إنَّ التعرُّف على مشكلة خاصة بالصحة العقلية وتشخيصها ليس عمليةً سهلةً أبدًا، لا تكون معظم الصراعات الخاصة بالصحة العقلية منعزلة، ويعاني الكثير منَّا من أفكار أو ميول مزاجية سلبية لا تُعَدَّ اضطرابات رغم أنَّها تُشكِّل تحديًا.

وجدتُ في عملي مُدرِّبةً للعلاقات أنَّ الوحدة هي أحد هذه الميول التي غالبًا ما تصاحب الاضطراب المُشخَّص بأنَّه اضطراب عقلي. وعلى الرغم من أنَّ الارتباط لا يعني السببية، إلَّا أنَّ الوحدة تبدو وكأنَّها قد تكون سببًا في بعض مشاكل الصحة العقلية الشائعة التي ندركها أكثر من كونها عَرَضًا لها.

الحميمية البشرية ضرورية لصحتنا العقلية، فبدونها قد يغزونا أي عدد من الأمراض. قد تؤدِّي الوحدة التي تنبع من فقدان الحميمية البشرية بسهولة إلى أي عدد من المشاكل المعروضة. وفيما يلي 4 اضطرابات عقلية ربما تنبع من الوحدة أو تتفاقم بسببها:

1) الاكتئاب

 

لطالما صحب الوحدة والاكتئاب بعضهما البعض، مررنا جميعًا بلحظات نجد أنفسنا فيها نشعر بالضيق قليلًا بسبب غياب الصداقات القريبة. إذا لم يكُن لدى شخص ما صداقات قريبة في حياته، فليس من المبالغة افتراض أنَّه يشعر بوعكةٍ قويةٍ نتيجةً لذلك.

أُجريت مؤخرًا دراسة على مدار خمس سنوات بجامعة شيكاغو، ووجدت أنَّ وجود الوحدة مبكرًا في بداية السنوات الخمسة كانت مؤشِّرًا ممتازًا على ظهور الاكتئاب لاحقًا خلال السنوات الخمسة، كانت الوحدة في الحقيقة مؤشِّرًا أقوى من وجود الاكتئاب نفسه مبكرًا في بداية السنوات الخمسة. إلامَ يُشير ذلك؟ يُشير إلى أنَّ الوحدة ربما تكون سابقة على الاكتئاب أكثر ممَّا يكون الاكتئاب نفسه.

2) القلق الاجتماعي

إذا لم يكُن سبب الوحدة العُزلة الجسدية (مثل الحياة في بلدةٍ قليلة السكان للغاية)، فمن المنطقي الاعتقاد بأنَّ الوحدة ربما يتسبَّب فيها الانزعاج من التعرُّف على الناس، يُطلَق عادةً على هذا الأمر اسم القلق الاجتماعي. وبينما هناك أشكال مُتطرِّفة من هذه المشكلة – مثل عدم القدرة على مغادرة المنزل -، فقد يكون الشعور بالوحدة هو السبب وراء الأعراض الأقل حدة للقلق الاجتماعي. ربما تشعر أنَّك غير محبوب أو لا تستحق العلاقات الجيِّدة، ممَّا يُسبِّب الخوف والقلق بشأن عملية تكوين تلك العلاقات.

نشرَت شبكة NPR في 26 من يونيو 2015 خبرًا عن بحثٍ يقترح أنَّ الأشخاص الوحيدين قد يكونوا في الحقيقة يتمتَّعون بمهارات اجتماعية تفوق مهارات مَن ليسوا وحيدين. بمعنى آخر، الوحيدون ليسوا وحيدين لأنَّهم لا يعرفون كيف يتحدَّثون مع الناس، ولكن تقترح تلك النتائج أنَّهم يعانون من صعوبات في العلاقات لأنَّهم يخشون إفسادها، فهم يخشون قول الأمور الخاطئة في المواقف الاجتماعية. أرى أنَّ ذلك يقترح أنَّ الوحدة والقلق الاجتماعي قد يكونا متداخلين، ممَّا يصنع دائرة خبيثة من العُزلة والخوف من العُزلة.

3) الإدمان

جعل كتاب جوان هاري الثوري Chasing the Scream: The First and Last Days of the War، والذي صدر في يناير 2015، الناس على وعيٍ بأنَّ إدمان المُخدِّرات قد يكون أكثر من مُجرَّد خطافات كيميائية في المخ. يفترض أنَّ الناس عندما يعيشون حياةً مليئة بالحميمية مع الآخرين لا يُصبحون مُدمنين للمُخدِّرات حتى عندما يتناولون مُسكِّنات قوية للغاية بعد التعرُّض لحادثة على سبيل المثال. ولكن العكس صحيح كذلك، فأولئك الذين يشعرون بالوحدة قبل تناول أي مُخدِّر أكثر عرضة بكثير للإدمان.

يُشير هاري في مقالٍ بهافينجتون بوست إلى عمل البروفيسور بيتر كوهين الذي يقول: «إذا لم نستطِع التواصل مع بعضنا البعض، سنتواصل مع أي شيءٍ نجده، سواء كان طنين عجلة الروليت أو وخزة الحقنة. علينا أن نتوقَّف عن الحديث عن الإدمان، وندعوه بدلًا من ذلك بالترابط، فمدمن الهيروين قد عقد رابطةً مع الهيروين لأنَّه لم يستطِع الارتباط بصورةٍ كاملةٍ بأي شيءٍ آخر، إذًا فمقابل الإدمان ليس الاعتدال، وإنَّما التواصل البشري».

4) الاكتناز

بينما يُصنَّف الاكتناز بصفةٍ عامةٍ اضطرابًا وسواسيًا قهريًا، نجد عنصر الفقد والألم في ملء المرء لحياته بالأشياء، عندما لا نكون قادرين على ملء حيواتنا بالأصدقاء المُقرَّبين والأسرة، قد يتَّجه بعضنا إلى الأشياء المريحة لملء الفراغ. تخاطب المؤسسة الدولية لاضطراب الوسواس القهري هذه المسألة مباشرةً فتُصرِّح: «الوحدة أحد العوامل الأساسية التي تُسبِّب حدوث الاكتناز».

لقد مسَّنا جميعًا تقريبًا هذا الميل إلى حدٍ ما، فنحتفظ بالحلى والجوابات والهدايا الخاصة بعلاقةٍ منتهية على سبيل المثال. قد تملأ هذه الأشياء الفراغ، ولكن كلما نما الفراغ قد ينمو معه جبل الأشياء.

إذا كنتَ تعاني من إحدى الحالات المذكورة، أو تعرف شخصًا يعاني منها، ربما يكون من الهام التفكير فيما إذا كانت الوحدة تلعب دورًا في إدامة المشكلة، قد تكون معالجة وحدتك الحل لإطلاق العنان لصحتك العقلية.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد