أثار التصعيد المتبادل بين مصر وألمانيا بشأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر والتهديد بتجميد الصفقة العسكرية التي اتفقت عليها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع مصر قبل مغادرتها للسلطة عدة تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين البلدين فيما تتولى السلطة في ألمانيا حكومة جديدة.
كتب خالد حسن، صحافي مصري متخصص في صحافة التحقيقات، تقريرًا نشره موقع «المونيتور» حول صفقة تصدير أسلحة لمصر أقرتها المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل قبل يوم واحد من مغادرتها السلطة وموقف الحكومة الألمانية الجديدة من الصفقة في ضوء السجل الحالي لمصر في مجال حقوق الإنسان.
ويستهل الكاتب التقرير بقوله: في تصريحات لـ«وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ)»، علَّقت وزيرة شؤون الدولة في وزارة الخارجية الألمانية كاتيا كيول يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) على موافقة المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل على صفقة تصدير أسلحة مع مصر قبل يوم واحد من رحيلها. وقالت كاتيا: «إنه أمر لا يمكن تخيله من وجهة نظري أن الحكومة الجديدة كانت ستوافق على هذه الصفقة»، وقالت إن اتفاق الائتلاف الحاكم الجديد يتضمن فقرة واضحة حول مسألة تصدير الأسلحة، و«ما حدث يظهر أنه يتعين علينا تنفيذ هذه الفقرة على الفور مع تمهيد الطريق لقانون خاص بتصدير السلاح».
وكانت وزارة الخارجية الألمانية قد وجَّهت انتقادات حادة لأوضاع حقوق الإنسان بمصر في 18 ديسمبر الماضي. وأصدرت بيانًا جاء بموجبه أن النطق بالحكم الذي سيصدر يوم 20 ديسمبر بحق الناشط علاء عبد الفتاح، ومحاميه محمد الباقر، والمدون محمد إبراهيم، سيكون مؤشرًا من وجهة نظر الحكومة الفيدرالية على الاتجاه الذي تسير فيه أوضاع حقوق الإنسان في البلاد. وطالبت مصر بالإفراج عنهم جميعًا، وقالت إنه لا ينبغي معاقبة المحامين بسبب مزاولتهم لأنشطتهم المهنية.
مصر تنصح ألمانيا بالاهتمام بشؤونها الداخلية
وأدَّى ذلك إلى إصدار وزارة الخارجية المصرية بيانًا آخر في 18 ديسمبر، قالت فيه «إنها تعُدُّ هذا الأسلوب تدخلًا سافرًا وغير مبرر في الشأن الداخلي المصري، ويُصادِر على مسار قضائي دون دليل أو سند موضوعي». ودعت الحكومة الألمانية إلى «الالتفات لتحدياتها الداخلية بدلًا عن فرض وصايتها على غيرها».
وفي حكم نهائي غير قابل للاستئناف بتاريخ 20 ديسمبر حكمت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ على عبد الفتاح بالسجن خمس سنوات، وإبراهيم وباقر بالسجن أربع سنوات لكل منهما؛ بتهم نشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والانضمام إلى جماعة «إرهابية» (الإخوان المسلمين) بهدف الإخلال بأحكام الدستور والقانون المصري.
ويشير الكاتب إلى أن مصر لم تكتفِ بخطوة إصدار بيان رسمي تدين فيها ألمانيا وتهاجمها، بل ذهبت الدولة إلى أبعد من ذلك باستخدام الإعلاميين المقربين من السلطة لإدانة المجلس القومي لحقوق الإنسان. وقال الصحافي الموالي للنظام أحمد موسى في برنامجه «على مسئوليتي» الذي يبث على قناة «صدى البلد» يوم 18 ديسمبر، «من أعطى ألمانيا حق التدخل في الشؤون المصرية وعمل القضاء؟ ما علاقة ألمانيا بالمتهمين في قضية «الإرهاب»؟ تحاول وزارة الخارجية الألمانية أن تعطينا دروسًا، ونحن دولة لا تأخذ دروسًا من أحد».
هجوم إعلام السلطة على ألمانيا
وأضاف التقرير: وفي اليوم نفسه قال المذيع المصري نشأت الديهي خلال برنامجه «بالورقة والقلم» الذي يبث على قناة «تن»: «نحن أمام حلقة جديدة من الحماقة في التعامل مع القضايا التي لا علاقة لها بألمانيا، وهذا (تدخل سافر، وعدوان وقح)، وإن هذا تدخل غير مقبول، وتعدٍّ على السيادة المصرية». وقال الإعلامي عمرو أديب يوم 18 ديسمبر خلال برنامجه «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي» مصر: إن «أسلوب وزارة الخارجية الألمانية ساذج على أقل تقدير. وتساءل: لماذا طالبت ألمانيا بالإفراج عن هذه الأسماء الثلاثة المحددة دون غيرها».
وفي غضون ذلك شنَّ المجلس القومي لحقوق الإنسان التابع للحكومة هجومًا حادًا على ألمانيا يوم 18 ديسمبر قائلًا: إن «تصريحات وزارة الخارجية الألمانية بشأن القضايا المعروضة على القضاء ترقى إلى مستوى التدخل الفاضح وغير المقبول في الشؤون القضائية المصرية».
وأثار هذا التصعيد المتبادل موجة واسعة من ردود الفعل وسط تساؤلات عديدة حول مستقبل العلاقة بين البلدين، في وقت تتولى فيه حكومة جديدة شؤون ألمانيا. كما أثار تساؤلات حول إمكانية موافقة ألمانيا على صفقة الأسلحة التي وافقت عليها ميركل قبل رحيلها من عدمها.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، لموقع «المونيتور»: «إن التحركات الألمانية الأخيرة ضد مصر تهدف فحسب إلى نقل رسالة للجمهور الألماني مفادها أن الحكومة الجديدة تهتم بأوضاع حقوق الإنسان، ولن تتجاهلها، على النقيض من سياسات الحكومة الألمانية السابقة».
نافعة: الصفقة ستُجمَّد مؤقتًا
وبشأن تمرير صفقة السلاح التي وافقت عليها ميركل قبل مغادرتها السلطة مباشرة، قال نافع إنه يتوقع تجميد الصفقة في الوقت الحالي؛ إذ لا يعتقد أن تقبل الحكومة الجديدة إجازتها في الوقت الحالي، لكنها قد تجيزها في مرحلة لاحقة.
وينقل الكاتب عن نافعة قوله: «لن تعيق ألمانيا ذلك الاتفاق العسكري مع مصر. وسوف تكتفي بتجميده في الوقت الحالي». وقال نافعة «إن صفقة السلاح هذه مهمة للغاية لمصر، من حيث صلتها بأنظمة الدفاع الجوي التي يمكن لمصر من خلالها حماية أجوائها ومواجهة الطائرات التركية المسيَّرة، والتي تمكنت تركيا من تسويقها في عدة دول». وفي 19 أكتوبر (تشرين الأول) أفاد موقع «نورديك مونيتور» أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سافر إلى غرب أفريقيا، حيث زار أنجولا، ونيجيريا، وتوجو؛ بهدف «تسويق» طائرات عسكرية مسيَّرة بحسب ما قال الموقع. وفي 17 أكتوبر، قال مصدر تركي رسمي لـ«رويترز» إن المغرب وإثيوبيا قدما طلبات رسمية لتركيا لشراء طائرات تركية مسيَّرة من طراز بيرقدار.
وقال نافعة: إن «العلاقات بين ألمانيا ومصر إستراتيجية، حيث تشكل مصر سوقًا كبيرة للأسلحة الألمانية؛ لأنها من أكبر مستوردي الأسلحة الألمانية في العالم، لذا سيكون من الصعب إيقاف هذه الصفقة». وقالت الحكومة الألمانية في 7 يناير (كانون الثاني) من العام المنصرم: إن مصر احتلت المرتبة الثانية بين الدول التي أصدرت لها تصاريح تصدير أسلحة عام 2020 بقيمة 800 مليون يورو.
واحتلت إسرائيل المرتبة الثالثة بقيمة 582.4 مليون يورو، تليها الولايات المتحدة بقيمة 509.2 مليون يورو. وقال نافعة: إن مثل هذه التحركات الألمانية لن تدفع بالحكومة المصرية إلى تغيير سياستها ومنهجها في التعامل مع قضية حقوق الإنسان، كما يتضح من صدور حكم نهائي بحق عبد الفتاح من بين آخرين، رغم ضغوط الإدارة الأمريكية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان.
إستراتيجية السيسي الحقوقية
ألمح التقرير إلى أنه في 15 سبتمبر (أيلول)، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: إن إدارة الرئيس جو بايدن ستعلق تسليم 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر حتى تتخذ القاهرة خطوات محددة تتعلق بحقوق الإنسان.
وقال مصطفى بكري، عضو مجلس النواب، لموقع «المونيتور»: إن بيان ألمانيا الأخير شابه استعلاء وإملاءات غير مقبولة، مضيفًا أن العلاقة بين البلدين تقوم على المصالح المشتركة وليس التبعية. وأكَّد أنه إذا اتَّبعت الحكومة الجديدة هذا النهج، فإن مصر ستبحث عن بدائل للأسلحة دون الاستجابة لأي ضغوط.
وينقل الكاتب عن بكري قوله: إن الدولة تبذل جهودًا حثيثة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، مشيرًا إلى استحالة التغاضي عن الجرائم «الإرهابية» التي تستهدف أمن الوطن وسلامته. وفي 11 سبتمبر أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بهدف تعزيز احترام الحقوق المدنية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، بحسب ما يختم الكاتب تقريره.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».