نشرت مجلة «فوربس» الأمريكية المتخصصة مقالًا لـ بول إيدون، كاتب عمود متخصص في الشؤون العسكرية والسياسة للشرق الأوسط، حول استخدام الطائرات المسيَّرة المسلَّحة في المنطقة، والتكلفة الكبيرة التي تتحملها بعض الدول من جراء ضرباتها والتصدي لتهديداتها رغم أنها زهيدة الثمن.
وفي مطلع مقاله، أشار الكاتب إلى أن طائرة يوروفايتر تايفون تابعة للقوات الجوية الملكية البريطانية أسقطت طائرة صغيرة مسيَّرة فوق قاعدة التنف الأمريكية في جنوب سوريا هذا الشهر. واستخدمت مقاتلة سلاح الجو الملكي صاروخ أسرام (وهو صاروخ جو-جو متقدم قصير المدى) لتدمير الطائرة الصغيرة المسيَّرة القادمة.
لم تنشر الولايات المتحدة أي دفاعات جوية في التنف كما فعلت في قواعد تابعة لها في العراق المجاور، حيث تعرضت تلك القواعد لتهديدات بالهجمات الصاروخية والطائرات المسيَّرة. ولذلك، يجب اعتراض الطائرات «المعادية» المسيَّرة التي تهدد التنف باستخدام المقاتلات. وفي الماضي، أسقطت طائرات إف-15 التابعة للقوات الجوية الأمريكية أيضًا طائرات مسيَّرة إيرانية الصنع بالقرب من القاعدة ذاتها.
ومع ذلك، وجدت البلدان في المنطقة التي لديها دفاعات جوية هائلة أنها لا تستطيع الاعتماد فقط على هذه الأنظمة لمواجهة واكتشاف الطائرات المسيَّرة التي تنتهك مجالها الجوي. وضرب الكاتب مثالًا بالحالة السعودية، مضيفًا أنه عندما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن الطلبية السعودية الأخيرة للحصول على 280 صاروخ جو-جو طويل المدى من طراز إيه آي إم-120 أمرام ومن صناعة شركة رايثيون، أشارت إلى أن الصواريخ «كانت مفيدة في اعتراض الهجمات المستمرة للطائرات المسيَّرة التي عرَّضت القوات الأمريكية للخطر وهدَّدت أكثر من 70 ألف مواطن أمريكي في السعودية».
إف-15 تطارد الطائرات المسيَّرة
في الواقع، استُخدِمت طائرات إف-15 السعودية المسلَّحة بصواريخ أمرام لاعتراض طائرات مسيَّرة تابعة للحوثيين منطلقة من اليمن، حسبما يُظهِر هذا الفيديو الدراماتيكي غير المؤرخ الذي أُصدِر في وقت سابق من هذا العام. وحقيقة أن استخدام صواريخ أمرام أو صواريخ أرض – جو مثل باتريوت، التي تتكلف عدة ملايين من الدولارات، لصد الطائرات المسيَّرة البدائية نسبيًّا والتي تتكلف على الأكثر عشرات الآلاف في تصنيعها ونشرها لا يُعد فعالًا من حيث التكلفة، وهو أمرٌ جرت الإشارة إليه مرارًا وتكرارًا خلال السنوات الأخيرة.
وفي 14 سبتمبر (أيلول) 2019، اخترق سرب من الطائرات المسيَّرة التي كانت تحلِّق على ارتفاع منخفض ومحمَّلة بمتفجرات وصواريخ كروز المجالَ الجوي السعودي وضربت منشآت بقيق وخريص النفطية بدقة بالغة. واستغرق الهجوم، الذي يُعتقد أن إيران قامت بتنفيذه، 17 دقيقة فقط وكلَّف أقل من مليوني دولار.
وأظهر المهاجمون للسعودية إلى أي حد تُعد بنيتها التحتية المهمة عرضة للخطر على الرغم من امتلاكها دفاعات جوية ذات تكنولوجيا عالية.
باتريوت لا يعترض الطائرات المسيَّرة
قال آرام نركيزيان، المدير المشارك لبرنامج العلاقات المدنية العسكرية في الدول العربية في مركز كارنيجي للشرق الأوسط، لموقع «ديفنس نيوز» في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019: «أنظمة باك-2 وباك-3 (صاروخ باتريوت) لم تتمركز في السعودية لاعتراض صواريخ كروز المنخفضة الارتفاع أو التي تعانق الأرض (للتخفِّي من الرادارات) أو الطائرات المسيَّرة الصغيرة المقطع العرضي والمنخفضة الارتفاع (المركبات الجوية غير المأهولة مثل الدرون) – سواء مسلَّحة أو غير ذلك».
أضاف المقال أن قوة الضربة كانت أيضًا قادرة على استخدام انحناءات التضاريس لإخفاء تحركاتها. وقال ديف دي روش من جامعة الدفاع الوطني بواشنطن لرويترز بعد وقت قصير من الهجوم: «معظم رادارات الدفاع الجوي التقليدية مصممة للتهديدات التي تحلق على ارتفاعات عالية مثل الصواريخ».
وأضاف: «تحلق صواريخ كروز والطائرات المسيَّرة بالقرب من الأرض، ولذا لا يمكن رؤيتها بسبب انحناءات الأرض. والطائرات المسيَّرة صغيرة جدًّا وليس لها بصمة حرارية لدى معظم الرادارات». وقد تكون الطائرات المقاتلة التي تقوم بدوريات جوية قتالية على ارتفاع منخفض هي الطريقة الوحيدة للكشف بطريقة مناسبة عن مثل هذه التهديدات ومواجهتها، غير أن الاستمرار في استخدام هذه الدوريات أمر متعذر.
وأظهرت لقطات من حرب إسرائيل على قطاع غزة في مايو (آيار) 2021 طائرة إسرائيلية من طراز إف-16 تتعقب طائرة مسيَّرة وتسقطها. وكانت المقاتلة تحلق على ارتفاع منخفض جدًّا لدرجة أنه كان من الممكن سماع تحذير قُمْرة القيادة مرارًا وتكرارًا يقول «الارتفاع، الارتفاع». يضيف المقال أنه حتى إسرائيل، التي تمتلك على الأرجح الدفاع الجوي المتعدد الطبقات الأكثر تقدمًا في العالم، لا يمكنها على ما يبدو الاعتماد كليًّا على أنظمة أرضية لاكتشاف الطائرات المسيَّرة المعادية والدفاع عن نفسها ضدها.
ينتقل الكاتب للحديث عن إيران، حيث ظهر مقطع فيديو غير مؤرخ، في أكتوبر (تشرين الأول)، لتمرين تدريبي يُظهر طائرة إيرانية من طراز ميج-29 إيه فلكروم وطائرة إف-5 تايجر 2 تحلقان على ارتفاع منخفض خلال تمرين تدريبي بالذخيرة الحية. وأطلقت الطائرة إف-5 هدفًا، وأطلقت الطائرة ميج-29 على الفور أحد صواريخها جو-جو الذي يعمل بالبحث عن الحرارة من طراز «فيمبل آر-73»، والذي دمَّر هذا الهدف على الفور.
إيران والتصدي لهجمات الطائرات المسيرة
ما الهدف من التمرين بالضبط؟ يقول الكاتب إن الأمر لا يزال غير واضح. ولكن ربما كانت القوات الجوية الإيرانية تتدرب على مواجهة الطائرات المسيَّرة التي تحلِّق على ارتفاع منخفض. وعلى أي حال، لا شك أن إيران لا تريد الوقوع ضحية لهجوم من النوع الذي وقع ضد السعودية في سبتمبر 2019.
دخلت إيران وأذربيجان في مواجهة متوترة في أكتوبر، حيث طالبت طهران باكو بقطع علاقاتها الدفاعية الوثيقة مع إسرائيل. ورد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بالتقاط صور له مع طائرة هاروب المسيرة إسرائيلية الصنع، التي تعرف باسم «الدرون الانتحارية»، في تحذير غير واضح لطهران. ويوضح الكاتب أن هذه الطائرات هاروب التي استخدمتها أذربيجان لعبت دورًا أساسيًّا في انتصار باكو على الجيش الأرمني خلال حرب ناغورنو قره باغ العام الماضي، حيث نجحت في تدمير عديد من أنظمة الدفاع الجوي الروسية الصنع الأكثر تقدمًا لدى يريفان (العاصمة الأرمنية).
ومن المحتمل أن تكون إحدى هذه الحالات الطارئة التي تدرَّبت عليها القوات الجوية الإيرانية هي مواجهة مثل هذه الطائرات المسيَّرة في حالة نشوب حرب مع جارتها الشمالية (أذربيجان) أو مع أيٍّ من الأعداد المتزايدة من الجهات الممثلة أو غير الممثلة للدول التي تمتلك طائرات مسيَّرة معقدة وقاتلة على نحو متزايد.
وفي ضوء هذا الانتشار، يتوقع الكاتب رؤية عديد من الأمثلة على استخدام الطائرات المقاتلة لمواجهة هذه المركبات الجوية غير المأهولة (الدرونز) في سماء الشرق الأوسط في المستقبل القريب.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».