في ليلة 15 مايو (أيار)، استهدفت سلسلة من الغارات الجوية حي الرمال وسط مدينة غزة، راح ضحيتها ما لا يقل عن 44 مدنيًّا، فيما أبيدت العديد من العائلات تقريبًا.
أعد جو دويك، رئيس فريق التحقيق في منظمة «إير وورز» البريطانية لمراقبة الأضرار المدنية، وسانجانا فارجيس، كاتبة وصحافية، تحليلًا نشرته مجلة «نيو لاينز» الأمريكية المهتمة بشؤون الشرق الأوسط. تناول التحليل طبيعة الحروب الجوية الإسرائيلية على كل من غزة وسوريا، ونسب استهداف المدنيين في هذه الغارات، وكيف تختار إسرائيل أهدافها خلال هذه الحروب.
أشار التحليل في مستهله إلى إن الجيش الإسرائيلي شن في 12 يناير (كانون الثاني) 2021 أكثر الضربات كثافة حتى الآن في سوريا. وعلى مدى عدة ساعات تعرض ما يقرب من 20 موقعًا للجماعات المسلحة المرتبطة بإيران للقصف على مساحة شاسعة في منطقة دير الزور بالقرب من الحدود العراقية. وبحسب ما ورد قُتل ما لا يقل عن 57 مسلحًا. ولم ترد أنباء عن أية إصابة في صفوف المدنيين. وبعد أربعة أشهر استهدف الجيش الإسرائيلي موقعًا مختلفًا تمامًا.
في ليلة 15 مايو (آيار) استهدفت سلسلة من الغارات الجوية حي الرمال وسط مدينة غزة. وبحسب ما ورد قُتل ما لا يقل عن 44 مدنيًّا، فيما أبيدت العديد من العائلات تقريبًا بعد الاحتماء في ملجأ في الحي كان يُعتقد سابقًا أنه آمن. وينقل التقرير احتمالية مقتل بعض مقاتلي حماس في أنفاق تحت الأرض، وهو الهدف المعلن لهجمات الجيش الإسرائيلي، رغم أن هذا لم يزل غير واضح.
لم تكن أعداد القتلى في تلك الليالي حالة خاصة – يؤكد الكاتبان – فهي تشكل جزءًا من اتجاه واضح. إذ شن الجيش الإسرائيلي حملتين جويتين في السنوات الأخيرة: الأولى حملة استمرت سنوات لمنع الجيش الإيراني وحلفائه من الترسخ في سوريا، والثانية حرب قصيرة، لكنها ضارية مع حماس وجماعات مسلحة أخرى في غزة في مايو، حيث كان المدنيون أكثر المتضررين.
توصل بحث جديد أجرته منظمة «إير وورز» إلى أن عدد المدنيين الذين قُتلوا في 11 يومًا جراء القصف الإسرائيلي على غزة يزيد بمقدار 10 أضعاف عن أعداد الضحايا الذين قتلوا خلال الحملة الإسرائيلية التي استمرت ثماني سنوات في سوريا، إذ تسببت عدة مئات من الضربات الإسرائيلية السرية منذ عام 2013 في مقتل حوالي 40 مدنيًّا سوريًّا. وتشير الأرقام التقريبية إلى مقتل المئات – وربما الآلاف – من العسكريين الإيرانيين والسوريين، ومسلحي دول أخرى في هذه الضربات. يبدو أن الخسائر المدنية من الحملة الإسرائيلية أقل بكثير من تلك الناتجة عن القوى الأجنبية الأخرى المنخرطة في سوريا – بما في ذلك روسيا، وتركيا، والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
أما في غزة فتختلف نسبة قتلى المدنيين إلى المقاتلين بحسب التحليل، وفي الفترة ما بين 10 و21 مايو قُتل ما يتراوح بين 151 إلى 192 مدنيًّا على الأرجح جراء الغارات الجوية الإسرائيلية، وفقًا لمراجعة شاملة لتقارير المجتمع المحلي من قبل «إير وورز»، وبينما لم يقدر هذا البحث عدد الضحايا من النشطاء، فقدرت منظمة «بتسيلم» الحقوقية الإسرائيلية العدد بـ90 قتيلًا.
عادة ما يُنظر إلى الإجراءات الإسرائيلية في غزة وسوريا بشكل منفصل، مع وجود مقارنات نادرة بينهما، لكن كيف انتهى الأمر بالجيش الذي يدير مثل هذه الحملة الدقيقة في أحد المسارح إلى قتل هذا العدد الكبير من المدنيين في غضون أيام قليلة بمكان آخر؟ يشير الباحثان إلى ثلاثة أسباب رئيسة لهذه التناقضات.
إسرائيل تُصدِّر شرعنة قتل المدنيين لأمريكا!
الأول هو نوع الأهداف التي اختارها الجيش الإسرائيلي في الحالتين، يحمل نظام الاستهداف الإسرائيلي العديد من أوجه التشابه مع نظام الاستهداف الخاص بالولايات المتحدة. في الواقع كان المحامون العسكريون الإسرائيليون رواد المبررات القانونية للاغتيالات المستهدفة التي أصبحت فيما بعد السمة المميزة للحرب على الإرهاب بحسب التحليل.
ينقل التحليل عن دانييل ريزنر، رئيس قسم القانون الدولي في الجيش الإسرائيلي حينها، قوله إنه حتى عام 2000، كانت إسرائيل ترى المعارضة الفلسطينية من الناحية القانونية مسألة تتعلق بإنفاذ القانون، لكن في أعقاب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ابتكر الجيش الإسرائيلي فعليًا نموذجًا هجينًا لتطبيق قوانين النزاع المسلح – الذي يُطبق فقط بين الدول المتحاربة – على الضفة الغربية وقطاع غزة.
قال كريج جونز المحاضر في جامعة نيوكاسل ومؤلف كتاب حديث عن المحامين العسكريين الإسرائيليين والأمريكيين، إنه من خلال توسيع مفهوم «المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية»، ابتكرت إسرائيل فئة جديدة من الأهداف المحتملة بين المدنيين والمقاتلين؛ مما سمح لتبرير حملة واسعة النطاق من الاغتيالات المستهدفة. وأضاف جونز: «بشكل أساسي، بمجرد أن ينخرط الفلسطيني في القتال فإنه وفقًا للمعايير الإسرائيلية الفضفاضة، لا يمكنه إلقاء السلاح، بل يظل مستهدفًا حتى عندما يستريح في المنزل».
وأشار ريزنر إلى أن المسؤولين الأمريكيين انتقدوا هذه السياسة في البداية، ولكن بعد 11 سبتمبر بدأوا في طلب المشورة. وقال إن التبريرات الرسمية الأمريكية اللاحقة لغارات المسيَّرات تضمنت نصوصًا نُسخت بشكل شبه مباشر عن تلك السياسة الإسرائيلية. يشير التحليل إلى سماح هذا التبرير القانوني بمزيد من الحرية في استهداف المقاتلين الفلسطينيين في منازلهم، وفي حين أن الضرر المحتمل للمدنيين لم يزل بحاجة إلى النظر فيه، واتخاذ الاحتياطات، فقد وافق النظام الإسرائيلي على أن ضرب مقاتل في المنزل له ما يبرره.
عندما بدأ الصراع في غزة في 10 مايو كان للجيش الإسرائيلي عشرات الأهداف التي تمت الموافقة عليها مسبقًا؛ مما يعني أنها كانت قد خضعت بالفعل لمراجعة قانونية وعسكرية. وفي هذا الصدد ينقل التحليل عن ليرون ليبمان، الرئيس السابق لقسم القانون الدولي في الجيش الإسرائيلي قوله: «كان الجيش الإسرائيلي سيخرج من الأدراج خططه التي أعدت مسبقًا ومراجعتها بشكل قانوني، ولكن كل خطة هي مجرد أساس لأمر. ومن أجل تنفيذه لم تزل هناك حاجة إلى تقييم المعلومات مرة أخرى».
ويرجح التحليل أن العديد من تلك الأهداف التي تمت الموافقة عليها مسبقًا كانت منازل لمن وصفهم التحليل بـ«المتشددين». وأضاف أن «إير وورز» تتبعت 17 حادثًا استُهدِف فيها المسلحين بشكل صريح في المباني السكنية فيما قتل أو جرح مدنيون، ووقعت معظم هذه الاعتداءات في الأيام الأربعة الأولى من الصراع؛ مما يشير إلى أنهم كانوا ضمن بنك أهداف تمت الموافقة عليه مسبقًا.
في تلك الحوادث الـ17 وجدت تقارير محلية أنه بينما قتل ما بين تسعة إلى 11 مسلحًا، لكن أيضًا قتل ما بين 27 إلى 33 مدنيًا، فيما أصيب أكثر من 100 آخرين. ففي حادثة واحدة في 13 مايو قُتل أربعة مدنيين، وأصيب 15 آخرون، من بينهم سبعة أطفال. وكان الهدف منزلًا من ثلاثة طوابق في حي الجنية، حيث تعيش أربع عائلات. وتعرفت كتائب القسام على أحد القتلى، وهو رائد إبراهيم الرنتيسي باعتباره أحد مقاتليها. يضيف التحليل أن الغارة الإسرائيلية استهدفت المنزل بينما كانت الأسرة قد اجتمعت على عشاء العيد.
هجمات إسرائيل في سوريا أكثر دقة
أما في سوريا فإن مثل هذه الحوادث نادرة، وإن لم يسمع بها من قبل – مثل مقتل مسؤول فلسطيني وعائلته في غارة بوسط دمشق في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، لكن بشكل عام – بحسب التحليل – يبدو أن الضربات في سوريا تستهدف أهداف عسكرية حصرية كمستودعات أسلحة قريبة من الحدود البرية. ويرجح التحليل أن بعض الأضرار التي لحقت بالمدنيين، والتي كانت مصاحبة للضربات الإسرائيلية، ناتجة عن صواريخ تابعة لجيش النظام السوري التي أخطأت أهدافها، وأصابت منازل المدنيين.
كما ساهمت ممارسات الجيش الإسرائيلي في قصف المنازل في غزة في ارتفاع نسبة الضحايا من الأطفال، حيث ورد أن أكثر من ثلث المدنيين الذين قتلوا هناك هم من الأطفال، أما في سوريا فتبلغ النسبة حوالي 10%. وبالمثل ففي 70% من المرات التي تقتل فيها القوات الإسرائيلية مدنيًّا في سوريا تصيب مسلحًا، في حين بلغت هذه النسبة في غزة في حدود 30% فقط، وفي هذا الصدد ينقل التقرير عن يهودا شاؤول، من منظمة «كسر جدار الصمت» الإسرائيلية المكونة من عسكريين سابقين في الجيش الإسرائيلي قوله: «في سوريا نقصف أهدافًا عسكرية، بينما في غزة نقصف مناطق مدنية، لذلك ينتهي بنا الأمر بقصف العائلات».
إسرائيل تتعمد إلحاق الأذى بالمدنيين في غزة
العامل الرئيس الثاني الذي يساعد في تفسير هذه النتائج المتباينة، بحسب التحليل، هو الكثافة السكانية. تعد غزة من بين أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان في العالم؛ مما يزيد بشكل كبير من احتمال وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وإلحاق أضرار بالبنية التحتية المدنية مقابل كل غارة يجري تنفيذها.
وضع الكاتبان خرائط لكل حادث أُبلغ عنه، وتسبب في ضحايا من المدنيين في غزة، بالإضافة إلى خرائط لكل موقع قصف سجلته الأمم المتحدة، مع تسجيل الكثافة السكانية، ومنها استنتج التحليل أنه حتى داخل غزة كانت حوادث الضحايا المدنيين تقع حول مناطق ذات كثافة سكانية عالية نسبيًا، مثل مدينة غزة في الشمال.
ينقل التحليل عن يامن المدهون، مدير العمل الميداني في منظمة «الميزان» الحقوقية الفلسطينية ومقرها غزة قوله: «على عكس الحروب السابقة، بدأ الجيش الإسرائيلي قصفه في مايو بضرب مناطق مكتظة بالسكان ومبانٍ شاهقة. وعادة ما يفر الناس من المناطق المحيطة حيث تتمركز القوات الإسرائيلية، ويذهبون إلى المدارس، ومنازل الأقارب في المدن للاحتماء بها، ولكن إذا كانت المناطق المدنية هي الهدف الأساسي، فأين يمكن أن يذهب الناس؟».
قد تكون الكثافة السكانية قد وفرت لبعض الضحايا إحساسًا زائفًا بالأمان. ففي 12 مايو، دمرت غارات جوية على حي تل الهوى، كانت تستهدف على ما يبدو الجناح العسكري لحركة حماس، مبنيين سكنيين، راحت ضحيتها ريما سعد، الحامل في شهرها الرابع، مع طفليها وزوجها، فيما قالت والدة ريما لموقع «ميدل إيست آي»: إن الأسرة قررت البقاء في شقتها لأنها تعتقد أن الحي المكتظ بالسكان سيكون محصنًا من الضربات.
من جانبه قال سمير زقوت، نائب مدير الميزان: إن المدنيين ليس لديهم أدنى فكرة عن أفضل السبل للبقاء بأمان، مضيفًا: «انتشر الخوف والذعر والارتباك بين السكان، ولم تكن هناك سيارات أجرة أو وسائل نقل، لذلك كان الناس يحملون ممتلكاتهم، وأحيانًا أفرادًا آخرين من العائلة أثناء فرارهم سيرًا على الأقدام».
ينقل التحليل زعم الجيش الإسرائيلي المتكرر بإنشاء حماس لبنية تحتية عسكرية في أحياء مدنية في مدينة غزة، مشيرًا إلى شبكات الأنفاق المزعومة على أنها انتهاكات لقوانين الحرب. كما يجادل المسؤولون الإسرائيليون بأن آلاف الصواريخ التي أطلقتها حماس والجهاد الإسلامي من غزة جاءت من أحياء مكتظة بالسكان. لكن النقاد يشيرون إلى أن ضرب هذه الأحياء يؤدي إلى إلحاق الأذى بالمدنيين. ينقل التحليل عن عمر شاكر، موظف لدى «هيومن رايتس ووتش»، قوله: «لقد تجاهلت السلطات الإسرائيلية تمامًا حياة المدنيين، فهم لديهم تعريف فضفاض لمفهوم الهدف العسكري، وقد قصفوا باستمرار الأحياء المكتظة بالسكان دون النظر في التداعيات».
فيما قال زقوت: «يجب اتباع القواعد والمبادئ الواردة في القانون الإنساني الدولي العرفي لحماية المدنيين. تمكن التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية رفيعة المستوى قواتها من القيام بذلك – ضمان (قانونية) الهدف قبل الهجوم. وإذا كانت الظروف غير واضحة، فعلى الجيش الإسرائيلي أن يفترض أن الأشخاص والأهداف مدنية».
وينتقل التحليل إلى سوريا، حيث يتضح هذا الاتجاه نحو قتل المدنيين، فبينما يُقدَّر حجم الضرر الذي يلحق بالمدنيين من ضربات الجيش الإسرائيلي بأنه أقل بكثير مما هو عليه في غزة، إلا أنه لم يزل في مجمله يصيب المناطق المكتظة بالسكان، ولا سيما العاصمة دمشق؛ حيث وقعت حوالي 45% من الأضرار المدنية المقدرة. وفي ريف دير الزور، نفذت إسرائيل ضربات مكثفة لأكثر من خمس سنوات؛ مما أسفر عن مقتل مئات المسلحين والعسكريين الإيرانيين والسوريين، دون أي بلاغ من مصدر محلي موثوق به عن إلحاق أضرار بالمدنيين.
ولكن على النقيض من ذلك – يستدرك التحليل – تسبب كل من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والقوات الروسية في كثير من الأحيان في وقوع أعداد ضخمة من الضحايا المدنيين خلال حملاتهم في سوريا – مدفوعة في المقام الأول بضربات واسعة النطاق على المراكز الحضرية.
وبحسب التحليل، تتناغم هذه المخاوف مع الدعوات الواسعة النطاق لفرض قيود على استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان. وهي حملة مدعومة من الأمم المتحدة تضم الآن أكثر من 120 دولة تقودها أيرلندا – لصياغة بيان سياسي يمكن أن يساعد في الحد من استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق الحضرية – على الرغم من عدم وجود قوى عسكرية كبرى حتى الآن تدعم هذه الحملة بالكامل.
لا بأس من قتل بعض المدنيين!
هناك عامل آخر محتمل يساعد في تفسير سبب اختلاف نتائج الهجمات الجوية الإسرائيلية بالنسبة للمدنيين اختلافًا جذريًا، كما أن ثمة أمرًا يصعب إثباته وهو: امتلاك الجيش الإسرائيلي «قواعد اشتباك (RoE)» مختلفة، وأكثر اتساعًا للضربات في غزة مقارنة بسوريا. وتحكم قواعد الاشتباك هذه عندما يُسمح للجيوش باستخدام القوة. وفي حالة احتمال أن تؤدي الضربة إلى قتل المدنيين تحدد أعداد الضحايا التي تعد مقبولة.
يكشف الكاتبان أنه لا توجد قواعد متفق عليها دوليًا بشأن عدد المدنيين الذين يمكن أن يُقتلوا في غارة ما، فالقانون الدولي يتطلب فقط أن يكون ذلك متناسبًا مع المكتسبات العسكرية الناتجة. ويشير التحليل إلى أنه في وقت ما خلال فترة رئاسة باراك أوباما، سُمح للجنرالات الأمريكيين في العراق بتنفيذ ضربات توقعوا أنها قد تقتل ما يصل إلى 10 مدنيين، في حين جرى تحديد الرقم نفسه في أفغانستان بمدني واحد فقط نظرًا للحساسيات السياسية لإلحاق الأذى بالمدنيين.
وينقل التحليل ما تناقلته مصادر متعددة إن الجيش الإسرائيلي لا يحدد داخليًا الأعداد المقبولة بشكل صريح تمامًا، فلم تفرج الدولة عن قوانينها الخاصة بسوريا أو غزة، ومن غير المرجح أن تفعل ذلك.
كشفت دراسة حديثة أن ضباط الجيش الإسرائيلي بشكل عام كانوا أكثر تحفظًا في وجهة نظرهم بشأن المستويات المقبولة من الأذى المدني في المناقشات حول هذه النسب مقارنة بنظرائهم الأمريكيين. ووجدت الدراسة، التي أجرتها جامعات في إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أنه في حالة افتراضية لاستهداف مقر «العدو»، كان متوسط عدد القتلى المدنيين الذي كان الضباط الأمريكيون على استعداد لتحمله من أجل تحقيق مكاسب عسكرية 175 ضحية مدنية، بينما كان الإسرائيليون على استعداد لقبول 30 ضحية فقط.
يحب الجيش الإسرائيلي أيضًا تسليط الضوء على سياسته المتمثلة في تحذير المدنيين في غزة قبل بعض الغارات الجوية، وهي ممارسة لم تتبنها الجهات العسكرية الأخرى على نطاق واسع. ومع ذلك فهذا هو الاستثناء وليس القاعدة، ففي 136 حادثة ألحقت الأذى بالمدنيين، وتعقبها باحثو «إير وورز»، ورد أن الغالبية العظمى من الأهداف لم تتلق أي تحذيرات.
وفقًا لمنظمة «كسر جدار الصمت»، عندما يكون هناك تهديد وشيك ضد الإسرائيليين، فإن الجيش الإسرائيلي مستعد لشن ضربات تهدد أرواح المدنيين، وفي هذا الصدد ينقل التحليل قول شاؤول: «عندما يكون هناك أدنى تهديد لحياة الإسرائيليين، فإن القلق على المدنيين الفلسطينيين لا قيمة له».
لم يجادل ريزنر في أن الحسابات كانت مختلفة في غزة، إذ قال: «إذا رأيت عدوًا على وشك إطلاق صاروخ على مدينة إسرائيلية، فإن فكرة التناسب ستختلف عما إذا رأيت نفس الشخص في المنزل وأنت تعلم أنه يخطط لشن هجوم في غضون ثلاثة أيام، حينها يمكنني قتل المزيد من المدنيين بشكل شرعي، إنها فكرة مروعة، لكنها الحقيقة».
كما شكلت حماس والجهاد الإسلامي تهديدًا وشيكًا أكثر بكثير من الجماعات الإيرانية في سوريا، وفي هذا الصدد ينقل التحليل عن عاموس جيورا، الأستاذ في كلية إس جيه كويني للقانون بجامعة يوتا ومحامي عسكري إسرائيلي كبير سابق، قوله: «مع الإيرانيين يمكنك أن تنتظر الوقت المناسب».
قد تلعب السياسة أيضًا دورًا في ذلك بحسب التحليل. قال جيورا إن احتمال حدوث تداعيات سياسية من ضربة في سوريا قد يشجع أيضًا على توخي الحذر. وفي المقابل لطالما سيطرت إسرائيل بحكم الأمر الواقع على الأراضي الفلسطينية، لكن التدخل المفتوح في سوريا قد يأتي برد فعل عنيف في الوقت الذي أبرمت فيه إسرائيل صفقات تطبيع تاريخية مع دول عربية بما في ذلك الإمارات. واختتم التقرير بقول جيورا: «إن سقوط عدد غير مقبول من القتلى المدنيين يفتح الباب أمام رد فعل سلبي. ربما من منظور جيوسياسي، فإن الحذر الإضافي ضروري في سوريا».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».