفيذ عمليات قصف جوي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين. وكشفت استطلاعات للرأي أُجريت في أوائل ديسمبر أن 64% من الناخبين الأمريكيين المحتملين يعارضون صفقة الصواريخ جو-جو.
وفي هذا الصدد قال مات دوس، مستشار السياسة الخارجية للسيناتور الأمريكي بيرني ساندرز: «إحدى أفضل الطرق لصنع لحظات من (التغيير في الكونجرس) هي فرض التصويت. وإذا كان أعضاء الكونجرس سيصوتون بالقبول أو الرفض بشأن قضية ما، فإن ذلك يخلق فرصة للتثقيف والمناقشة». ويجب على الموظفين مساعدة النواب للاستعداد قبل التصويت، وتعزيز قدر أكبر من المعرفة بالقضية في الكونجرس، كما أن طرح مشروع قانون في الكونجرس يمنح المؤيدين والمدافعين فرصة لتنظيم الناخبين من القواعد الشعبية للاتصال بمكاتب الكونجرس وزيارتها.
التشريعات وسيلة لممارسة الضغط
وأفاد التقرير أنه في ظل الزخم الذي اكتسبته الجهود المبذولة لمشروع قرار عام 2019 لوقف صفقة مبيعات أسلحة إلى السعودية، أصبحت التشريعات وسيلة للضغط على إدارة ترامب لتغيير نهجها في اليمن، كما مارست التشريعات ضغوطًا مباشرة على القادة السعوديين والإماراتيين لتغيير نهجهم في اليمن. ويعتقد بعض المحللين أن ضغوط الكونجرس الأمريكي أدَّت دورًا مهمًا في قرار الإمارات لسحب قواتها من اليمن في عام 2019.
ويضيف التقرير مؤكدًا أن الضغط الذي مارسه الكونجرس منح المسؤولين الأمريكيين نفوذًا خلال مناقشاتهم مع المسؤولين السعوديين والإماراتيين، وبحسب ما قاله مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية لمجلس الشيوخ في عام 2018 فإن ضغط الكونجرس كان «مفيدًا جدًّا في السماح للإدارة الأمريكية بإرسال رسالة تعبر عن الحكومة بأسرها»، وبدوره كان لهذا الضغط تأثيرات مفيدة على الحرب نفسها. وبعد البيانات العامة من إدارة ترامب قررت السعودية السماح بدخول الرافعات إلى ميناء الحُدَيدة في يناير (كانون الثاني) 2018 للتخفيف من نقص الإغاثة الإنسانية الحاد، ووُضعت القضية على طاولة المفاوضات في اتفاقية ستوكهولم في ديسمبر 2018.
كما ساعدت الإجراءات التشريعية في تغيير طبيعة المناقشات المحلية بشأن دعم الولايات المتحدة للتحالف الذي تقوده السعودية. وخلال السنوات الماضية، لم يكن هناك كثير من أعضاء الكونجرس على استعداد للتشكيك في أسس الشراكة الأمنية الأمريكية السعودية. وبينما أدَّى مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 إلى دفع مزيد من الجمهور وأعضاء الكونجرس للتشكيك في الشراكة الأمنية الأمريكية السعودية، كانت طبيعة المناقشات المحلية قد بدأت في التغيُّر حتى قبل ذلك التاريخ. على سبيل المثال حصل قرار مشترك لوقف بيع الأسلحة على 27 صوتًا فقط في مجلس الشيوخ في سبتمبر (أيلول) 2016، لكن تصويتًا مماثلًا أجري بعد أقل من عام في يونيو (حزيران) 2017 (أي قبل مقتل خاشقجي)، حصل على 47 صوتًا.
وتختتم الباحثة تقريرها مرجِّحة أن يكون مشروع قانون ديسمبر 2021 قد حصل على عدد أقل من الأصوات هذه المرة لأن عددًا من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الذين دعموا الجهود السابقة لم يكونوا مستعدين للتصويت ضد إدارة أمريكية رئيسها من الحزب الديمقراطي. وعلى غرار مشروع قانون 2019 لن يصبح هذا القانون قانونًا، لكن التصويت يعيد محنة اليمن إلى دائرة الضوء، ويبرز الدور الأمريكي المستمر في تسليح السعوديين لإطالة أمد الحرب.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».