من المرجح أن يستمر مشروع الغرب لـ(مكافحة الإرهاب) في جميع أنحاء منطقة الساحل الأفريقي، على الرغم من رحيل القوات الفرنسية، هذا ما خلص إليه تقرير نشره موقع «ريسبونسيبل ستيت كرافت» وأعده أليكس ثيرستن.

أوضح الكاتب أنه في خطوة وصفها بـ«المتوقعة»، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انسحاب قواته من مالي التي مزقتها الصراعات، وأن  هذا الانسحاب سيمثل بالتأكيد نهاية مريرة لانتشار عسكري دام 9 سنوات، ويشير إلى فشل مشروع فرنسا الشامل لمكافحة التمرد في المنطقة؛ لكن بحسب وصف الكاتب، لا نتوقع رحيلًا كاملاً، على الأقل حتى الآن.

ويضيف التقرير أن التدخل الفرنسي في مالي بدأ يوصفه مهمةً سريعةً (عملية سيرفال) لإسقاط ما وصفه الكاتب بأنه «دولة جهادية بدائية»، لكنه تعثر بعد ذلك بوصفه مهمة مفتوحة لمكافحة «الإرهاب» في مواجهة تمرد لا نهاية له، في غضون ذلك، ترنحت السياسة في مالي من سيئ إلى أسوأ، وأطيح برئيس مدني وصفه التقرير بـ«الفاشل» في انقلاب أغسطس (آب) 2020، على يد مجموعة من الضباط الذين يبدون الآن مترددين للغاية في ترك السلطة، ويأتي انسحاب فرنسا، الذي أعلنه ماكرون في مؤتمر صحفي بعد اجتماع مع قادة قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، وسط توترات دبلوماسية واضحة بين باماكو وباريس، تُوجت بطرد السفير الفرنسي في يناير (كانون الثاني).

يؤكد الكاتب أن الصحافة الفرنسية تعج الآن بتحليلات لأخطاء البعثة الفرنسية في مالي، ويؤكد المحللون على عوامل مثل المستويات المنخفضة للقوات المنتشرة، وعدم وجود هدف عسكري نهائي، وعدم الاتفاق على الأولويات بين باريس وباماكو، وتزايد انعدام الثقة بين مواطني الساحل فيما يتعلق بالعمليات الفرنسية، وكتب أحد المحللين الفرنسيين البارزين والمهتم بتاريخ الانتشار الفرنسي في أفريقيا ما بعد الاستعمار، قائلا: «يمكن للجيش الفرنسي أن يلعب دور رجل الإطفاء وليس الشرطة»، بعبارةٍ أخرى، يمكن أن تؤدي الإجراءات الفرنسية السريعة إلى قلب التوازن في الحرب الأهلية لصالح المنتصر المفضل لفرنسا، ولكن من المرجح أن تتعثر حملات مكافحة التمرد الممتدة.

فرنسا  ومالي: دروس من التاريخ

يشير ثيرستن إلى أن هذه النتيجة تبدو مألوفة لكل من تابع مغامرات أمريكا «الفاسدة» في أفغانستان والعراق، علاوةً على ذلك، هناك لعبة جارية الآن لإلقاء اللوم تشبه النقاشات حول الإخفاقات الأمريكية في هاتين الحربين، غالبًا ما تلقي مثل هذه المناقشات المسؤولية الأساسية على الدولة المضيفة؛ إما على جيشها الضعيف أو قادتها المدنيين الفاسدين أو كليهما. لكن أسباب الإخفاقات العسكرية-السياسية الفرنسية (والأمريكية) هيكلية، لسببين على الأقل؛ أولهما: هو أنه غالبًا ما ينظر المواطنون المحليون إلى عمليات الانتشار المفتوحة على أنها احتلال أجنبي غير مرحب به، مما يقوض الأهداف السياسية للقوات الأجنبية.

Embed from Getty Images

قوات فرنسية في مالي 2013

ويضيف الكاتب: ثاني أسباب الإخفاق العسكري-السياسي لفرنسا هو أن حملات مكافحة «الإرهاب» المكثفة التي تستهدف كبار القادة لا تكفي لمعالجة العوامل التي تدفع الشباب للانخراط في «التنظيمات الجهادية»، تشمل هذه العوامل أزمة الرعي في المنطقة، والغضب الناجم عن انتهاكات قوات الأمن ضد «الجهاديين»، والرغبة في نظام اقتصادي جديد في المناطق التي طالما هيمنت عليها القلة من النخبة المحلية.

ويرى الكاتب أن دور فرنسا العسكري ومكافحة الإرهاب في منطقة الساحل لم ينته بعد، وإن التغطية الصحفية تُضخم الانسحاب الفرنسي – أي ربما تبالغ في تضخيم الانسحاب – ففي يونيو (حزيران)، بعد إعلان ماكرون النهاية الوشيكة لعملية برخان (العملية الفرنسية التي تهدف لمقاومة التمرد في مالي)، كانت وسائل الإعلام الفرنسية غالبا ما تشير إلى «الانتصار أو لا شيء» كل ذلك بينما كانت فرنسا تبني مجموعة من القوات الخاصة لعموم أوروبا تسمى فرقة تاكوبا باعتبارها بديلا لبرخان؛ الآن بعد ابتعاد كل من عمليتي برخان وتاكوبا بعيدًا عن مالي، تشير عناوين الأخبار أحيانًا إلى أن مشروع الساحل الفرنسي على وشك الانتهاء؛ ولكن النتيجة الأرجح هي أن فرنسا ستحول تمركز قواتها إلى جيران مالي، بوركينا فاسو والنيجر.

ويضيف الكاتب: ركزت عملية برخان على الساحل منذ إطلاقها في عام 2014، وقد تستمر الضربات «المضادة للإرهاب» على الأراضي المالية، بما في ذلك درجة من المشاركة الأمريكية التي يصعب قياسها في بعض الأحيان (يبدو أن هناك عمليات انتشار أكبر مما اعترف به البنتاجون سابقًا).

الجهات الفاعلة المحلية (المجلس العسكري الحالي في باماكو على وجه التحديد، والجيش المالي والنخبة المدنية على نطاق أوسع) هم جزء من إخفاقات عملية برخان في مالي، بحسب الكاتب، وفي الواقع، يبدو أن فرنسا تبتعد عن مالي بعد قليل من الدروس التي تلقتها، وقد تكون القيادة الحالية لمالي حادة مع فرنسا، ويمكن القول إن مشاكل مالي أخطر من تلك التي يعاني منها جيرانها (معزولة دبلوماسيًّا نسبيًّا، وتستضيف مرتزقة روس، وتقع تحت عقوبات اقتصادية إقليمية ساحقة)، لكن بوركينا فاسو والنيجر أيضًا في حالة سيئة للغاية.

الجبهات الأخرى ليست أفضل حالًا

ويضرب الكاتب مثلًا ببوركينا فاسو، ويعدها مقياسًا واحدًا، إذ تضم أكثر من 1.5 مليون شخص – ما يقرب من 7% من السكان – من المشردين حاليًا؛ يشير الانقلاب الأخير في بوركينا فاسو أيضًا إلى أن مزيج التجاوزات الرئاسية وانعدام الأمن والفساد المستشري والاستياء الشعبي والمشاعر المعادية للفرنسيين التي أدت إلى انقلاب مالي في عام 2020، ليست جديدة على الإطلاق في هذا البلد. في مواجهة أزمة على مستوى المنطقة، تحتاج فرنسا إلى أفكار جديدة، وليس مجرد قواعد جديدة.

Embed from Getty Images

ماكرون ينعي ضحايا التواجد الفرنسي في مالي

ما سيحدث بعد ذلك في مالي سيكون مفتوحًا لتفسيرات جميع الأطراف كما يحلو لهم، يمكن الآن إلقاء اللوم على أي تدهور في أمن مالي على رحيل القوات الفرنسية؛ ومع ذلك يمكن إلقاء اللوم أيضًا على المسار الأمني السيئ بالفعل في البلاد حتى قبل الانسحاب الفرنسي.

في غضون ذلك، مع مغادرة القوات الفرنسية، لا تزال السلطات المالية تواجه قيودًا شديدة على ما يمكنها فعله وتغييره، في ظل العقوبات ومواجهة ضغوط دبلوماسية مكثفة، ستتعرض سلطات مالي لضغوط شديدة لمعالجة مجموعة مذهلة من التحديات التي تواجهها الآن، التي تتراوح من مجرد دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية إلى التحدي السياسي المتمثل في تغيير مسار الانتقال إلى الحكم المدني، إلى المفاوضات المحتملة مع «الجهاديين».

قد يتدهور الوضع في مالي الآن بشكل كبير، لكن هذا في حد ذاته لا يثبت أن الوجود الفرنسي المفتوح كان جيدًا أو ضروريًا؛ في نهاية المطاف، لو نجحت إستراتيجية فرنسا، لما تدهورت الأمور بشكل سيئ لدرجة أن باريس اضطرت إلى ترك مالي دون أي إنجازات سوى قائمة الجهاديين القتلى.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد