كتب «دانييل كيليمين» أستاذ العلوم السياسية وأستاذ كرسي جان مونيه لسياسات الاتحاد الأوروبي في جامعة روتجرز الأمريكية، تحليلًا في صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، تحدث خلاله عن النجاح الذي يحققه الساسة المناهضون للديمقراطية داخل الاتحاد الأوروبي، وكيف ينمو الاتجاه نحو الاستبداد بين بعض دول القارة العجوز.
في البداية، تساءل كيليمين عن السبب الذي يدفع اتحادًا سياسيًّا يدعي الالتزام الشديد بالديمقراطية للسماح لبعض حكومات الدول الأعضاء فيه بالانزلاق نحو الاستبداد، رغم أن الاتحاد الأوروبي يعلن التزامه الكبير بالديمقراطية.
ورغم أن الاتحاد يُلزِم الدول المتقدمة بطلب الانضمام إليه بأن تكون ديمقراطية، كما أنه حصل على جائزة نوبل للسلام في عام 2012 بسبب المساعدة التي قدمها في دعم الديمقراطية داخل أوروبا. فإن الاتحاد في الأعوام الأخيرة، سمح لبعض الحكومات الأوروبية بالانزلاق نحو الاستبداد، ففي عام 2019 تحديدًا أصبحت المجر الدولة الوحيدة داخل أوروبا التي هبط تصنيفها من قبل منظمة فريدوم هاوس، التي تراقب الديمقراطية، إلى وضعية دولة «حرة جزئيًّا».
يقول كيلمين إن حكومة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان تفضل أن تصنف نفسها بأنها «ديمقراطية غير ليبرالية»، لكن كبار أساتذة السياسة يتفقون على أن المجر لم تعد ديمقراطية على الإطلاق، وباتت «نظامًا استبداديًّا تنافسيًّا» أو «ديمقراطية زائفة»، بمعنى نظام استبدادي هجين، يحتفظ بالمؤسسات الديمقراطية الرسمية، لكنه يفشل في تلبية الحد الأدنى من معايير الديمقراطية.
يستدرك كيليمين بالقول إنه ربما يكون من المثير للدهشة أن يسمح الاتحاد الأوروبي بظهور دول استبدادية، غير أن البحث في السياسة المقارنة يظهر أن بقاء الدول الاستبدادية داخل الاتحادات الديمقراطية هو أمر شائع في الواقع.
وذكر أنه في مقال سينشره قريبًا، سوف يستفيد من هذه الأدبيات لإظهار أن ثلاث آليات هي السياسات الحزبية، والأموال، والهجرة، يمكن أن تساعد القادة المستبدين على الاستمرار داخل الاتحاد الأوروبي.
فيكتور أوربان
الأحزاب الأوروبية وتمكين المستبدين
يقول كيلمين إن العامل الأول الذي يساعد المستبدين الأوروبيين هو أن أوروبا لديها نظام حزبي غير مكتمل. والاتحاد الأوروبي، شأنه شأن النقابات الفيدرالية، يمنح حوافز للأحزاب الفيدرالية للانضمام إليه لكسب أصوات داخل البرلمان الأوروبي.
ويوضح الكاتب أن الأحزاب الأوروبية هي النسخة الخاصة بالاتحاد الأوروبي من الأحزاب الفيدرالية، وهي تحالفات تتشكل من الأحزاب الوطنية في عموم أوروبا، ويكون لدى الأحزاب الأوروبية حوافز لحماية قادة الدول المستبدين الذين ينتمون لأحزابهم، ويقدمون لهم الأصوات والمقاعد.
وقبل عصر الحقوق المدنية، قام الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية بحماية الأنظمة الاستبدادية القائمة على حزب واحد في «الجنوب الصلب» (مصطلح يصف الدعم الانتخابي القوي من قبل ولايات الجنوب الأمريكي لمرشحي الحزب الديمقراطي في السابق) لأن الديمقراطيين الجنوبيين كانوا يمنحونه الأصوات. وبالطريقة ذاتها تحمي الأحزاب الأوروبية المستبدين الوطنيين المدللين، الذين يمنحونهم الأصوات على مستوى الاتحاد الأوروبي.
يقول كيليمين إنه في حال كان لدى الاتحاد الأوروبي نظام حزبي متطور بشكل كامل، فربما يعاقب الناخبون في نهاية المطاف الأحزاب الرئيسية لتحالفها مع المستبدين. لكن داخل الاتحاد الأوروبي، لا يدرك الناخبون في الواقع ما هي الأحزاب الأوروبية، وغالبًا لا يعرفون أنها موجودة.
هذا يعني أن من يمكنون المستبدين لا يدفعون ثمنًا سياسيًّا حقيقيًّا لدعمهم، ولا تعاني الأحزاب الأوروبية من أضرار بالسمات المميزة لها؛ لأنها لا تمتلك سمات مميزة معترفًا بها أصلًا.
ويضرب كيليمين مثالًا على ذلك بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والتي يُنظر إليها على نطاق واسع بأنها مدافعة رئيسية عن النظام الديمقراطي الليبرالي لأوروبا، في حين يُنظر إلى فيكتور أوربان على أنه شعبوي استبدادي، يسعى لتعطيل ذلك النظام.
ويقول كيليمين إن قلة قليلة من الناخبين تعرف أن كليهما ينتميان للحزب الأوروبي نفسه، وهو حزب الشعب الأوروبي، وأن حزب ميركل «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» لعب دورًا رئيسيًّا في حماية أوربان من العقوبات الأوروبية.
وفي المقابل، يستفيد حزب ميركل، والأحزاب الرئيسية الأخرى، داخل حزب الشعب الأوروبي، من تحالفها مع حزب أوربان، ولا تعاني هذه الأحزاب من أي أضرار مرتبطة بالسمعة تقريبًا من ارتباطها به.
أوروبا تدعم الساسة المناهضين للديمقراطية بالمال
ويشير الكاتب إلى أن الاتحاد الأوروبي يساعد أيضًا مستبديه عن طريق إعطائهم المال، ورغم إنفاق الاتحاد الأوروبي مبالغ كبيرة لتعزيز الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، فإنه يقدم مليارات اليورو للحكومات المنشغلة بتفكيك الديمقراطية.
على سبيل المثال، في آخر ميزانية للاتحاد الأوروبي كانت المجر أكثر الدول حصولًا على أموال الاتحاد، على أساس نصيب الفرد، وكانت بولندا أكبر متلقٍ للأموال بشكل عام. ويمكن للحكومات المتراجعة عن الديمقراطية أن تستخدم سيطرتها لتوزيع الدعم السخي للاتحاد الأوروبي، بشكل يعزز من أنظمتها.
وفي الوقت الذي يدور فيه الحديث عن جعل تمويل الاتحاد الأوروبي للدول الأعضاء، مشروطًا باحترامها لقواعد حكم القانون، فإن الاتحاد لم يضع شروطًا أو متطلبات جادة فيما يتعلق بتقديم الأموال. ولذلك فإن جزءًا كبيرًا من الأموال المخصصة من جانب الاتحاد الأوروبي للمجر، وجد طريقه إلى جيوب المقربين من النظام.
وهنا، يشير الكاتب إلى أنه يمكن للدول التي تستفيد من أموال الاتحاد الأوروبي، الانسحاب من التدقيق الذي يجريه مكتب المدعي العام الأوروبي الجديد، والذي ستكون وظيفته مكافحة الاحتيال داخل ميزانية الاتحاد الأوروبي. وربما لهذا السبب كانت بولندا والمجر من بين الدول الأعضاء الستة التي رفضت الانضمام للمكتب.
الهجرة توفر صمام أمان للمستبدين
ويقول كيليمين إن الهجرة تساعد المستبدين على البقاء في سدة السلطة داخل الاتحاد الأوروبي، وكلما كان من الأسهل الهجرة من نظام استبدادي، زادت احتمالية أن يختار المواطنون غير الراضين «الخروج» من بلادهم بدلاً من البقاء والتعبير عن آرائهم. وتوفر الهجرة منفذًا للخروج يسمح للمواطنين الأكثر استياءً بالابتعاد عن بلدهم مما يؤدي في النهاية إلى تآكل القاعدة المحتملة للمعارضة.
تعني حرية الحركة داخل الاتحاد الأوروبي أنه يمكن لمواطني دول الاتحاد المتراجعة عن الالتزام بالديمقراطية، الذين يعارضون أنظمتهم أو ببساطة يشعرون بالاستياء من الظروف القائمة، أن يهاجروا بسهولة إلى دول أخرى وهو ما فعله بالفعل مئات الآلاف من مواطني الاتحاد الأوروبي.
اللافت للنظر هنا هي تلك الزيادة في معدل الهجرة من المجر منذ وصول أوربان إلى سدة السلطة، إذ زادت بنسبة 186%، أي أكثر من ضعف زيادة الهجرة من أي دولة أخرى في تلك الفترة.
علاوة على ذلك، وعلى عكس الاتحادات مكتملة التطور، لا يحصل المهاجرون في الاتحاد الأوروبي على حق التصويت في الانتخابات الوطنية داخل الدول التي ينتقلون إليها، في حين أن الأنظمة الاستبدادية يمكنها أن تضيق على حقهم في التصويت بالانتخابات التي تنظم في بلدانهم، مما يؤدي إلى حرمانهم بشكل فعال من إمكانية المشاركة لتغيير تلك الأنظمة بشكل ديمقراطي.
وبدون شك، إذا حاولت حكومة إحدى الدول الأعضاء بالاتحاد إقامة ديكتاتورية قمعية مكتملة، فمن المرجح أن يتخذ الاتحاد الأوروبي إجراءات جادة في محاولة لاستعادة الديمقراطية، إلا أنه في الوقت نفسه يوفر بيئة تسمح بوجود نماذج أقل حِدة من الاستبداد داخل الدول الأعضاء. ويخلص الكاتب إلى أنه «لا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن ذلك سيتغير قريبًا، ويبدو أن هذه الظاهرة آخذة في الانتشار».
وختم الكتاب تحليله بقوله إن «التطورات الأخيرة في الدول الأعضاء، ومن بينها بولندا وبلغاريا، ورومانيا، ومالطا، تشير إلى أن الحكام المستبدين الطموحين في جميع أنحاء أوروبا ربما لاحظوا أن الاتحاد الأوروبي يتسامح مع اتجاه تراجع الديمقراطية، وهم يتصرفون وفقًا لذلك».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».
علامات
أوروبا, الاتحاد الأوروبي, الحريات, الديمقراطية, المجر, ترجمات, سياسة, فريدوم هاوس, واشنطن بوست