نشرت وكالة رويترز تحليلًا أعده جون ستونستريت حول سعي الشركات المحلية الروسية لانتهاز فرصة خروج شركات التكنولوجيا الأجنبية من روسيا بعد غزو الأخيرة لأوكرانيا.
تقول الوكالة الأمريكية في مطلع تحليلها إن شركات التكنولوجيا المحلية الروسية، بقيادة كيانات يسيطر عليها أو يرتبط بها عملاق الغاز المملوك للدولة «غازبروم»، تنتهز فرصة الهجرة الجماعية لشركات الإنترنت الأجنبية أو القيود المفروضة على وصولها داخل روسيا، مستشعرةً الفرص السانحة في العزلة الرقمية المتزايدة لروسيا.
وفرضت روسيا قيودًا على الوصول إلى «تويتر»، ومنصات ميتا الرئيسة: «فيسبوك»، و«إنستجرام» منذ إرسال الآلاف من القوات إلى أوكرانيا في 24 فبراير (شباط)، مع تصاعد الخلاف الذي طال أمده في البلاد مع شركات التكنولوجيا العملاقة إلى معركة للسيطرة على تدفق المعلومات.
فرصة سانحة
وقالت الوكالة إن النزوح الرقمي الذي أثارته العقوبات الغربية والإجراءات الصارمة التي تفرضها الجهات التنظيمية على وسائل الإعلام الروسية فتحَ الباب أمام اللاعبين المحليين، وفي طليعتهم شبكة «ڤي كيه (VK (VKCOQ.L»، التي تدير موقع التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية في البلاد «فكونتاكتي»، لبذل جهود مضنية للاستفادة من الوضع الحالي. ونشرت يوم الخميس دليلًا تفصيليًّا للشركات التي تتطلع إلى ترك المنصات الأخرى.
وقالت شركة «فكونتاكتي»، التي عُدَّت لسنوات وكأنها النسخة الروسية من «فيسبوك»، إن لديها أكثر من 50 مليون مستخدم نشط يوميًّا في المتوسط، وأن الشركة تصل إلى 80% من جمهور روسيا الشهري عبر الإنترنت؛ ما يجعل الـ7.5 مليون مستخدم لدى «فيسبوك» في روسيا يبدو عددًا ضئيلًا حتى العام الماضي، وفقًا لتقديرات مؤسسة «إنسايدر إنتيليجانس» البحثية.
وقالت فكونتاكتي إن أكثر من 585 ألف من أصحاب الأعمال الجدد أنشأوا مجموعات (Groups) خاصة بهم على المنصة في مارس (آذار)، من صالونات تصفيف الشعر إلى محلات الملابس. وسجلت فكونتاكتي أرقامًا قياسية جديدة لنشاط المستخدمين منذ أن بدأت روسيا ما تسميه «عملية خاصة» لتجريد جارتها أوكرانيا من السلاح، مع قفزة بنسبة 11% في حجم المحتوى على منصتها اعتبارًا من 24 فبراير إلى 24 مارس، وفقًا لـ«براند أنالتيكس».
وقالت المؤسسة المختصة في رصد مواقع التواصل الاجتماعي وتحليلها إن حجم المحتوى باللغة الروسية المنشور على «تويتر»، و«فيسبوك»، و«إنستجرام»، انخفض بنسبة 5% و16% و30% على الترتيب في تلك الفترة.
وأسهمت فكونتاكتي، التي تجني الأموال من خلال الإعلانات والعمولات من مطوري التطبيقات ومدفوعات المستخدمين مقابل الاشتراكات والمدفوعات لمرة واحدة، بما يزيد قليلًا عن خُمْس عائدات الشركة البالغة 125.8 مليار روبل (1.5 مليار دولار) العام الماضي. وتشمل خطوط الأعمال الأخرى لشبكة ڤي كيه مزود البريد الإلكتروني «ميل.رو (mail.ru)»، ووحدة الألعاب «ماي. جيمز (MY.Games)»، وأصول تكنولوجيا التعليم.
ونقلت الوكالة عن أنتون جوريلكين، عضو لجنة مجلس الدوما الروسية للمعلومات والاتصالات، ما صرح به لوكالة سبوتنيك الإعلامية في أواخر مارس قائلًا: «إن السوق المحلي للخدمات التفاعلية لديه الآن فرصة كبيرة لإظهار إمكاناته لجمهوره»، مضيفًا أن «المستخدمين الروس ليس لديهم بديل فحسب، بل لديهم خيار آخر».
تأثير غازبروم
وأوضحت الوكالة أنه على الرغم من عدم وجود سياسة مباشرة للاستعاضة عن وسائل التواصل الاجتماعي الأجنبية، فقد وعدت الحكومة بإعفاءات ضريبية على الدخل وقروض تفضيلية لشركات تكنولوجيا المعلومات وحتى إمكانية تأجيل الموظفين لخدمتهم العسكرية. ويشجِّع السياسيون أيضًا المستخدمين على التحول إلى مزودي الخدمة المحليين.
وقد تلعب الحكومة أيضًا دورًا غير مباشر في مستقبل التكنولوجيا في البلاد من خلال سلسلة معقدة من الاستثمارات التي تشمل شركة غازبروم وقسم الإعلام التابع لها. وشهدت عملية تعديل المساهمين والإدارة في أواخر العام الماضي حصول شركة غازبروم ميديا على جزء معتبر من حقوق التصويت لشركة «ڤي كيه» في ديسمبر (كانون الأول)، الأمر الذي أضاف إلى إمبراطورية إعلامية مزدهرة تسيطر عليها شركة الطاقة الحكومية العملاقة.
وتلفت الوكالة إلى أن استثماراتها قد تؤتي أُكلها قريبًا بعد التعثر، مشيرةً إلى أن تداول أسهم «ڤي كيه» المدرجة في بورصة لندن عُلِّقت في أوائل مارس بعد أن هبطت إلى الصفر تقريبًا مع تخلي المستثمرين الغربيين عن الأصول الروسية. وعند استئناف التداول في إيصالات الإيداع الخاصة بـ«ڤي كيه» في موسكو يوم الأربعاء بعد أكثر من شهر من التعليق، قفزت بنسبة 72% في جلسة واحدة من أدنى مستوياتها القياسية، والتي ربطها المحللون بانخفاض المنافسة الأجنبية.
وفي أواخر عام 2020 استحوذت شركة غازبروم ميديا على «روتيوب (RuTube)»، وهي منصة لاستضافة الفيديو تشبه إلى حد كبير موقع يوتيوب المملوك لشركة «ألفابت» (جوجل)، والتي قفزت أعداد مستخدميها الأسبوعي 5.5 مرة في أوائل مارس، حسبما نقلت وكالة تاس عن الشركة.
وقد ترتفع هذه الأرقام إلى أعلى من ذلك، إذ يتعرض موقع «يوتيوب» لضغوط من «روسكومنادزور»، منظم الاتصالات الحكومية في روسيا، وقد يعاني قريبًا من المصير ذاته الذي تجرَّعه «فيسبوك»، و«إنستجرام»، و«تويتر». وعلى الرغم من تقييد الوصول إلى هذه المواقع، فإنه يزال من الممكن الوصول إليها في بعض الأحيان باستخدام «الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)»، والتي ارتفع الطلب عليها ارتفاعًا كبيرًا في روسيا، فيما يظل موقع «يوتيوب» متاحًا مجانًا.
ولكن النقاد يقولون إن الطريق طويل أمام موقع روتيوب لمنافسة «يوتيوب». ويقول ألكسندر مويسيف، نائب الرئيس التنفيذي لشركة «غازبروم ميديا» في فبراير إن عدد المستخدمين الشهريين لموقع «روتيوب» بلغ 17.7 مليون في نهاية ديسمبر. وذلك مقارنةً بـ89.5 مليون على موقع «يوتيوب» في روسيا في يناير (كانون الثاني) 2022، وفقًا لـ«ميدياسكوب».
وقال سركيس داربينيان، رئيس القسم القانوني في مجموعة الحقوق الرقمية «روسكومسفوبودا» لوكالة «رويترز» إنه في حين أن أداء موقع الفيديو «روتيوب» يبدو جيدًا، إلا أنه يفتقر إلى التوصيات الخوارزمية التي جعلت «يوتيوب» شائعًا للغاية. وقال داربينيان: «لا تتطابق هذه الخدمة مع جودة الخدمات وسرعتها، وخاصة الخدمة الأمريكية، التي اعتاد المستخدمون عليها».
وقالت فكونتاكتي إن جميع منتجاتها خضعت لـ«اختبار صارم» قبل الإصدار، وأنها أطلقت 230 تحديثًا للمنتج لتحسين تجربة المستخدم في العام الماضي. ولم ترد «روتيوب» على طلب «رويترز» للتعليق.
وجوه جديدة
وأضافت الوكالة أن بدائل محلية أخرى للخدمات الخارجية الشعبية أُطلِقت في الأونة الأخيرة. وكشفت شركة «غازبروم ميديا» النقاب عن منصة «يابي (Yappy)» في نوفمبر (تشرين الثاني)، وهي منافِسة لمنصة مشاركة الفيديو «تيك توك»، والتي علَّقت البث المباشر وتحميلات الفيديو الجديدة في روسيا.
ومنذ إطلاقها ثبَّت حوالي 3.2 مليون مستخدم في روسيا تطبيق «يابي»، مقارنةً بأكثر من 10 ملايين مستخدم لتيك توك، وفقًا لتقديرات حتى 27 مارس من مؤسسة «سينسور تاور» المختصة بتعقب البيانات وتحليلها. وكان من المقرر إطلاق موقع «روسجرام»، وهو تقليد لموقع «إنستجرام» في الاسم، والتصميم، والألوان، هذا الأسبوع، لكن مؤسسيه نجحوا فقط في نشر فيديو لنموذج أولي بعد ساعات من وقت الإطلاق المحدد. وقال مطورون مختلفون إنهم يطلقون «بديلًا حزينًا بالأبيض والأسود» لمنصة مشاركة الصور الأمريكية، باسم «جروستنوجرام» Grustnogram، أو «Sadgram سادجرام» بالإنجليزية. وكما يصمم الآخرون بديلًا لمتجر «جوجل بلاي».
ونوَّهت الوكالة إلى أن خدمة أخرى روَّج لها جوريلكين وشخصيات حكومية أخرى في الأسابيع الأخيرة هي تطبيق المراسلة «تليجرام»، الذي يبدو أنه يتعافى من ماضيه المتقلب مع الدولة الروسية، التي حاولت حظره في عام 2018 دون جدوى. وكان بافيل دوروف مؤسس «تليجرام» هو أيضًا العقل المدبر وراء إنشاء شبكة «فكونتاكتي»، لكنه فرَّ من روسيا في عام 2014 بعد سيطرة حلفاء الكرملين على المنصة.
تقول «تليجرام» إن أكثر من 500 مليون مستخدم عالمي للتطبيق ينتجون أكثر من 500 مليار مشاهدة في قنوات فردية أو متعددة كل شهر. ويُسمح للرسائل الدعائية للمحتوى ذي الصلة في القنوات العامة. وتحظى المنصة بشعبية كبيرة بالفعل في روسيا، وسيستفيد التطبيق من أي نزوح للمستخدمين من تطبيق «واتساب». وقد استخدمه حوالي 67 مليون شخص في روسيا العام الماضي، وفقًا لتقديرات «إنسايدر إنتيليجانس»، ولم يزل «واتساب» متاحًا في الوقت الحالي، بحسب ما تختم الوكالة.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».