تزعم أمريكا حقها في اعتقال الأجانب والأمريكيين على حد سواء في جوانتانامو أو أي سجن آخر لأجلٍ غير مسمى حين يتعلَّق الأمر باعتبارات المخاوف الأمنية. ويقول مُدَّعون عن الحكومة: «إنَّ ذلك لا يتعارض أبدًا مع النصوص الدستورية». ونشر موقع مجلة «ذي إنترسبت» تقريرًا لمرتضى حسين، الصحافي المتخصص في الأمن القومي والسياسة الخارجية وحقوق الإنسان. وعرض حسين في التقرير قصة شابٍ يمني قضى نصف عمره تقريبًا في السجن دون أملٍ في الحرية.
قضى معاذ العلوي، المواطن اليمني أكثر من 17 عامًا مُحتجزًا داخل معتقل جوانتانامو دون تهمة. وهو واحدٌ من «السجناء الأبديين» الذين لم تتهمهم الولايات المتحدة بجريمة، لكنَّها ترفض إطلاق سراحهم. وفي العاشر من يونيو (حزيران) رفضت المحكمة العليا النظر في استئناف قضيته، وكانت هذه آخر انتكاسة في جهود العلوي الطويلة للحصول على حقه في محاكمة عادلة.
وأشار حسين إلى ما كتبه القاضي ستيفين براير حول أنَّ المحكمة ستُضطر لفتح ملف قضايا السجناء الأبديين مستقبلًا، وبحث مدى أحقية الحكومة في احتجازهم، رغم أنَّ المحكمة لم تقبل النظر في قضية العلوي بعد.
تصريحاتٌ عجيبة
أدَّى رفض المحكمة العليا – وتعليقات براير – لقضية العلوي إلى عودة الاهتمام الشعبي بالقضية من جديد وفقًا لتقرير «ذي إنترسبت»، لكن الكثيرين لم يلحظوا تأكِّيدات الحكومة العجيبة في هذه القضية بشأن الصلاحيات التي تسمح لها باحتجاز العلوي لأجلٍ غير مسمى، هو أو أيّ شخص، حتى المواطنين الأمريكيين.
وتطرَّق التقرير إلى مرافعةٍ قُدّمت إلى المحكمة العليا في أبريل (نيسان)، إذ جادل محامو وزارة العدل الأمريكية بأنَّ بلادهم يُمكنها أن تستمر في احتجاز العلوي دون تهمة، في حُجَّةٍ لم يقدموها علنًا منذ عهد الرئيس جورج بوش الابن، ولكن حسين يعتقد أنَّ الحُجَّة الجديدة هذه المرة هي إشارة المحامين إلى أنَّ لديهم الصلاحيات التي تسمح باحتجاز المواطنين الأمريكيين أنفسهم إلى أجلٍ غير مسمى.
ونصَّت المُرافعة على التالي: «لا قيود على احتجاز هذه البلاد لمُواطنيها بصفتهم عناصر مُعادية»، وأنَّ العلوي الذي يحمل الجنسية الأمريكية «سيُشكِّل نفس التهديد بالعودة إلى الجبهة خلال الصراع المستمر»، وأضافوا أنَّ هذا الافتراض لم يُثِر «أسئلةً دستورية».
وأفاد التقرير أنَّ الحكومة بررت استمرارها في اعتقال العلوي بموجب تصريح عام 2001 لاستخدام القوة العسكرية، وهو قانونٌ صدر في الأيام التي تلت أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول)، وأقحم البلاد في حالة حربٍ لا تبدو لها نهايةٌ مُحدَّدة. وسمح ذلك القانون بإنشاء حالةٍ دائمة من الاستثناء القانوني الذي يفتح الباب أمام ممارساتٍ مثل الاحتجاز لأجل غير مسمى دون محاكمة.
ويُؤكِّد المحامون الحكوميون هذه السلطات القانونية الآن وبعد مرور 18 عامًا على صدور هذا القانون، لضمان امتدادها لتشمل المواطنين الأمريكيين الذين يُحتمل احتجازهم بوصفهم «عناصر مُعادية» في المستقبل.
وأورد التقرير تصريحات بارديس كيبرياي، المحامية في «مركز الحقوق الدستورية» للدفاع القانوني، التي قالت: «من المُفترض أنَّ يكون الاحتجاز دون تهمة، بموجب قوانين الحرب، مُحددًا ومؤقتًا واستثنائيًا -لكن هذا الاستثناء تحوَّل الآن إلى قاعدة. ونتحدثُ الآن حول مزاعمٍ بأنَّ الاحتجاز يُمكن أن يستمر إلى الأبد».
ومثَّلت بارديس معتقلي جوانتانامو من قبل، بمن فيهم أولئك الذين أُفرج عنهم مؤخرًا من السجن، وتُجادل بأن الاعتقال المستمر لغالبية السجناء – ما يزال هناك 40 معتقلًا في جوانتانامو – لا علاقة له بالمخاوف الأمنية.
وتابعت: «تصوَّر أنَّ السجن مدى الحياة للمعتقلين أصبح ضروريًا للأمن القومي الأمريكي، وأنَّ السجن هو الوسيلة الوحيدة لتخفيف أي خطر. هذه مهزلة. وما يزال هذا العقاب مقبولًا جزئيًا؛ لأنَّ الشعب لا يستطيع أن يرى بنفسه حماقة الاستمرار في احتجاز هؤلاء السجناء. إذ أجازت الحكومة نقل خمسةٍ منهم، والآخرون هم مرضى وكهول على وشك إتمام عقدين من الإجراءات التي استخدمتها الحكومة لتبرير اعتقالهم».
وأوضح التقرير أنَّ الحكومة الأمريكية احتفظت بحق الاعتقال المجهول في المرافعة نفسها أيضًا، إذ أكَّد محامو الحكومة أنه في حال القبض على العلوي داخل أفغانستان اليوم، فيُمكن احتجازه في مكان آخر. وقال مُحامو العلوي إنَّهم رأوا في ذلك إشارةً إلى عملية التسليم، وهي نقل المعتقلين سرًا عبر الحدود الدولية إلى دولٍ سيتعرضون داخلها إلى خطر سوء المعاملة على الأغلب. وذكر مُحامو الحكومة في مرافعة أبريل، أنَّ الاتفاقات القانونية الحالية «لا تحرم الولايات المتحدة من سلطة احتجاز مقدم الالتماس في مكان آخر».
17 عامًا دون مُحاكمة
أفاد الكاتب أنَّ العلوي تجاوز 40 من عُمره، إذ اعتُقِل في منتصف العشرينات من عمره. واحتجَّ العلوي على احتجازه بوسائل مختلفة، خلال الفترة التي قضاها داخل جوانتانامو، ويشمل ذلك فترات طويلة من الإضراب عن الطعام. وخضع العلوي خلال تلك الفترات لإجراءات الإطعام القسري المؤلمة، ولكن وزنه انخفض في إحدى المرات إلى أقلَّ من 45 كيلوجرام.
وبدأ مؤخرًا في صنع أعمال فنية، عُرض بعضها مؤخرًا في معرض أقامته كلية الحقوق بجامعة مدينة نيويورك. وحاولت الحكومة منع عرض أعماله الفنية، والتي تتضمَّن العديد من نماذج السفن التي صنعها في جوانتانامو باستخدام الورق المقوى، وأغطية الزجاجات البلاستيكية وغيرها من المخلفات.
وأورد التقرير أيضًا تصريحات رمزي قاسم، أستاذ كلية الحقوق بجامعة مدينة نيويورك، وهو مُحامٍ يُمثّل العلوي إلى جانب مجموعةٍ من طلاب الكلية التابعين لمنصة «عيادة المُهاجرين وغير المواطنين» بالكلية. إذ قال قاسم: «ناضل معاذ ضد ظلم سجنه في جوانتانامو دون تهمة، أو دون محاكمةٍ عادلة لأكثر من 17 عامًا. وواجه بناضله رغم كل الصعاب، خاصةً في الآونة الأخيرة حين عبَّر عن تعطُّشِه للحرية من خلال نماذج السفن المتقنة، وأعماله الفنية الأخرى، التي حاولت وزارة الدفاع فرض الرقابة عليها».
وأكَّد «ذي إنترسبت» أنَّ الخطوات التالية في الطعن القانوني الذي قدَّمه العلوي ضد اعتقاله ما تزال غير واضحة، رغم قول محاميه بأنَّهم يُخططون للاستمرار في المُحاولة من أجله. في حين يرى قاسم أنَّ تأكيد الحكومة الأخير على أنَّها يمكن أن تحتجز أحدًا لأجلٍ غير مسمى، أو أن تُدير عمليةً لتسليم السجناء مثل العلوي، يُمثِّل تدهورًا إضافيًا للمعايير الأخلاقية والقانونية في معتقل جوانتانامو.
وأضاف: «إنَّ إشارة المحامي العام الأمريكي بعجرفة إلى أنَّ محنة العلوي الاستثنائية ستكون غير استثنائية، حتى لو فُرِضَت على مواطنٍ أمريكي، والتهديد العلني بالترحيل السري، يُوضِّح مدى القسوة وانعدام الإنسانية من الحكومة والقانون على حد السواء في هذه القضايا. ويكشف ذلك أيضًا أنَّك يجب أن تشعر بالخوف إزاء ما يجري تجاه معاذ، حتى وإن كان اهتمامك مقصورًا على المواطنين الأمريكيين فقط».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».