نشر موقع «ذا كونفرزيشن» الأسترالي تقريرًا أعدَّه جورج كيريس، محاضر في السياسة الدولية والأوروبية في جامعة برمنجهام، تناول فيه إمكانية إلغاء عضوية المجر في الاتحاد الأوروبي بسبب انتهاكها للقيم الأساسية للاتحاد، مسلِّطًا الضوء على نماذج سابقة لبعض الدول التي أُلغيت أو جُمِّدت عضويتها في المنظمات الدولية.
لماذا ينتقد الاتحاد الأوروبي رئيس وزراء المجر؟
يستهل الكاتب تقريره قائلًا: يبدو أن العلاقات بين رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، وبعض قادة الاتحاد الأوروبي قد وصلت إلى الحضيض. إذ ظل أوربان لسنوات يتَّبع أجندة يمينية يتعارض معظمها مع القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي في كثيرٍ من الأحيان.
ويُوضِّح التقرير أن خطوة فيكتور أوربان الأخيرة تمثَّلت في اقتراح ما سُمِّى بـ«قانون حماية الطفل»، والذي ينص على عدم قانونية مشاركة معلومات قد تعد ترويجًا للمثلية الجنسية مع الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا. ويتضمن القانون جميع المنتجات والإعلانات والمحتوى الإعلامي الذي يُصور أشخاصًا مثليين أو متحولين جنسيًّا، والبرامج التعليمية المرتبطة بمجتمع الميم (مصطلح يشير إلى مثليي الجنس ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسيًّا) إذا تناولت الأشخاص المثليين والمتحولين جنسيًّا. ويُمثل هذا القانون الخطوة الأخيرة في سلسلة من الجهود للحد من حقوق مجتمع مزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية وحرياتهم في البلاد، بحسب التقرير.
ويرى كاتب التقرير أن «قانون حماية الطفل» المجري يُشبه إلى حد ما المادة 28 من قانون الحكم المحلي في عهد رئيسة وزراء بريطانيا، مارجريت تاتشر، في عام 1988، وهو قانون منع مجالس بريطانيا ومدارسها من «الترويج لتدريس ما يؤدي إلى قبول المثلية الجنسية بوصفها علاقة أسرية مُدَّعاة في أي مدرسة حكومية». وفي الوقت الذي لم يكد يُقدَّم فيه «قانون حماية الطفل» حتى قوبل بمعارضة قوية، لم يُلغَ البند 28 (في بريطانيا) بالكامل حتى عام 2003. وفي نهاية المطاف، قدَّم حزب المحافظين البريطاني اعتذارًا عن تقديمه.
كيف تهدم المجر مبادئ الديمقراطية وتُخل بسيادة القانون؟
ينظر البرلمان الأوروبي إلى قانون أوربان الأخير بوصفه جزءًا من التفكيك التدريجي للحقوق الأساسية في المجر، وأن هذا الرُّهاب من المثليين أسلوب ترعاه الدولة المجرية، والذي ينتهك حقوق الإنسان ويُعد جزءًا من أجندة سياسية واسعة النطاق لإسقاط النظام الديمقراطي والإخلال بسيادة القانون. وأكدَّت المفوضية الأوروبية أيضًا أن «المساواة واحترام كرامة وحقوق الإنسان هي القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي، والمنصوص عليها في المادة الثانية من معاهدة الاتحاد الأوروبي»، واتخذت إجراءات قانونية ضد المجر للقضاء على الانتهاكات التي ترتكبها.
ويُشير التقرير إلى أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي دعَت إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة وحسمًا. وقال رئيس الوزراء الهولندي، مارك روته، إن هذا التشريع يدلل على أن «المجر لم يعد لها مكان في الاتحاد الأوروبي»، بينما دعا جان أسلبورن، وزير خارجية لوكسمبورج، إلى إجراء استفتاء بشأن هل ينبغي السماح للمجر أن تظل عضوًا في الاتحاد الأوروبي أم لا.
وردًّا على السؤال الذي يطرح نفسه: هل يستطيع الاتحاد الأوروبي طرد المجر إذا أراد ذلك؟ يجيب التقرير بأن إلغاء العضوية في المنظمات الدولية بوجه خاص ليس أمرًا شائعًا. وإذا نظرنا إلى الأمم المتحدة، وهي المنظمة التي تبذل أكبر الجهود والأكثر رغبة في ضم الدول تحت مظلة منظمة دولية واحدة، فإننا سنلاحظ أنه على الرغم من أن الانضمام ليس سهلًا دائمًا، فإن طرد أي عضو في المنظمة أكثر صعوبة بالتأكيد.
نماذج سابقة
لفت التقرير إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قررت في عام 1971 أن يحل ممثلو الصين الشعبية محل ممثلي تايوان. ويُعزى هذا الإجراء إلى الاعتراف بصين ماو في البر الرئيسي بصفتها دولة بدلًا من تايوان. وكانت هذه الخطوة تعني طرد تايوان فعليًّا من منظمة الأمم المتحدة.
أما السابقة الأخرى كانت عندما قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية (التي كانت، في ذلك الوقت، تتكون من صربيا والجبل الأسود فقط ولا تضم بقية جمهوريات يوغوسلافيا السابقة التي انفصلت عن يوغوسلافيا) لا يُمكنها أن ترث بصورة تلقائية عضوية يوغوسلافيا، وأنها بحاجة إلى التقدم بطلب للحصول على عضوية الأمم المتحدة. وطردت الأمم المتحدة يوغوسلافيا عمليًّا من المنظمة، وبعد مرور ثماني سنوات اعترفت بجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية بصفتها عضوًا جديدًا في المنظمة.
ونوَّه التقرير إلى أن أحد الاختلافات الرئيسة بين تايوان وجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية والمجر يتمثل في أن عضوية الأمم المتحدة تعتمد في الأغلب على أن العضو دولة محبة للسلام، في حين أن معايير الاتحاد الأوروبي أكثر تعقيدًا. وهذا هو السبب أيضًا في أن عديدًا من الدول ليست أعضاءً في الاتحاد الأوروبي، ولكن لا يوجد عدد كبير من الدول المعترف بها والتي ليست أعضاءً في الأمم المتحدة.
وأكدَّ التقرير أن الأمم المتحدة ألغت عضوية تايوان وجمهورية يوغوسلافيا الاتحادية في المنظمة فعليًّا لأنهما لم يعودا دولتين. بينما الأمر يختلف في حالة المجر؛ إذ لا يمكن لأحد أن يحتج على وجود المجر بصفتها دولة قائمة. لكن التحدي الحقيقي يتمثل في وفاء المجر بالتزامات عضوية الاتحاد الأوروبي تحت قيادة فيكتور أوربان. وفي مثل هذه الحالات، يكثر اللجوء إلى تجميد العضوية بدلًا من الطرد.
وقد جَمَّد عديدٌ من المنظمات الدولية عضوية جنوب أفريقيا، خلال حقبة الفصل العنصري. وعلى نحو مماثل، جَمَّدت منظمة الدول الأمريكية (أو إيه إس) العضوية العاملة لكل من كوبا في المدة بين عامي 1962 و2009، وهندوراس في المدة بين عامي 2009 و2011، لأن حكوماتهما كانت تنتهك التزام مضامين الميثاق الديمقراطي للدول الأمريكية الخاص بالمؤسسات الديمقراطية.
ويضيف التقرير أن منظمة مجلس أوروبا (منظمة دولية يتجسد هدفها في دعم حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون في أوروبا) علَّقت عضوية اليونان خلال مدة الحكم الاستبدادي التي شهدتها البلاد في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين، كما عُلَّقت عضوية سوريا في جامعة الدول العربية منذ عام 2011، وعلَّقت منظمة التعاون الإسلامي عضوية سوريا منذ عام 2012.
ألا توجد وسيلة أخرى؟
ألمح التقرير إلى أن قواعد المادة السابعة من معاهدة الاتحاد الأوروبي تتيح إمكانية تعليق حقوق التصويت للدول الأعضاء «إذا انتهكت دولة ما على نحو خطير وباستمرار القيم والمبادئ التي تأسس عليها الاتحاد الأوروبي». ولن تختلف تأثيراته كثيرًا عما فعلته المنظمات الدولية الأخرى في السابق. ومع ذلك، لم تُستخدَم هذه الآلية مطلقًا ولن تُفعَّل بسهولة. وكانت هناك محاولات عديدة سابقة لتطبيق المادة 7 لتعليق حقوق المجر في التصويت ردًّا على الطريقة التي تتعامل بها مع اللاجئين والمهاجرين، والتي باءت بالفشل. ومع ذلك، قد تكون هذه الآلية الوحيدة المناسبة في الوقت الراهن للرد على تصرفات المجر.
واختتم الكاتب تقريره بالإشارة إلى أنه لا توجد، في الوقت الحالي، وسيلة واضحة للاتحاد الأوروبي تُمكِّنه من طرد أي عضو من الدول الأعضاء. وجرت العادة ألا تطرد المنظمات الدولية أعضاءَها. وبدلًا من ذلك، قد يكون اتخاذ التدابير المؤقتة، مثل تعليق حقوق التصويت للمجر في الاتحاد الأوروبي أو منعها من الامتيازات الأخرى، وسيلة أفضل. وإذا كانت الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وسيادة القانون بمثابة التزام بالعضوية، فهل ينبغي أن ينجم عن ازدرائها بعض العواقب؟
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».