الفيلم الوثائقي بعنوان «المنشق» الذي أعدَّه بريان فوجل حول مقتل المعارض السعودي، جمال خاشقجي، يواجه صعوبة في العثور على منصة عرض لدى الشركات التي يمكن أن توفر منصات رئيسة للأفلام الوثائقية.
كتبت نيكول سبيرلنج، مراسلة إعلامية وترفيهية، تقريرًا نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية حول مساعي مخرج فيلم «إيكاروس» للعثور على منصة بث جيدة لفيلمه الوثائقي حول اغتيال جمال خاشقجي؛ موضحةً أن تلك المساعي باءت بالفشل.
وفي مستهل تقريرها، ذكرت المراسلة أن الفيلم الوثائقي الأول لبريان فوجل، «إيكاروس»، ساعد في الكشف عن فضيحة المنشطات الروسية التي أدَّت إلى حرمان البلاد من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية 2018. وقد حصل الفيلم و«نتفليكس» على جائزة الأوسكار. أما مشروعه الثاني، فقد كان عن مقتل جمال خاشقجي ودور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في ذلك.
فيلم «المنشق»
عادةً ما يحظى فيلم لمخرج أفلام حاصل على جائزة الأوسكار باهتمام كبير من خدمات البث التي تستخدم الأفلام الوثائقية والأفلام المتخصصة لجذب المشتركين وحصد الجوائز. ولكن عندما تمكَّن فيلم المنشق (The Dissident) أخيرًا من العثور على موزع بعد ثمانية أشهر، كان هذا الموزع عبارة عن شركة مستقلة ليس لديها منصة بث وتوفر نطاق وصول محدودًا.
يقول فوجل: «لم تعد هذه الشركات الإعلامية العالمية تفكر فحسب: كيف سيؤثر ذلك في الجمهور الأمريكي. إنهم يسألون أيضًا: ماذا لو نُشِر هذا الفيلم في مصر؟ ماذا سيحدث إذا نُشِر في الصين وروسيا وباكستان والهند؟ كل هذه العوامل تلعب دورها..».
سيُعرض «المنشق» الآن في 150 إلى 200 دار سينما (تقلَّص العدد بسبب الجائحة) في جميع أنحاء البلاد في يوم عيد الميلاد، ثم يصبح متاحًا للشراء على قنوات الفيديو عند الطلب في 8 يناير (كانون الثاني). ودوليًّا، سيُعرَض الفيلم في بريطانيا وأستراليا وإيطاليا وتركيا ودول أوروبية أخرى من خلال شبكة من الموزعين. غير أنه لن يُعرض من خلال خدمة مثل «نتفليكس» أو «أمازون برايم فيديو».
مقابلات من أجل الفيلم
ومن أجل الفيلم، أجرى فوجل مقابلة مع خطيبة خاشقجي، خديجة جنكيز، ومع ناشر واشنطن بوست فريد رايان، ومع عدة أفراد من قوة الشرطة التركية. وحصل على نسخة من 37 صفحة من تسجيل لما حدث في الغرفة التي خُنِق فيها خاشقجي وقُطِّعت أوصاله. كما أمضى وقتًا طويلًا مع عمر عبد العزيز، المعارض الذي يعيش في المنفى في مونتريال والذي عمل مع خاشقجي لمحاربة الطريقة التي استخدمت بها الحكومة السعودية موقع «تويتر» في محاولة لتشويه الأصوات المعارضة.
شدد التقرير على أن فيلم «المنشق» حظي باهتمام كبير في مهرجان صندانس السينمائي في يناير (كانون الثاني). ووصفته صحيفة «هوليوود ريبورتر» بأنه «قوي وعميق وشامل»، في حين قالت فارايتي إنه: «فيلم وثائقي مثير ذو أهمية مذهلة». وحثت هيلاري كلينتون الناس على مشاهدة فيلم «المنشق».
ولم يكن أمام فوجل سوى تأمين البيع لمنصة بث بارزة، والتي يمكن أن تُضخِّم نتائج الفيلم، كما فعلت «نتفليكس» مع «إيكاروس». وعثر «المنشق» أخيرًا على موزع في سبتمبر (أيلول)، وهي الشركة المستقلة برايركليف إنترتاينمينت.
«نتفليكس» غير مهتمة
قال فوجل إنه أبلغ «نتفليكس» بفيلمه أثناء إنتاجه وأخبر الشركة مرةً أخرى بعد أشهر بعد قبول الفيلم في مهرجان في صندانس. وقال: «أعربت لهم عن مدى سعادتي برؤيته، ولم أسمع أي رد».
حضر ريد هاستينجز، الرئيس التنفيذي لنتفليكس، العرض الأول للفيلم في صندانس، لكن الشركة لم تقدم عرضًا لشرائه. ورفضت «نتفليكس» التعليق، وأشارت المتحدثة باسم الشركة إلى عدد قليل من الأفلام الوثائقية السياسية التي أنتجتها المنصة مؤخرًا، مثل حافة الديمقراطية (Edge of Democracy) عام 2019، حول صعود الزعيم السلطوي، جاير بولسونارو، في البرازيل. ولم تطلب أمازون شراء الفيلم ولم ترد على طلب للتعليق.
لم تقدم «فوكس سيرشلايت»، المملوكة الآن لديزني، طلبًا لشراء الفيلم. ولم يفعل ذلك أيضًا الموزع المستقل نيون، الذي كان وراء فيلم الطفيلي (Parasite) الحاصل على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم العام الماضي.
نزاهة السينما الأمريكية
يقول ثور هالفورسن، المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة حقوق الإنسان غير الربحية التي موَّلت الفيلم: «ما لاحظته هو أن الرغبة في تحقيق الأرباح للشركات جعلت نزاهة ثقافة السينما الأمريكية ضعيفة».
ولفت التقرير إلى أن الأفلام الوثائقية لا تعد ناجحة في العادة في شباك التذاكر، لذا وجدت جمهورها في أماكن أخرى. ولطالما كانت محطة الشبكة التلفزيونية الأمريكية (PBS) منصة للأفلام الوثائقية البارزة ، لكن ظهور البث المباشر جعل شركات مثل «نتفليكس» و«أمازون» و«هولو» مهمة جدًّا لهذا النوع من الأفلام.
تدخل السياسة
يقول ستيفن جالوي، عميد كلية السينما في جامعة تشابمان: «هذا أمر سياسي بلا شك، إنه أمر مخيب للآمال…».
و«المنشق» ليس الفيلم الوثائقي السياسي الوحيد الذي فشل في تأمين مكان له على خدمة البث المباشر؛ ففي هذا العام، تراجعت «ماجنوليا بيكتشرز»، التي أبرمت صفقة بث مباشر مع «هولو» المملوكة لديزني، عن اتفاق مع صناع الفيلم الوثائقي القتلة (The Assassins)، الذي يحكي قصة تسميم كيم جونج نام، الأخ غير الشقيق للزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون.
وأشار مخرج الفيلم رايان وايت إلى اختراق شركة «سوني بيكتشرز» في عام 2014 في مقابلة مع فارايتي، وأشار إلى «الطريق الوعر» للتوزيع في الولايات المتحدة عبر شركات تشعر بأنها «يمكن اختراقها بطريقة قد تكون مدمرة لهم أو لإجمالي أرباحهم».
وتساءل فوجل حول ما إذا كانت الشركة يمكن أن تتحمس لفيلم «إيكاروس» الآن. وأشار إلى أنهم عندما اشتروا «إيكاروس» كان لديهم مئة مليون مشترك في أنحاء العالم، والآن لديهم 195 مليونًا. وأوضح أنهم كانوا يسعون لجذب كبار السينمائيين للعمل معهم، ولذا كانوا يعتقدون أنه من الأهمية أن يكون لديهم فيلم يحصد جائزة. واشترت نتفليكس «إيكاروس» مقابل 5 ملايين دولار بعد عرضه لأول مرة في صندانس في عام 2017.
صفقات «نتفليكس» مع السعودية
في يناير 2019، سحبت «نتفليكس» حلقة من مسلسل حسن منهاج بعدما انتقد الأمير محمد بعد وفاة خاشقجي. ودافع هاستينجز في وقت لاحق عن هذه الخطوة، قائلًا: «نحن لا نحاول أن نتكلم بالحقيقة في وجه السلطة، بل نسعى إلى تقديم الترفيه».
وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، وقَّعت «نتفليكس» صفقة مع استوديو «تلفاز11» السعودي لإنتاج أفلام قالت إنها: «تهدف إلى جذب واسع لكل من الجماهير العربية والعالمية».
وفي ختام التقرير، أوضحت المراسلة أن استقبال «المنشق» لم يكن مثاليًّا، لكن السيد فوجل ما زال يأمل أن يشاهد الناس الفيلم. وقال: «أحب «نتفليكس» وأعتبر نفسي جزءًا من عائلة «نتفليكس» بعد تجربتنا الرائعة مع «إيكاروس». لكن للأسف، لم تعد الشركة كما كانت قبل بضع سنوات عندما وقفوا بقوة في وجه روسيا وبوتين».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».