نشر موقع «ذا كونفرزيشن» الأسترالي تقريرًا أعدَّته أولايا مولدس أندريس، محاضرة في التسويق بجامعة كارديف البريطانية، تسلِّط فيه الضوء على نتائج بحث جديد ينظر في علاقة جائحة فيروس كورونا بجعل الناس أقل أو أكثر ميلًا للنزعة المادية.

تُقدِّم الكاتبة لتقريرها بالإشارة إلى أن الأيام الأولى لكوفيد-19 جلبت معها إحساسًا جديدًا بالحاجة المُلِحَّة للتسوق من أجل شراء سلع معينة؛ حين كان ورق المراحيض والمعكرونة والخبز تنفد سريعًا من على رفوف المتاجر بينما كانت الناس تتسابق لتخزين الإمدادات الحيوية، ثم بدت المشتريات الضرورية للمساعدة في كسر الملل الذي نجم عن عمليات الإغلاق، إذ أصبحت أحواض المياه الساخنة وأدوات المطبخ والحيوانات الأليفة الجديدة مشتريات شائعة للغاية. فهل جعلتنا الجائحة عمومًا أكثر مادية؟

ميول مادية.. وأثر جائحة كورونا

تؤكد الكاتبة أن الأبحاث تشير إلى أن الميل نحو السلوك المادي، والتركيز على اكتساب الأموال والممتلكات التي تشير إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ناتج عن مستوياتٍ عالية من الشعور بالتوتر والقلق والوحدة. وفي نظر كثيرين، كانت الجائحة فترة تتسم بالعزلة والقلق والضغط.

وأضافت الكاتبة أن استهلاك وسائل الإعلام الرقمية يُغذِّي النزعة المادية كذلك. ووجدت التقارير المبكرة أن الناس أصبحوا وكأنهم ملتصقين بمادة غروية في شاشاتهم خلال فترات الإغلاق والقيود الاجتماعية أكثر من ذي قبل.

ميول أقل مادية رغم الظروف

ولكن، وحسب ما تستدرك الكاتبة، وعلى الرغم من هذه الظروف التي كان من المتوقع أن تجعل الناس أكثر ميلًا للمادية، فإن بحثنا يشير إلى أن العكس هو الصحيح، موضحةً أن البحث سأل الأشخاص في المملكة المتحدة عن معتقداتهم وقِيمهم قبل ظهور كوفيد وبعده، ووجد أن معظم الناس عمومًا أبدوا اهتمامًا أقل بالمال والمكاسب المادية.

مجتمع

منذ 5 سنوات
اعتزلوا العالم ليعيشوا ببساطة.. مجتمعات تعيش في هدوء بعدما هجرت صخب الحداثة

وتلفت الكاتبة إلى أن المستطلعين صنفوا أهدافًا مثل «النجاح ماليًّا» و«الحصول على وظيفة بأجر جيد» في مرتبة أقل من ذي قبل، بينما بقيت القيم الاجتماعية الأخرى المتعلقة بقبول الذات ومشاركة حياتنا «مع شخص أحبه» كما هي.

وتعتقد الكاتبة أن هذه التغييرات يمكن تفسيرها من خلال عوامل أخرى تتعلق بالجائحة. وعلى سبيل المثال، ركَّز فيروس كورونا انتباه الناس على أهمية الصحة. وكذلك، روَّجت الإعلانات ووسائل التواصل الاجتماعي للقيم الاجتماعية مثل التضامن والتعامل مع تحديات التجربة المشتركة.

وتنوِّه الكاتبة إلى ضرورة الإشارة إلى أنه لم يكن لدى كل المستَطلَعين الاستجابة ذاتها، لافتةً إلى أن البحث استخدم تقنيات مختلفة لجمع البيانات لسؤال عينة تمثيلية من سكان المملكة المتحدة، وأظهر الأشخاص الذين كانوا أكثر تعرضًا لوسائل الإعلام وأكثر قلقًا بشأن كوفيد مستوياتٍ أعلى من النزعة المادية. ومع ذلك، وجد البحث انخفاضًا عامًا في الاهتمامات المادية لدى الأشخاص.

تركيز جديد

وتضيف الكاتبة أن تغييرًا في الموقف من هذا القبيل قد يكون له فوائد، ذلك أن الأبحاث وجدت أن المادية تؤدي إلى انخفاض مستويات السعادة والرضا عن الحياة، فضلًا عن تسببها في الشعور بمزاج سلبي وبالقلق. ومع ذلك، فإن الثقافة الشعبية ووسائل التواصل الاجتماعي تجعل من الصعب تجنب المادية. فمنذ سن مبكرة جدًّا، يتعلم عديد من الأطفال بسرعة ربط المكاسب المادية بمكافآت السلوك الجيد.

Embed from Getty Images

ومع تقدمهم في السن، يكتشفون أن الأشياء المادية يمكن أن تساعدهم في تقديم أنفسهم بطريقة أكثر جاذبية، وجذب انتباه الآخرين. وتصبح العناصر المادية تدريجيًّا جوائز مرغوبة للغاية، والتي تساعدهم أيضًا في التغلب على بعض أوجه القصور المتصوَّرة لديهم.

ولإضافة مزيد من الجاذبية، يروِّج قطاعا الإعلام والإعلان عمومًا للمعتقدات المادية من خلال القصص والصور التي تربط المال والاستهلاك بالسعادة وتقدير الذات والاعتراف الاجتماعي. وبطبيعة الحال، لم يتجنب كبار المعلنين وأقسام التسويق تمامًا أساليبهم التقليدية أثناء كوفيد. وكشف البحث أيضًا عن عدد أكبر من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي من العلامات التجارية التي تروِّج للاستهلاك باعتباره وسيلة للتعامل مع المشاعر السلبية وتحسين الشعور بالرضا.

ويمكن أن يؤدي هذا، مقترنًا بالانخفاض الواسع في القيمة الموضوعة على المكاسب المالية والمادية، في نهاية المطاف إلى تطوير عقليات مستقطبة. ومن ناحية أخرى، من الممكن أن يواصل عديد من الأشخاص الاتجاه الذي بدأته جائحة كوفيد وأن يبتعدوا ببطء عن النزعة الاستهلاكية، الأمر الذي قد يؤدي إلى عواقب اجتماعية عميقة قد يكون بالفعل جزءًا من سبب موجة «الاستقالات الكبيرة» في سوق العمل، إذ قررت نسبة أعلى من المعتاد من العمال ترك وظائفهم.

وعلى الجانب الآخر، وعلى الرغم من ذلك، فإن العدد الأكبر من الإعلانات والرسائل عبر الإنترنت التي تقدم الإنفاق على أنه طريق للسعادة يمكن أن يكون لها نتيجة عكسية. وقد يكون الأشخاص الأكثر تعرضًا لوسائل التواصل الاجتماعي، مثل المراهقين والشباب، أكثر ميلًا لاحتضان المادية، ومواجهة بعض الآثار السلبية التي تسببها.

وتختم الكاتبة تقريرها بالقول إن هذا النوع من التفكير المُستقطِب يمكن أن يتطور إلى جزء من التأثير الاجتماعي الطويل الأمد للأزمة الصحية العالمية، مع تداعياتٍ خطيرة على الأجيال الشابة. فقد تكون الجائحة التي دفعت كثيرين بعيدًا عن الآثار الضارة للمادية هي ذاتها التي قد تدفع آخرين كثيرًا نحو المادية.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد