مع إعلان بدء محادثات قمة الأمم المتحدة بشأن المناخ (كوب 26)، حذَّر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من أن البشرية على بعد «دقيقة واحدة من منتصف الليل بتوقيت ساعة القيامة» في كفاحها ضد التغير المناخي. وصرَّح زعماء دول العالم المشاركين في القمة التي عُقدت في مدينة جلاسكو الأيرلندية بأنهم يُحاولون إنقاذ العالم من تهديد وجودي. لكن هل يمكن القول إن مصير البشرية فعلًا في مهب الريح؟ وهل يُمكن أن يكون التهويل من التغير المناخي مؤذيًا أكثر من كونه مفيدًا؟
حول هذا الموضوع، أجرى بريندان أونيل، الكاتب السياسي الرئيس لمجلة «سبايكد»، التي تُغطي الأحداث السياسية من منظور إنساني ومؤيد للحريات، حوارًا مع الخبير الاقتصادي بيورن لومبورج، مؤلف كتاب «إنذار كاذب: كم تريليونًا يُكلفنا الذعر من التغير المناخي وكيف يضر بالفقراء ويفشل في إصلاح الكوكب الصلب»، مسلِّطًا الضوء على الكيفية التي يتأذى بها فقراء العالم من جراء التهويل من مخاطر مشكلة التغير المناخي. وهذه بعض مقتطفات من الحوار الذي دار بينهما.
قمم عالمية عن مشكلة المناخ وخيبات أمل متكررة!
في بداية الحوار، يشير أونيل إلى أن قمة (كوب 26) للمناخ في جلاسكو تشهد كثيرًا من المناقشات والتصريحات وقدرًا كبيرًا من خيبة الأمل والطموحات المتحطمة، ويسأل لومبورج ما رأيك في هذا النوع من اللقاءات العالمية؟ هل تؤتي أُكلها لمعالجة مشكلة التغير المناخي أو تساعد في جعل العالم مكانًا أفضل؟ فأجابه لومبورج قائلًا: ربما يجعلون العالم مكانًا أفضل قليلًا. لكن السر يكمن في الرقم 26، فهذه هي المرة السادسة والعشرين التي نُجرِّب فيها هذا. ونحن نحاول منذ عام 1992، عندما وقَّعنا على اتفاقية ريو (اتفاقية قمة الأرض التي نظمتها الأمم المتحدة في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل من أجل البيئة والتنمية).
ويضيف لومبورج أن دول العالم الغنية بأسرها أخفقت في تحقيق أي إنجاز في هذا الصدد. وبعد ذلك، كان لدينا بروتوكول كيوتو لكن معظم الأطراف فشلت مرة أخرى في الالتزام بما عليها من مسؤوليات. وبعدها اتفاقية باريس للمناخ، وأصبح لدينا الآن قمة جلاسكو، والتي من المفترض أن تُحقق نتائج أكثر مما حققته اتفاقية باريس. لكن ثمة خطرًا حقيقيًّا، كما لاحظنا مرات عديدة، أن تتحول هذه اللقاءات إلى مجرد أماكن نتعهد فيها بتنفيذ كثير من الأمور التي تبدو لطيفة ثم لا نفي بالتزاماتنا. وهذا يعني أننا ننفق كثيرًا من الأموال لكننا في نهاية المطاف لم نُحقق الأهداف التي سوف تساعد في حل مشكلة التغير المناخي بالفعل. هناك العديد من الطرق أفضل بكثير لتحقيق ذلك ولمعالجة جميع المشكلات الأخرى التي يواجهها العالم كذلك.
ما الأفكار المطروحة لحل مشكلة التغير المناخي؟
ينتقل أونيل للحديث عن بعض الأفكار المطروحة حاليًا لمعالجة مشكلة التغير المناخي، وأحد هذه المقترحات هو الوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر (صافي صفري). ويسأل لومبورج: أنت ترى أن مقترح (الصافي الصفري) سيكون مكلِّفًا جدًّا وينطوي على إشكالية هائلة. هل يُمكنك أن تشرح كيف تفهم (الصافي الصفري) ولماذا تعتقد أنه ليس النهج الأمثل لاتباعه؟
يجيب لومبورج قائلًا: توجد طريقتان لتناول هذا الأمر. أولًا: علينا أن نُدرك أن أي نوع من (الصافي الصفري) سيكون مكلِّفًا جدًّا؛ إذ أظهرت دراسة جديدة نشرتها مجلة «نيتشر» كيف سيبدو خفض انبعاثات الولايات المتحدة بنسبة 95% بحلول عام 2050، ستُقدر التكلفة بـ11.9% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة سنويًّا، أي ما يُعادل نحو 11300 دولار من كل شخص سنويًّا. وفي الوقت الذي أظهر فيه استطلاع للرأي أن أغلب الأمريكيين سيُصوتون ضد فرض ضريبة مناخية سنوية تبلغ قيمتها 24 دولارًا فقط على فواتير الطاقة، فإن قيمة (الصافي الصفري) تبلغ نحو 500 ضعف تلك القيمة. وهذا الأمر ببساطة لا يمكن أن يستمر، وسوف تصوت الشعوب ضد الحكومات إذا فعلت ذلك.
ثانيًا، يشير لومبورج بأنه يجب علينا أن ندرك أن المبالغة لا تؤدي إلى الحل الصحيح إلا نادرًا. ولنضرب مثلًا بمشكلة أخرى من صنع الإنسان، وهي الوفيات الناجمة عن حوادث المرور؛ إذ يُوجد أكثر من مليون حالة وفاة بسبب حوادث الطرق حول العالم سنويًّا. ويمكننا منع جميع هذه الحوادث بوضع حدٍّ للسرعة بأن تكون خمسة كيلومترات في الساعة، ولن يتوفى أي شخص سوى من الملل الشديد. لكننا لا نفعل ذلك لأن هناك تكاليف أخرى تنطوي عليها. وبطريقة مماثلة، يُعد التغير المناخي مشكلة، وهي أزمة حقيقية نريد تفادي التعرض لها، لكن سياسات التعامل مع التغير المناخي ستكون تكاليفها حقيقية وباهظة أيضًا.
ما آثار تبني مقترح الصافي الصفري؟
يُشير أونيل إلى أن مقترح (الصافي الصفري) سيكون له آثار واضحة ومدمرة جدًّا على فرص العمل ومستويات المعيشة والتنمية. لكنه لن يُؤثر تأثيرًا كبيرًا في درجات الحرارة العالمية، ويسأل لومبورج: هل من الممكن أن تشرح لماذا لن يؤثر مقترح (صافي صفري) تأثيرًا كبيرًا في المناخ الذي قد يعتقد بعض الناس أنه قد يتحقق؟
يوضح لومبورج قائلًا: للإجابة عن هذا السؤال يمكنك أن تنظر إلى سيناريو منتصف الطريق الخاص بالأمم المتحدة للقرن الحادي والعشرين، ثم اقتطع منه تأثير سعي الولايات المتحدة إلى تحقيق مقترح (صافي صفري). سيكون الفرق في درجات الحرارة العالمية طفيفًا جدًّا، 0.3 درجة فهرنهايت أو 0.16 درجة مئوية. وهذا يعني أنه بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين لن تستطيع فعلًا ملاحظة الفارق. وسيكون الفرق أصغر حتى للاتحاد الأوروبي. فإذا توجه الاتحاد الأوروبي بأسره فورًا لتبني مقترح (الصافي الصفري) وحافظ على صافي صفري إلى نهاية ما تبقى من القرن، فسيكون التأثير في درجات الحرارة 0.25 درجة فهرنهايت أو 0.14 درجة مئوية.
والسبب ببساطة هو أن كمية هائلة من الانبعاثات التي سنشهدها في القرن الحادي والعشرين ستأتي من الدول غير الغنية جدًّا، مثل الصين، والهند، وبعض دول أفريقيا، وعدد من دول جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية. وهذه الدول تتطلع إلى انتشال شعوبها من براثن الفقر. ومن غير المرجح أن يروا أنه من الأفضل ترك الجميع يغرقون في الفقر من أجل السعي لتحقيق الصافي الصفري من الانبعاثات.
حق الدول النامية في النمو والتطور
يتطرق أونيل في حواره إلى أحد أهم الانتقادات التي يُوجهها بعض المعلِّقين إلى قمة (كوب 26) للمناخ في جلاسكو وهو أنها لن تُحدث فرقًا كبيرًا. إذ ستواصل الصين النمو والتطور، وستستمر الهند في التوسع وهلم جرا. وتريد هذه الدول بصورة مشروعة ومفهومة تمامًا أن تصل إلى هذا النوع من النمو والتقدم والرفاهية التي كان الغرب محظوظًا بما يكفي لتحقيقه على مدار القرنين الماضيين. وبالتأكيد سيصبح من حقهم إشعال ثورات صناعية مماثلة لتلك التي شهدتها بريطانيا.
يقول معد المقابلة إنه نظرًا إلى أن الثورة الصناعية كان لها تأثير كبير جدًّا في كل جانب من جوانب المجتمع، والذي يمكن أن يلمسه البريطانيون في كل شيء بداية من متوسط العمر المتوقع، مرورًا بمستويات التعليم ووصولًا إلى الديمقراطية. ويمكن القول إن الثورة الصناعية كانت الحدث الأكثر تحويلًا في التاريخ البريطاني. لذلك، يسأل أونيل لومبورج: لماذا تعتقد أن بعض ناشطي حماية البيئة، ومعظمهم من الأشخاص المحترمين جدًّا، تفوتهم قليل من النقاط عندما يتعلق الأمر بحق الدول النامية في التطور والنمو وحقها في أن تصبح ثرية مثل غيرها من الدول الغربية؟
يؤكد لومبورج أنه إذا سألت هؤلاء المدافعين عن البيئة عن ذلك، سيردون دائمًا بأنه يجب إتاحة الفرصة لهذه الدول كي تصبح غنية، وأنها في الواقع ستصبح ثرية من استخدام الطاقة المتجددة. ولكن إذا تمكن أي شخص من أن يُصبح ثريًّا باستخدام الطاقة المتجددة، فمن الغريب على ما يبدو أننا نحتاج إلى لي أذرع الجميع لتحقيق ذلك.
كما أن دول العالم النامي تواجه مشكلات أكبر بكثير من مشكلة التغير المناخي. إذ يقتل مرض السل قرابة 1.5 مليون شخص كل عام. ولا يزال سوء التغذية يودي بحياة نحو 3 ملايين طفل سنويًّا. فلماذا لا نبالي كثيرًا بهذه القضايا، ومعظمها يتوقف على الفقر؟
وتختتم المجلة الحوار بما شدَّد عليه لومبورج بأنه يجب التوقف عن قول إن التغير المناخي «هو نهاية العالم». وإذا كانت ظاهرة الاحتباس الحراري عبارة عن نيزك يتجه نحو كوكب الأرض بقوة، فمن المنطقي أن نبذل قصارى جهدنا ونستغل جميع مواردنا لحلِّها. لكن الاحتباس الحراري يعد، في حقيقة الأمر، مشكلة متوسطة الخطورة في عالم مليء بالمشكلات، ويمكننا القول إن الكثير منها أشد خطرًا من مشكلة التغير المناخي، مثل الجهل وقلة التعليم، وعدم توفر الرعاية الصحية الجيدة، بالإضافة إلى نقص الغذاء وانعدام الأمن والسلام.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».