في عالم اليوم، بالكاد توجد دولة دكتاتورية أو ديمقراطية بالكامل. أغلب دول العالم الآن نظامها بين بين؛  ليس بالدكتاتوري الذي يفتح النار على المحتجين ويغلق الحدود ويحظر النشاط السياسي، وليس «واحة التحضّر» الديمقراطية المُشرقة التي تستوفي كل شروط الديمقراطيات الحرّة. في مقالها بموقع مركز «كارنيجي موسكو»، تتحدّث العالمة السياسية «إيكاتيرينا شولمان» عن أشباه الديمقراطيات في عالم اليوم.

الترابط.. والسطوة.. والقوة التنظيمية

تستشهد «إيكاتيرينا» بما ذكره العالمان «سيتيفن ليفيتسكي» و«لوكان واي» عن العوامل التي تؤثّر في التحوّل الديمقراطي للنظم السياسية الهجينة، وهي ثلاثة:

أولها، الترابط، وهو التواصل الاقتصادي والسياسي بالعالم الخارجي. العلاقة بينهما طردية؛ فكلما زادت مشاركة النظام في التحالفات والاتفاقيات والتجارة الدولية، زادت فرص التحوّل الديمقراطي، والعكس بالعكس.

ثانيها، السطوة، وهي النفوذ الذي تمارسه الأطراف الخارجية على النظام، ومدى اعتماده عليهم، وأيضًا تواجد شريكٍ تجاري أو مصدر رئيسي للدعم المالي. وفقًا للمقال، إن كان هذا البلد الشريك ديمقراطيًا، فإن احتمالات التحول الديمقراطي تزداد، والعكس بالعكس. تقول إيكاترينا إن روسيا والصين تلعبان دور «الفارس الأسود» كما يسميه الأكاديميون؛ الشريك القوي الذي يجرّ بنفوذه الدول المجاورة إلى طريق السلطوية، بينما الاتحاد الأوروبي هو فارس شرق أوروبا الأبيض، وكذلك الولايات المتّحدة بالنسبة لأمريكا اللاتينية.

وثالثها، القوة التنظيمية، وهي قدرة النظام على محاكاة المؤسسات الديمقراطية، ما يزيد بالتأكيد من احتمالات التحول الديمقراطي، على العكس من وجود بيروقراطية متغوّلة وآلة قمعية قويّة.

تلفت«إيكاتيرينا» الانتباه إلى عامل آخر مهم، وهو الديموغرافيا. في البلدان التي أغلب سكانها من الشباب، يزداد ميل الأعمال الاحتجاجية نحو العنف. أمّا إن كان أغلب السكان تتخطى أعمارهم الأربعينات، فإن الاحتجاجات تميل إلى السلمية.

الانقلابات.. وسيلة التغيير في نظامٍ جامد

تنتقل «إيكاتيرينا» إلى آفة أخرى للأنظمة شبه الدكتاتورية، وهي الانقلابات العسكرية، فهذه الأنظمة، كما تقول، «لا توجد لديها آلية رسمية لنقل السلطة». ولا ترتبط احتمالية وقوع الانقلاب على يد النخبة القائمة بشعبية الحاكم؛ فالمتآمرون غالبًا ما يمتلكون فهمًا محدودًا للرأي العام، و«يعيشون في عالمهم الصغير الخاص»، على حد وصف المقال.

لكن الشفافية الكاملة في عالم اليوم وضعت حسابات أخرى لنجاح الانقلاب، لتنشأ معضلة تواجه الحاكم السلطوي. فالتغلب على انقلاب من النخبة يتطلب دعمًا من الشبكات الاجتماعية التي كان يحاول الحاكم سحقها قبل الانقلاب. لكي يُحصّن النظام نفسه من الانقلابات النخبوية، عليه أن يكون أكثر انفتاحًا مع الشعب، ما يجعله أكثر عرضة للاحتجاجات الشعبية.

الغريب، تقول «إيكاتيرينا»، إن الانقلابات الفاشلة يُحتمل أن تؤدي إلى تحوّل ديمقراطي أكثر من الناجحة. لكن هذا منطقي، في حالة كان يُمثل صدعًا حقيقيًا داخل صفوف النخبة الحاكمة، لا يمكن التغلب عليه إلا باللجوء إلى عناصر المجتمع الأخرى طلبًا للدعم، وهو ما حدث في تركيا إذ لجأ الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الرأي العام والأجهزة الأمنية والقضائية.

أمّا الانقلابات الناجحة، فنادرًا ما تؤدي إلى تحول ديمقراطي، لعدم توافر الجيوش العلمانية الحداثية المطلوبة من أجل حدوث مثل ذلك التحول.

التحالفات الدولية السلطوية

أي دولة سلطوية تحتاج قدرًا ما من الانعزال عن العالم، لتتمكن من بسط نفوذها داخل أراضيها وعلى البلدان المجاورة. لكنها لا ترغب في الوقت نفسه في التعامل مع أسواق السلع والاستهلاكيات العالمية. لا توجد دولة يمكنها تحمل تكاليف العزلة الشاملة في الواقع، إلا كوريا الشمالية. هذا التناقض بين «السيادة» الداخلية والإقليمية وبين تكوين الروابط مع المجتمع الدولي يُعرف بـ«المعضلة المختلطة».

الخطة التي لجأت إليها الأنظمة السلطوية لحل هذه المعضلة هي «الدولية السلطوية»؛ تحالفات من الأنظمة المختلطة تُشكّل قوة عالمية. لكن المُشكلة في هذه الخطة هي الدوافع. فالدول المُشاركة في هذه التحالفات لا تحمل قيمًا أو أهدافًا مشتركة إلا تحدّي دول العالم الأول والسعي إلى حماية السيادة الداخلية من تدخلاتها، وهو ما يجلب نوعًا من «الرياء النفعي» إلى علاقاتها ببعضها.

تنتهي «إيكاتيرينا» إلى أن انتشار النظم السياسية الوسطية في العالم يرجع إلى صعوبة التحوّل الجذري لديمقراطية ضعيفة إلى دولة دكتاتورية خالصة، مثلما حدث في «بيلاروسيا»، والتي كانت روسيا فارسها الأسود. أيضًا فإن الدكتاتوريات الفعلية مآلها ليس مزيدًا من تركّز القوة في يد السلطة الحاكمة، أو التحول الديمقراطي، إنه الانهيار، والحرب، والفوضى، مثلما حدث في العراق وليبيا وسوريا. ما تتميّز به هذه الأنظمة الوسطية هي إمكانية تحولها ديمقراطيًا دون تغيير كبير يتسبب في خلخلة البنية المجتمعية، وفي مزيد من الفوضى.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد