للأسف «تعلَّمنا ألا نفكر في مشاعرنا بعمق».

تمر بمصاعب، يقول لك البعض ابتسم تبتسم لك الحياة. ربما تشعر بالضيق، وتتساءل: «كيف لي أن أجبر نفسي على التبسم وسط كل ما أمر به؟» وربما تستسلم لما يقولون فترسم على وجهك ابتسامة تُعَمِّق جرحك الداخلي، في حين تظهر للجميع كم أنت قوي تتعامل مع مشاكلك بذكاء، وكم أنت سعيد. توقف! لم تعد مضطرًا بعد الآن للتمثيل أو الادعاء. عليك أن تفهم مشاعرك وتواجه الطرق الملتوية التي اعتدنا التحايل بها على مشاعرنا.

في حوار معها، تقول «سوزان ديفيد» (الأستاذة بكلية الطب والعالمة النفسية بجامعة هارفارد):

«أفكارنا هي المسؤولة عن صحتنا وسعادتنا وواقعنا، وهو ما يضع الناس تحت وطأة الشعور بالذنب عندما يحدث شيء سيء».

أجرت «نِدا سيمناني» من صحيفة «واشنطن بوست» حوارًا مع «سوزان» لدى صدور كتابها مؤخرًا بعنوان «الذكاء العاطفي: ابتعد عن الفشل وتقبل التغيير وازدهر في عملك وحياتك»، فتقول إن جميع البشر  يمرون أحيانًا بأوقات يملؤهم الحزن، أو يفعمون بالسعادة، أو ينتفضون من الغضب، وقد تعلم معظمنا منذ نعومة أظافرنا كيف نتعامل مع هذه المشاعر من خلال المشاركة والاحتفاء بالجيد منها، والكتمان والأسف لتلك المشاعر السلبية، بينما في كلتا الحالتين، «تعلمنا ألا نفكر في مشاعرنا بعمق».

تؤكد «سوزان» أنه عندما نفصل بين مشاعرنا وخبراتنا الداخلية، يؤدي التدفق المستمر للأفكار والمشاعر والأحداث الشخصية إلى تشكيل شخصياتنا الداخلية، والتي قد تصبح أفضل معلم لنا.

وتضيف قائلة: «تستطيع عواطفنا أن تكشف لنا أهم قيمنا، مثل المرونة والرزانة والفضول والشجاعة والشفقة والتعاطف، ومن ثم العمل على تلك القيم كي نطور من أنفسنا».

تقدم لك «سوزان» من خلال تطبيقات البحوث الاجتماعية، طريقة مكونة من أربعة أجزاء كي تصبح أكثر ذكاءً عاطفيًّا في المنزل والعمل، وسيعرض أيضًا تقرير «واشنطن بوست» ملخصًا لتلك الطريقة في نهاية المقابلة، ولكن في البداية نعرض أهم ما دار في الحوار:

***

 

«نِدا سيمناني»: ينتقد الكتاب -على الأقل في أحد مستوياته- هاجس السعادة في ثقافتنا، وتوجه التفكير الإيجابي الذي يتبناه الكثير من الناس، مثل «روندا بيرن» في كتابها «السر»، ما المشكلة في أن يكون الناس إيجابيين ويحاولون الحصول على السعادة؟

«سوزان ديفيد»: ترتكز الكثير من حواراتنا الثقافية على التجاهل وغض الطرف، كأن يقول الناس مثلًا «تصرف بإيجابية وكل شيء سيكون على ما يرام»، كانت إحدى صديقاتي تطلق على هذا السلوك «الإيجابية المستبدة»، ماتت صديقتي مؤخرًا بسبب السرطان، ولكن ما كانت تقصده حقًّا، هو التخفيف من حدة الاعتقاد في مسألة التفكير الإيجابي، بينما ما يزال جميع أصدقائها في مجموعة دعم المصابين بسرطان الثدي على قيد الحياة حتى اليوم.

نحن نبالغ كثيرًا في قوة أفكارنا، من خلال إرسال رسالة مفادها، أن أفكارنا هي المسؤولة عن صحتنا وسعادتنا وواقعنا، وهو ما يضع الناس تحت وطأة الشعور بالذنب عندما يحدث شيء سيئ، إذ يشعرهم ذلك أنهم لم يكونوا إيجابيين بما فيه الكفاية.

الحقيقة المؤكدة في الحياة، أنها لن تسير بشكل جيد طوال الوقت، فأنت تتمتع بالصحة الجيدة حتى تمرض، وتسعد برفقة من تحب حتى تنتهي هذه الرفقة، وتستمتع بوظيفتك حتى تتركها، وسنواجه المواقف التي نشعر فيها بالغضب والحزن والبؤس، وما إلى ذلك، فإن لم نتمكن من التعامل والخوض والتأقلم مع كافة المشاعر التي تختلج أنفسنا، لن نتعلم كيف نكون مرنين.

يجب أن نكتسب مهارات التعامل مع تلك المشاعر، وإلا سنصطدم بها دون استعداد، وأعتقد أن التركيز الثقافي الشديد على السعادة والتفكير الإيجابي، يجعلنا حقًّا أقل مرونة.

النقطة الثانية، وهي تمثل أهمية كبيرة بالنسبة لي، إن المشاعر كالحزن والشعور بالذنب والبؤس والغضب، هي بمثابة المنارة التي ترشدنا إلى قيمنا، فنحن لا نغضب من أجل أشياء لا نبالي بها، ولا نشعر بالحزن أو بالذنب تجاه أشياء لا نبالي بها، فإذا نحَينا هذه المشاعر جانبًا، فقد اخترنا ألا نعرف المزيد عن أنفسنا، واخترنا أن نتجاهل قيمنا، وكل ما يمثل أهمية لنا.

النقطة الأخيرة، مهما حاولنا حث أنفسنا على التفكير الإيجابي، وتنحية المشاعر السلبية أو القاسية جانبًا، لن ننجح في ذلك، إذ لا تسير الأمور على هذا المنوال.

«فإذا نحَينا المشاعر السلبية، فقد اخترنا ألا نعرف المزيد عن أنفسنا، واخترنا أن نتجاهل قيمنا وكل ما يمثل أهمية لنا».

***

«نِدا سيمناني»: سأل «ليويد دوبلر» من خلال نافذة «قل شيئًا»، ما مقدار صعوبة اتخاذ قرار أن أكون في مزاج جيد، والحفاظ على هذا المزاج الجيد لبعض الوقت؟ هل يمكننا أن نرغم أنفسنا ألا نكون إيجابيين؟

 

«سوزان ديفيد»: تظهر الأبحاث أننا إذا نحينا الخواطر والمشاعر جانبًا، فإنها ستعود إلينا ولكن بحجم أكبر، فعلى سبيل المثال، ثمة دراسة تبين ما الذي يحدث عندما يحاول شخص ما الإقلاع عن التدخين، ويسعى لعدم التفكير في السجائر، فتبدأ تراوده الأحلام عن السجائر.

تعرف هذه الظاهرة في علم النفس باسم «التسرب»، وتعني أنه عندما تحاول عدم التفكير في شيء ما، يرتد إليك هذا الشيء ولكن بحجم أكبر، وبالتالي فكرة تنحية مشاعرنا جانبًا بأي طريقة لكي نكون سعداء، ليس لها أي معنى.

هناك أدلة تشير إلى أن الناس الذين يقدرون السعادة، والذين يركزون جهدهم كي يكونوا سعداء، والذين يعتبرون السعادة في حد ذاتها هدفًا لأنفسهم، يصبحون في الحقيقة أقل سعادة مع مرور الوقت.

لقد وجدنا أن السعادة ما هي إلا نتيجة غير مباشرة للأشياء التي تمثل قيمة جوهرية لنا، أو بعبارة أخرى، أنك سوف تشعر بالسعادة عندما تقوم بفعل شيء تحبه، أما أن تجعل السعادة في حد ذاتها هدفًا لك، فلن تستطيع العثور عليها.

***

«نِدا سيمناني»: ذكرتِ مصطلح «الذكاء العاطفي»، هل هو بديل لنموذج التفكير الإيجابي؟

«سوزان ديفيد»: تتولد لدينا يوميًّا آلاف وآلاف وآلاف من الأفكار الداخلية والمشاعر والقصص والتجارب، يدعم الذكاء العاطفي قدرتنا على التعامل مع عالمنا الداخلي بجرأة وفضول ورأفة، بينما التفكير الإيجابي والتجاهل، يعطي لأفكارنا دورًا مبالغًا فيه بشكل كبير، على عكس الذكاء العاطفي، والذي هو في الأصل مهارة لبناء قدراتنا في كيفية مواجهة مشاعرنا، ومعرفتها وفهمها، ومن ثم اتخاذ الخطوات اللازمة حيالها بتروٍ.

الذكاء العاطفي هو القدرة على إدراك الشعور بالضغط، والقدرة على الخروج من هذا الضغط، ثم اتخاذ القرار حول كيفية التعامل بطريقة منسجمة مع القيم الشخصية، ومتناغمة مع الأهداف الذاتية.

***

«نِدا سيمناني»: أرسيتِ أربعة محاور رئيسية للذكاء العاطفي، هل يمكن أن تطلعينا على هذه المحاور؟

«سوزان ديفيد»:

1- الإظهار

المحور الأول للذكاء العاطفي هو إظهار مشاعرك، أو مواجهة مشاعرك، ويعتبر هذا المحور هو الأهم للتمتع بصحة جيدة، وعلى الإنسان أن يدرك أن الحياة هشة ومتغيرة كما أنها جميلة سواءً بسواء.

لسنا بحاجة إلى أن تهيمن علينا عاطفة واحدة أو صراع مع مشاعرنا، فنحن كبار ، لكن بما لا يكفي لاحتواء كافة مشاعرنا، «الإظهار» يعني أن تتخلى عن أي صراع داخلي يتعلق بمشاعرك، صحيحة كانت أم خاطئة، أو طريقة شعورك، واجبة أم غير واجبة.

2- الابتعاد

المرحلة التالية تدعى «الابتعاد» ويقع تحتها التدريب العقلي. «الابتعاد» هو عندما نختبر مجموعة من الأفكار أو المشاعر، فنخلق مساحةً بين أنفسنا وتلك المشاعر، فهذا الجزء من أنفسنا هو وحده الحكيم بدرجة كافية ليدرك أننا عندما نختبر تلك المشاعر أو الأفكار، فهي ليست بالضرورة صحيحة، ويدرك أنك ليس عليك أن تتصرف بناء عليها؛ فذلك باختصار أمر تشعر به فقط.

3- اكتشف طريقك

يتمثل المحور الثالث  في أن تستكشف طريقك. الآن وقد عرفت كيف تشعر وخلقت المسافة الفاصلة بين الشعور والفعل، أسأل نفسك ماذا عليك أن تفعل في تلك المساحة التي خلقتها؟ قبل فعل أي شيء عليك أن تدرك جيدًا أسبابك ودوافعك، أو أن تدرك «قيمك». فتلك الخطوة تتمحور حول تعرفك على معتقداتك وسلوكياتك التي تشكل أهمية لك، ومن ثم يمكنك التحرك في مرحلة الفعل.

4- امضِ للأمام

أما المرحلة الأخيرة فهي المضي للأمام. في الحقيقة تتمحور تلك المرحلة حول تهذيب ورعاية عادات فعَّالة متوافقة ومتناغمة مع قيمك، فتخلق «أهدافًا تريدها أنت»، فالأهداف التي تريدها أنت، هي عبارة عن تغيرات تنبع من دافع داخلي ومن قيمك أنت، وهي تقع على النقيض من الأهداف التي «يتحتم عليك فعلها»، إذ إن تلك الأخيرة تُفرض عليك وليست نابعة من داخلك. على سبيل المثال، عندما تشعر أنك يجب عليك فقدان بعض الوزن لأن طبيبك يأمرك بذلك، فأنت تشعر أنك مجبر على ذلك، أو ربما تشعر أنه يجب عليك ذلك لأنك تشعر بالخزي من زيادة وزنك المفرطة.

أظهرت الأبحاث أن شعورك بأنك يجب عليك فقدان الوزن يجعلك ترى محرمات خسارة الوزن، كقطع الكيك مثلًا، بطريقة مختلفة أكثر إغراءً، إذ تتملك منك الرغبة في أكلها.

أما في حالة الأهداف النابعة من دوافع داخلية برغبتك أنت فهي ترتبط بعمق بالأشياء المهمة لك. تريد أن تخسر الوزن لأن دافعًا داخلك يريد أن تتمتع بصحة جيدة. ما توصلت له الأبحاث حتى الآن يؤكد أن الأهداف النابعة من دوافع داخلية ستجعل من رغباتك الجسدية والإغراءات الجسدية أقل حدة. فمن الضروري أن ترتبط دوافعنا بالدوافع الداخلية المنطلقة من قيمنا، وذلك حتى نصل لتغيير حقيقي في حياتنا.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد