لا شيء يعادل الإثارة التي تسببها فضيحة من الطراز العتيق لترامب على صفحات إحدى المجلات الشعبية، وإذا لم تكن فضائح ترامب في التسعينات كافية بالنسبة للبعض، فإننا اليوم على موعد مع فضيحة رئاسية جديدة. والمصدر هذه المرة مجلة «إن تتش ويكلي» المتخصصة في أخبار النجوم وفضائحهم، إذ كشفت النقاب عن عزمها إجراء مقابلة موسعة -تعود إلى عام 2011- مع إحدى نجمات الأفلام الإباحية، تدعي فيها وجود علاقة غرامية جمعتها بترامب عام 2006.
جاء ذلك في مقدمة تقرير أعدته الصحافية أدريان لافرانس، لصالح مجلة «ذي أتلانتك» الأمريكية. وتنقل لافرانس ما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال» حول محامي ترامب الذي دفع لتلك السيدة 130 ألف دولار كي لا تثير المزيد من الصخب حول هذه المسألة، فيما علق البيت الأبيض بالقول: «ثمة تقارير قديمة يعاد تدويرها الآن، نُشرت وقد تم نفيها بحسم عندما نُشرت قبل الانتخابات».
«ستافيني كليفورد»، والتي اشتهرت باسم «ستورمي دانييلز» قالت إنها حظت بممارسة جنسية مع ترامب وصفتها بالتقليدية، الأمر الذي يستدعي إلى الأذهان الفصل السابق من فضائح ترامب من هذا النوع، والتي تملأ تاريخه.
فضائح ترامب على صفحات المجلات
في فبراير (شباط) 1990، أثارت علاقة ترامب الغرامية مع الممثلة «مارلا مابلز» الكثير من اللغط، كان ترامب حينها لا يزال مرتبطًا بزوجته الأولى «إيفانا»، وقد زينت مجلة «نيويورك بوست» حينها صدر غلافها بمقولة لمابلز تذكر فيها أن علاقتها بترامب كانت «أفضل جنس تمارسه في حياتها»، لاحقًا تراجعت مابلز عن ذلك القول، وذكرت لمذيع الأخبار «ديان ساوير» أن تلك «كانت مجرد كذبة كاملة قالتها».
كان جنون الميديا -وبحسب وصف نيوزويك- تطبيقًا آخر لقانون جريشام «العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من التداول»، كان هناك تقرير عن مابلز من مسقط رأسها في جورجيا من بعض أولئك الذين تذكروا كم كانت فتاة لطيفة، تناثرت الأقاويل حول مواجهات حامية بين مالا وإيفانا في أسبن، ووصف ترامب كيف كان طلاقه عصيبًا: «كان ذلك أكبر من إليزابيث تايلور وريتشارد بيرتون»، على حد تعبير مجلة «بيبول»، وعلقت صحيفة نيوزويك بالقول: «الشهرة بالنسبة له إدمان مثل الكوكايين».

إحدى فضائح ترامب الجنسية على صفحات نيويورك بوست في فبراير 1990
في المرة الأولى التي نشرت فيها قصة حصرية حول اضطرابات ترامب الزوجية -كانت عبارة «حب فوق الصخور» تتصدر الصفحة الأولى من صحيفة «نيويورك ديلي نيوز» في 11 فبراير 1990- يتذكر ترامب أنها مع يوم إطلاق سراح المناضل الجنوب أفريقي «نيلسون مانديلا» من سجنه، واضعًا لحظة النهاية لنظام الفصل العنصري في البلاد، ويعلق ترامب على الأمر ساخرًا: «ربما صاح نيلسون مانديلا متعجبًا: من هذا الفتى؟ لقد أطاح بي من الصفحة الأولى».
«عِقد المجلات»
شكلت مغامرة ترامب تلك، وطلاقه من زوجته بعد ذلك، بداية ما وصفه «ديفيد كامب» بـ«عِقد المجلات»، مختزلًا بذلك الحقبة التي سوف تتقاطع فيها الأخبار مع التسلية، وعمادها المجلات، وأجهزة التلفاز التي تبث على مدار الساعة، وشبكة الإنترنت الوليدة حينئذ، وبنهاية ذلك العِقد -كانت نهاية الألفية الثانية كذلك- كنا على موعد مع «مرح» من نوع خاص، الفضيحة الجنسية التي كان بطلها الرئيس الأمريكي بيل كلينتون.

المغامرة الجنسية لكلينتون كانت علامة بارزة في فترة التسعينات
كان ذلك هو الوقت الذي حاول فيه «كالفن تريلين» الكاتب في صحيفة «نيويوركر» أن يرسي مفهوم «نمّامو السبت»، في إشارة إلى سيل النقاد الذين تمتلئ بهم شاشة التلفاز صباح كل يوم أحد. «عندما يخبرونك هؤلاء النقاد بأن الشعب الأمريكي يريد شيئًا، فإن ما يذكرونه في الحقيقة هو ما يريدونه هم، لا الشعب»، يقول تريلين: «هؤلاء يريدون اقتناص فرصة هنا أو هناك؛ لكي تلوك ألسنتهم تفاصيل العلاقة بين كلينتون، ومونيكا لوينسكي».
وكما كتبت ميجان جاربر ذات يوم: «يبدو أن التكنولوجيا كانت السبب والنتيجة -في الوقت ذاته- لجعل التسلية هي المعيار الأهم، وفي مقدمة أي شيء آخر»، وكما يعبر «كامب» في مجلة «فانيتي فير» فقد وضعت مجلات الفضائح في زمنها الحمقى والدنيئين في المقدمة وقبل كل شيء؛ لأن تلك الحوادث التي صدرت منهم كانت بغيضة وصادمة، ولأن أيضًا الشماتة ببساطة هي إدمان فتاك.
اليوم، قد تشكل فضائح ترامب مجلة فضائح بحد ذاتها، هو موضوع القصة وناشرها في الوقت نفسه، ليس لدى ترامب أي قدرات خارقة لجذب الانتباه، لكن عبقريته الإعلامية هي أنه يتحكم بمواهبه الطبيعية التي تجعله أشبه بقصص المجلات المثيرة، وتلك مساحة مفعمة بالمشاعر، والكليشيهات والدراما، ثم هناك هذا الفقدان التام لأي حياء من أي نوع، والذي يكون عادة جديرًا بالاقتباس.
والتكرار الذي يفعل في العقول فعل السحر، نحن بصدد رجل تمكن لسنوات طوال أن يسِّوق نفسه بنفسه. شخص كانت فضيحته الجنسية الأخيرة -وقد سجلت بالمناسبة على شريط لصالح تلفزيون فضائح- قد عرفت ليس فقط بكونها لشخص مشهور؛ بل كذلك بـ«القتل والقتلة المتسلسلين، والمواكب التي لا تنتهي من النزوات والضحايا»، كما كتب «شيلا كولهاتكار» ذات مرة. إذا كانت هواية الأمريكيين في قراءة مجلات الفضائح، مبنية على مبدأ «الحماسة لسقوط المشاهير»، فإن من المنطقي القول إذًا إن ترامب لا يزال صامدًا، الشيء نفسه ينطبق على حقيقة أن البشر ببساطة يحبون القصص الدرامية.
فضيحة من عهدٍ مضى
«إن تاتش»، وهي التي تعد بمقابلة حصرية تتجاوز 5 آلاف كلمة تقريبًا، قد حصدت يومًا المركز الثالث في قائمة مجلات الفضائح الأكثر دقة، وفق تصنيف قامت به شبكة «جويكر»، التي وللمفارقة قد احتضرت هي ذاتها بسبب فضيحة، اكتملت بنشر شريط جنسي لأحد المشاهير. فقد قام نجم مصارعة المحترفين «هولك هوجان» بمقاضاة جويكر بسبب نشر فيديو يظهره وهو يمارس الجنس. وقد ساعده الرأسمالي المغامر بيتر ثييل في تمويل الدعوى. كلا الرجلين كانا سعيدين بتدمير جويكر، وقد نجحا بالفعل في ذلك.
وبعيدًا عن قاعات المحاكم، فإن مجلات الفضائح تحب ذلك الشخص الذي لا يكبح جماحه شيء، انعدام ضبط النفس هنا مفيد للغاية في بيئة المعاملات العميقة تلك، وبخاصة ذلك الذي يزدهر في ظل تسليع الدراما الإنسانية. تويتر وفيسبوك هما مثالان لذلك، كما المجلات القديمة. على كل حال، لم تكن فضائح ترامب النموذج الأوحد من مجلة الفضائح القائمة على رجل واحد على الإنترنت، إنهم في كل مكان، عبر تبويبات المتصفح التي لا تنتهي، مع كل حلقة من مسلسل الغضب، ومع كل مناشدة مقنعة تسعى إلى نيل الثقة من كتيب إرشادات ترامب.
لأجل ذلك كله، إذ نحن هنا في عِقد التبويبات، تعد مقابلة «إن تاتش» بمثابة الردة إلى عصر مضى، عِقد مجلات الفضائح. لدى «ستورمي دانيال» قصة مثيرة ستسبب «فرقعة» كبرى، هكذا تعِد المجلة على الأقل. هذا هو المتوقع بالطبع عندما نتحدث عن نجمة إباحيات شقراء تتحدث عن علاقتها الغرامية بالرئيس. الأمر نموذجي تمامًا كما تتوقع من ماكينة مبرمجة على إنتاج أخبار الفضائح. دونالد ترامب، نزوة غرامية سرية، وشقراء على استعداد للبوح بكل شيء، كم يبدو الأمر تقليديًّا.
ربما يكون كل ذلك حقيقيًّا. العديد من قصص فضائح المجلات كذلك بالفعل، لكن الشعور بأن تلك القصة ليست كذلك نابع من البيئة الإعلامية التي تظهر فيها. التناول الفضائحي للدراما الإنسانية حولنا في كل مكان، الصدمة والغضب يتدفقان في كل اتجاه، في مجتمعاتنا المغلقة، مثل الرسائل الخاصة على موقع سلاك، أو مجموعات فيسبوك، وفي المنصات المفتوحة مثل تويتر.
لذلك تظل مجلات الفضائح الأمريكية هي المكان الذي يلتقي فيه تلفزيون الواقع مع المشاهير، حيث تظهر قصص غير حقيقية لكنها تحاول أن تبدو كذلك. أين بإمكانك أيضًا أن تجد دونالد ترامب؟ فرسالته دائمًا تناسب صفحات مجلات الفضائح والشائعات؛ إذ يقول في كثير من أحاديثه: صدقني. ويختم بها أحاديث أخرى قائلًا: صدقني. ولا يهم في الحقيقة إن صدقته أم لا، طالما أنه في نهاية المطاف يظل قادرًا على جذب الانتباه.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».