يقول هوميروس في (الأوديسة) “إن الأطباء في مصر أكثر مهارة من غيرهم من البشر.” الحقيقة أن الأطباء المصريين كانوا يعرفون كيف يجبرون الكسور ويجرون العمليات الجراحية قبل غيرهم. ما نقله هيرودوت يوحي بأن الأطباء المصريين وصلوا لمرحلة التخصصات الطبية أيضًا. لذلك لم يكن من العجيب أن يلجأ حكام الإمبراطوريات الأخرى لهم طلبًا للعلاج.

لكم تغير الحال منذ ذلك الوقت، فاليوم يتفادى حكام مصر أنفسهم العلاج في مستشفياتها الحكومية. كان ذلك واضحًا عندما قام رئيس الوزراء (إبراهيم محلب) بزيارة اثنين من المستشفيات الحكومية في السادس من يونيو ليفاجأ بحالتهما المروعة. رد فعل محلب أثار سخرية الأطباء الذين أنشأوا صفحة على الفيسبوك لينشروا عليها صورًا تظهر الحالة المزرية للمستشفيات الأخرى تحت شعار “حتى لا يفاجأ إذا زارها” الصور تظهر أجهزة قذرة ومجاري طافحة ومرضى محاطين بالحيوانات الضالة.

الرعاية الصحية في مصر رديئة لدرجة أن كثيرًا من المصريين ينأون بأنفسهم عن نظام التأمين الصحي الذي تديره الدولة، يغطي ذلك البرنامج حوالي ٥٤٪ من المواطنين من موظفي القطاع العام وأسرهم وطلاب المدارس، ولكن ٨٪ فقط من المشمولين بالتأمين الصحي يلجؤون للوحدات الصحية الحكومية طلبًا للعلاج.

أيمن سباعي، وهو من المبادرة  المصرية للحقوق الشخصية يقول إن الناس تلجأ للقطاع الخاص ويدفعون من أموالهم الشخصية، ولكن يظل هناك من لا يستطيع أن يدفع تكاليف العلاج في العيادات الخاصة أو يعيش في مناطق بعيدة عن أية عيادات خاصة.

وعلى الرغم من أن العيادات التي تديرها الجمعيات الخيرية والمنظمات الدينية توفر الرعاية لبعض من هؤلاء، فإن كثيرًا منهم ملزمون باستخدام النظام الحكومي، بإمكان المرضى أن يتقدموا للحصول على حق العلاج على نفقة الدولة، كما أن العلاج في حالة الطوارئ مجاني اسميًّا، ولكن عادة ما يضطر المرضى لدفع رسوم غير رسمية لا تعمل العديد من الأمور بدونها.

الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية من المقرر أن يصل إلى ٤٢.٤ مليار جنيه مصري (ما يوازي ٥.٦ مليار دولار) هذا العام، بارتفاع قدره ٢٧٪ عن العام السابق. لكن حتى هذا الرقم يساوي ١.٧٥٪ فقط من إجمالي الناتج المحلي وهي نسبة أقل كثيرًا من المعدل العالمي.

الدستور الذي تم اعتماده العام الماضي كان قد فرض زيادة مخصصات الرعاية الصحية بحد أدنى ٣٪ من إجمالي الناتج المحلي، كما كان هناك حديثـًا عن توسيع تغطية الرعاية الصحية لتشمل الجميع. لكن الحكومة بالكاد تستطيع توفير الدعم للخبز والسكر والوقود بينما تخطط لإنفاق ما يزيد عن ميزانية الصحة لهذا العام للبدء في إنشاء عاصمة جديدة.

الأطباء الحكوميون الذين يحصلون على مرتبات ضعيفة دعوا لعدة إضرابات للمطالبة بتحسين أحوالهم. يقول محمود بشير، وهو طبيب من بورسعيد، أنه يحصل على حوالي 200 دولار في الشهر، وهو رقم قريب من الحد الأدنى لأجور الخدمة المدنية: “لقد فكرت في ترك العمل الحكومي” يضيف محمود. العديد فعلوا ذلك بالفعل، بعضهم ينتقل للعمل في القطاع الخاص حيث يحصلون على رواتب أعلى كثيرًا، بينما يفضل البعض الهجرة للخارج. عدد الأطباء المصريين العاملين في المملكة العربية السعودية يزيد عن عدد الأطباء العاملين في قطاع الرعاية الصحية الحكومي في مصر.

أيمن سباعي يضيف أن حوالي ٥٠٠ عيادة من أربعة آلاف عيادة تديرها الدولة لا يتوفر بها طبيب. هناك أيضًا سوء إدارة في الموارد؛ فبعض المرافق تتباهي بأجهزة جديدة لا يتوفر لديها الأطباء الذين يقدرون على استخدامها. الفساد منتشر بشكل كبير، ما يقرب من ثلاثة أرباع المصريين يعتقدون أن الخدمات الصحية فاسدة وفقـًا لاستطلاع أجرته منظمة الشفافية الدولية.

قلة حيلة المرضى دفعتهم للاعتداء على الأطباء جسديًّا الذين طالبوا بدورهم باستقالة وزير الصحة.
الأيام الراهنة شهدت ظهور العديد من صفحات الفيسبوك التي تهاجم كثيرًا من الخدمات العامة الأخرى، لكن الرعاية الصحية تظل أسوأها على الإطلاق.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد