إسرائيل تعلن الانتهاء من بناء جدار عازل تحت الأرض وحاجز بحري يحيط بقطاع غزة المحاصر. ولم تستخدم أي وسيلة إعلامية مصطلح «معسكر اعتقال» لوصف ما يحدث، ولكن عليهم أن يفعلوا ذلك.

نشرت مدونة «موندوايس»، المهتمة بنشر الأخبار والتحليلات حول فلسطين وإسرائيل والولايات المتحدة، مقالًا لحيدر عيد، الأستاذ المشارك في أدب ما بعد الاستعمار وما بعد الحداثة في جامعة الأقصى في غزة، تحدث فيه عن الإجراءات الإسرائيلية الجديدة التي انتهت منها مؤخرًا، والتي أضافت قيدًا إضافيًّا حول قطاع غزة المحاصر.

يقول الكاتب في مستهل تقريره إن قاموس مريام ويبستر الإنجليزي يُعرِّف كلمة معسكر الاعتقال (concentration camp) بأنه: «مكان يُحتجز فيه أعداد كبيرة من الناس مثل أسرى الحرب، أو السجناء السياسيين، أو اللاجئين، أو أعضاء أقلية عِرقية أو دينية، تحت حراسة مسلحة، ويُستخدم هذا المصطلح خصيصًا للإشارة إلى المعسكرات التي أنشأها النازيون في الحرب العالمية الثانية لاعتقال اليهود وغيرهم من السجناء واضطهادهم». ومعسكر الموت أو (death camp) يُعرَّف على أنه: «معسكر اعتقال يُقتل فيه أعداد كبيرة من السجناء قتلًا ممنهجًا».

غزة حيث الموت والاعتقال

يلفت الكاتب إلى أن قطاع غزة المُحتل والمُحاصر على يد نظام الفصل العنصري الإسرائيلي تحوَّل إلى كلا المعسكرين، والفرق الوحيد هو أنه أكبر من كل معسكرات الاعتقال والموت المعروفة التي أنشأتها الأنظمة الغربية المتعصبة في القرن العشرين، إن قرار إسرائيل بإعادة نشر قواتها البرية حول الشريط الساحلي المكتظ بالسكان عام 2005، ثم فرض حصار غير مسبوق منذ العصور الوسطى عام 2006 دمَّر جميع مناحي الحياة في القطاع، ولم تكتفِ إسرائيل بذلك بل نفَّذت أربع هجمات ضخمة أسفرت عن مقتل أكثر من 4 آلاف مدني، بينهم نساء وأطفال، وكل هذا لا يبدو أنه كافٍ من وجهة نظر النخب الصهيونية الحاكمة في هذه الدولة المارقة، على حد تعبير الكاتب.

Embed from Getty Images

بل أعلنت إسرائيل قبل أيام اكتمال بناء جدار تحت الأرض حول قطاع غزة مزوَّد بأجهزة استشعار يضم مئات الكاميرات والرادارات وأجهزة الاستشعار الأخرى، ويمتد لمسافة 65 كيلومترًا، وأفادت الأنباء بأن ارتفاع الجدار يصل إلى ستة أمتار، وحاجزه البحري يحتوي على أجهزة إلكترونية لكشف التسلل عن طريق البحر، ويحتوي أيضًا على نظام أسلحة يتم التحكم فيه عن بُعد، ولم تكشف الوزارة (الإسرائيلية) عن عمق السور تحت الأرض. ولكن بناءه استغرق ثلاث سنوات ونصف.

لا أسئلة ولا تعليقات

يشير الكاتب إلى أنه ليس هناك وسيلة إعلام واحدة استخدمت مصطلح «معسكر الاعتقال» أو حتى الفصل العنصري في إشارتها إلى الحصار المستمر على قطاع غزة، وأصبحت اللغة التي يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي هي المرجع في وصف الأحداث، دون مساءلة، ولا يُسمح لأي صوت فلسطيني أو غزاوي أن يقول كلمة واحدة عن أثر هذا «المشروع» في حياتهم.

وما نقرأه هو التصريح الذي أدلى به مجرم الحرب الإسرائيلي، وزير الدفاع، بيني جانتس، بحسب الكاتب: «الحاجز مشروع مبتكر ومتقدم تقنيًّا، ومن شأنه أن يَحْرِم حماس من إحدى القدرات التي حاولت تطويرها». وأن هذا الحاجز «يضع جدارًا حديديًّا وأجهزة استشعار وخرسانة تفصل بين المنظمة الإرهابية وسكان جنوب إسرائيل»، ولم يطرح أحد أي أسئلة عن كل ذلك!

Embed from Getty Images

ويتساءل الكاتب مستنكرًا: هل يجب أن يُسجن جميع سكان غزة البالغ عددهم مليوني شخص داخل معسكر الاعتقال هذا لأنهم جميعًا «من أنصار حماس؟»، أهذا يعطي الحق لإسرائيل بأن تنشئ «جدارًا صغيرًا» لتطويقهم؟ أليس هذا شكلًا من أشكال «العقاب الجماعي»، لأنهم «لم يولدوا لأمهات يهوديات»، فليس لهم «الحق» أن يعاملوا بوصفهم بشرًا كاملي الأهلية؟

إن أصحاب البشرة البيضاء أو الذين ولدوا لعائلات يهودية يمكنهم وحدهم التمتع بهذا الحق، ويبدو نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والفصل العنصري الذي أشاعته قوانين جيم كرو في جنوب الولايات المتحدة نزهةً إذا ما قُورِنا بما يحدث في قطاع غزة.

الحصار وحده لا يكفي

يواصل الكاتب متحدثًا عن سكان غزة المحاصرة الذين يبلغ عددهم مليوني نسمة، وغالبيتهم العظمى من اللاجئين الذين شرَّدتهم القوات الصهيونية من منازلهم بالقوة عام 1948، تعرَّضوا عام 2009 لأربعة أسابيع من إرهاب الدولة الإسرائيلية القاسي، وأسبوعين عام 2012، و51 يومًا عام 2014، و11 يومًا في مايو (أيَّار) عام 2021، وفي عملية ممنهجة، استهدفت الطائرات الإسرائيلية حينها المناطق المدنية، ودمَّرت أحياءً بأكملها وحوَّلت البنية التحتية الحيوية إلى حطام، ودُمِّر عديد من المدارس، التي تديرها منظمة الأونروا التابعة للأمم المتحدة، حيث كان يحتمي المدنيون من هجمات الطائرات.

الاحتلال الإسرائيلي

منذ سنة واحدة
تدمير الأبراج.. كيف ارتكبت إسرائيل «جرائم حرب» في غزة؟

يقول الكاتب إن ذلك جاء بعد سنوات من الحصار الإسرائيلي المستمر والمميت القادم من العصور الوسطى لقطاع غزة، الذي هو شكل عنيف من أشكال العقاب الجماعي، ولكن لماذا «هم» ليسوا راضين عما نقدِّمه لهم «نحن» المدعومون من الدول الغربية المتواطئة والأنظمة العربية «الصديقة»؟ ويذكر الكاتب قائلًا: ناهيكم عن اتفاقية جنيف الرابعة التي وقَّعت عليها إسرائيل، التي تحظر العقاب الجماعي للمدنيين. 

لم يسبق أن حُرِم شعب من المتطلبات الأساسية للبقاء على قيد الحياة بسياسة متعمدة للاستعمار والاحتلال والفصل العنصري، ولكن هذا ما تفعله إسرائيل في سكان غزة اليوم؛ إذ يعيش مليونا شخص دون إمدادات مؤمَّنة من المياه والغذاء والكهرباء والأدوية، ونصفهم تقريبًا من الأطفال دون سن الخامسة عشرة.

أكبر سجن على وجه الأرض

ويشدد الكاتب قائلًا: علينا الآن أن نتقبل حقيقة أننا سجناء حرفيًّا في أكبر معسكر اعتقال على وجه الأرض دون أي حقوق على الإطلاق، ولم يكن الرئيس السابق جيمي كارتر مبالِغًا عندما زار قطاع غزة عام 2009 وقال: «يُعامل الفلسطينيون في قطاع غزة على أنهم حيوانات أكثر من كونهم بشرًا، ولم يحدث في التاريخ أن مُزِّق مجتمع كبير بالقنابل والصواريخ ثم مُنِع من الوسائل التي تُعينه على إعادة إعمار نفسه».

Embed from Getty Images

ولكن للأسف، لم يعد كارتر رئيسًا للولايات المتحدة، التي هي الحليف الإستراتيجي لنظام الفصل العنصري في إسرائيل، وطالما أن الهيئات والقادة الرسميين اختاروا الصمت وعدم فعل أي شيء على الإطلاق، فستواصل إسرائيل قتل مزيد من الفلسطينيين، وبناء جدران أكثر ارتفاعًا، وتشديد الحصار أكثر وأكثر، ثم تدَّعي أن كل هذا يتم «دفاعًا عن النفس».

ويختم الكاتب بالقول: وعلى الرغم من كل ذلك، نُتَّهم بأننا «معادون للسامية» ومبالغون لأننا نسمي غزة «معسكر اعتقال».

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد