نشرت مجلة «ساينس أليرت» تقريرًا أعدَّه الكاتب الصحفي بيتر دوكريل، المتخصص في مجال العلوم والتكنولوجيا، سلَّط فيه الضوء على «الصندوق الأسود» الغامض وغير القابل للتدمير، الذي تعتزم أستراليا بناءه على الساحل الغربي لجزيرة تسمانيا في أوائل العام المقبل، متسائلًا ما الذي يمكن أن يُخبِّئه هذا الصندوق للأجيال القادمة؟
ما هي مهمة «صندوق الأرض الأسود»؟
وفي مستهل تقريره، يُشير الكاتب إلى أن هناك هيكلًا غريبًا مخبأً في مكان ما على جزيرة تسمانيا الأسترالية النائية على وشك أن يشهد نهاية العالم ويُسجِّلها كما نعلم، والمشروع، المُسَّمى بـ«الصندوق الأسود للأرض» عبارة عن منشأة فولاذية عملاقة ستمتلئ قريبًا بمحركات الأقراص الصلبة التي تعمل بالألواح الشمسية، ويضطلع كل قرص من هذه الأقراص بمهمة توثيق المعلومات بهدف الحفاظ على مجموعة من التحديثات والتحليلات العلمية الحالية التي تتعلق بأكثر القضايا المثيرة للاكتئاب التي يواجهها العالم.
ويضيف الكاتب أن المعلومات المتعلقة بالتغير المناخي وانقراض الأنواع والتلوث البيئي والتأثيرات على الصحة سيجري تسجيلها في الهيكل الأحادي، بحيث إذا اكتشف بعض أفراد المجتمع في المستقبل يومًا ما هذا الأرشيف، فسوف يتسنى لهم تجميع المعلومات إلى جانب استخلاص ما حدث لكوكب الأرض.
ويُوضح موقع «الصندوق الأسود للأرض» على الإنترنت أنه: «إذا لم يغيِّر الناس الذين يعيشون على كوكب الأرض طريقة حياتهم تغييرًا جذريًّا، فسوف يؤدي التغيُّر المناخي وغيره من المخاطر التي يتسبب فيها الإنسان إلى انهيار حضارتنا. إن الصندوق الأسود للأرض سيُسجل كل خطوة نخطوها باتجاه هذه الكارثة، وسوف تُجمَّع باستمرار مئات من مجموعات البيانات والقياسات والتفاعلات المتعلقة بسلامة كوكبنا لتخزينها بصورة آمنة لكي تفهم الأجيال المقبلة سبب زوالنا».

المصدر: earthsblackbox.com
وبعبارة أخرى، فإن الصندوق، الذي يستدعي إلى الأذهان التصميم الوحشي القاسي لـ«قبو يوم القيامة» الشهير في النرويج، يُستخدم في الواقع لتحقيق غرض تكميليٍّ نوعًا ما، وفي حين أن «قبو سفالبارد العالمي للبذور (بنك بذور آمن يقع في جزيرة سبتسبرجن النرويجية)» عبارة عن حصن مصمم للحفاظ على النسخ الاحتياطية الحيوية من بذور العالم في حالة حدوث الأسوأ على الإطلاق، يُنظر إلى «الصندوق الأسود للأرض» على أنه تسجيل مستمر لمسار العالم نحو مأزق رهيب محتوم.
تسجيل تصرفات قادة العالم ومحاسبتهم!
وفي هذا الصدد، تحدَّث جيم كيرتس، المدير الإبداعي التنفيذي في وكالة التسويق «كليمينجر بي بي دي أو»، إلى «هيئة الإذاعة الأسترالية» قائلًا إن: «فكرة الصندوق تدور حول أنه إذا تحطم كوكب الأرض نتيجة للتغيُّر المناخي، فإن جهاز التسجيل غير القابل للتدمير هذا سيكون متاحًا لمن بقي على ظهر الأرض ليتعلم من ذلك، كما أنه موجود لمحاسبة القادة والزعماء، وللتأكد من تسجيل أفعالهم أو تقاعسهم عن أداء مهامهم».
ويلفت التقرير إلى أنه من المقرر أن يكتمل المشروع، الذي تتعاون فيه شركة الاتصالات التسويقية «كليمينجر بي بي دي أو» مع الجمعية الفنية «جلو سوسايتي»، وعدد من الباحثين في جامعة تسمانيا، في موقعه غير المعلن عنه في أوائل عام 2022، لكن أنظمة الصندوق نشطة جزئيًّا بالفعل؛ إذ إن التحديثات البيئية للتسجيل المباشر في حالة اختبار تجريبي.
ومن جانبهم، يقول صانعو الصندوق إن جزءًا من مغزى هذه العملية هو المساعدة في دفع البشرية بعيدًا عن السيناريوهات الشبيهة بيوم القيامة، ونأمل أن يشجع مجرد وجود الصندوق المجتمع في الوقت الحالي على حسن التصرف بصورة تدريجية، وبمزيد من المسؤولية فيما يتعلق بالعمل من أجل المناخ والإشراف البيئي.
كيف يُلهم الصندوق الأجيال المقبلة؟
ينقل التقرير ما قاله جوناثان كنيبون، الشريك المؤسس لجمعية «جلو سوسايتي» الفنية، لـ«هيئة الإذاعة الأسترالية»، موضحًا إنه: «عندما يعلم الناس أن أفعالهم تُسجَّل، فسيكون لذلك تأثير في ما يفعلونه ويقولونه، وإذا كان هناك أي شيء يمكننا الاضطلاع به، فإن دورنا أن يكون هناك شيء ما في خلفية تفكير أفراد الجميع».

المصدر: earthsblackbox.com
وفي الوقت الذي يُقلِّل فيه بعض الناس من شأن «الصندوق الأسود للأرض» بوصفه خطة علاقات عامة وُضِعت لجذب انتباه الناس، على عكس مشروع التوثيق العلمي الجاد، فمن المؤكد أن العالم بحاجة ماسَّة إلى مزيد من الاهتمام والعمل بشأن هذه القضايا.
وينوه التقرير إلى أنه في عالم بدأت فيه طبقات الجليد في الذوبان استجابةً لمستويات غير مسبوقة من الاحتباس الحراري، مع مُضِي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري قدمًا نحو الاتجاه الخاطئ، حيث تَنفد المياه وتنقرض الحيوانات بهذه السرعة التي يقول العلماء إننا دخلنا إلى مرحلة الانقراض الجماعي السادس لكوكبنا، وليس هذا هو الوقت المناسب لأن يشيح العالم بنظره بعيدًا.
وفي ختام تقريره، يستشهد الكاتب بما قاله صانعو «الصندوق الأسود للأرض» إن: «الغرض من الصندوق هو تقديم حساب محايد للأحداث التي أدَّت إلى زوال الكوكب، ومساءلة القادة لكي تستفيد منها الأجيال المقبلة ويلهمهم باتخاذ إجراءات عاجلة، وتظل الكيفية التي ستنتهي بها القصة متروكة بالكامل لنا نحن البشر».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».