نشرت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية تقريرًا لمراسلتها في الشرق الأوسط كلو كورنيش وصحافية التحقيقات إريكا سولمون تحدثتا فيه عن محاكمة مسؤولَين سوريين رفيعي المستوى بتهمة ارتكاب جرائم حرب في بلادهم سوريا.

وبدأت في ألمانيا اليوم محاكمة مسؤول في المخابرات السورية متهم بارتكاب 4 آلاف جريمة تعذيب، وهي قضية بارزة يقول عنها نشطاء حقوق الإنسان إنها ستكشف مدى الاضطهاد والظلم داخل سوريا التي يقودها بشار الأسد.

مسؤولون كبار في قبضة القضاء

يقول التقرير: وصل العقيد السابق أنور رسلان الذي ترأس وحدة في مديرية المخابرات العامة المرعبة إلى المحكمة يوم الخميس لبدء وقائع اليوم الأول من محاكمته؛ إذ يتهمه المدعون الألمان بالإشراف على الآلاف من حالات التعذيب و58 جريمة قتل وما يتعلق بها من جرائم اغتصاب واعتداء جنسي.

دولي

منذ 3 سنوات
«فورين بوليسي»: هذه الدول عارضت سرًّا دعوة عالمية لوقف الحروب بسبب كورونا

هذه القضية هي أول محاكمة لجرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد عام 2011. ويُنظر فيها وفقًا لمبدأ الولاية القضائية الشاملة أمام محكمة إقليمية في مدينة كوبلنز جنوب غرب ألمانيا.

يُزعم أن السيد أصلان كان يدير السجن السوري سيء السمعة – الفرع 251 – بين عامي 2011 و2012 عندما اعتقلت المباحث السرية الآلاف من المتظاهرين السلميين في بداية الثورة السورية وعذبتهم. ومنذ عام 2011، اختفى عشرات الآلاف من السوريين داخل دهاليز السجون. وفي 2018، أبلغ النظام آلاف العائلات بأن أقاربهم ماتوا في الأسر.

ونقل التقرير عن أحد الناجين من التعذيب، والذي تمثله «مبادرة عدالة المجتمع المفتوح»، ومن المقرر أن يدلي بشهادته في المحكمة، قوله بأنه مصمم على «التحدث مباشرة» مع السيد رسلان وإياد الغريب، شريكه في التهم.

وأضاف: «أريد أن أسمع إجابة مباشرة، لماذا فعلوا ذلك بالناس؟» وتابع بأن المحاكمة أحيت بداخله أملًا جديدًا في تحقيق العدالة.

طلب السيد رسلان -الذي تشير التقارير إلى أنه في الخمسينات من عمره- اللجوء إلى ألمانيا عام 2014، في حين وصل السيد الغريب إلى ألمانيا عام 2018، وهو مسؤول برتبة أقل متهم باحتجاز 30 شخصًا بشكل غير قانوني وتعذيبهم عندما كان يعمل في الفرع 251.

يقول وولفجانج كاليك مؤسس المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR)، وهو يمثل تسعة من المدعين في هذه القضية: «لكي تفهم دورهم، عليك أن تفهم كيف يعمل نظام القمع السوري وهذا بالنسبة لي أهم من النتيجة».

Embed from Getty Images

محاكمات إقليمية في ظل غياب محاكمة دولية

تُطلب العدالة لضحايا جرائم الحرب عادة في المحكمة الجنائية الدولية أو المحاكم الدولية. لكن الحرب الأهلية السورية أحرجت الكثير من الدول الكبرى -خاصة روسيا والولايات المتحدة- ما دعا الخبراء القانونيين للقول بأن فرصة تحقيق الإجماع السياسي اللازم لعقد محاكمة دولية أوسع أمر بعيد المنال، بحسب الكاتبتان.

بدلًا من ذلك، تمكن المدعون الألمان من رفع قضايا ضد الرجلين استنادًا إلى مبدأ الولاية القضائية الشاملة، الذي سنته ألمانيا عام 2002 ويسمح بعقد محاكمة تخص جرائم مرتكبة في بلدان أخرى. ويلفت التقرير إلى أن المشتبه به الثالث الذي اعتُقل في اليوم نفسه مع المتهمين ينتظر المحاكمة في فرنسا.

تقول فاليري بوليت محررة المراجعة القضائية الشاملة التي تنشرها منظمة «ترايل إنترناشونال»: «لديك لاجئون يأتون إلى ألمانيا، وكذلك مشتبه بارتكابهم جرائم (حرب)، ومن الناحية القانونية على ألمانيا أن تتعامل مع هذا الأمر». وقدم اللاجئون السوريون شكاوى قانونية ضد مسؤولي النظام في دول أخرى من بينها النمسا وفرنسا.

آمال الضحايا وتهرّب المسؤولين

يتابع التقرير مع أنور البني، وهو محامي حقوق إنسان سوري جمع أدلة حول جرائم يُتهم نظام الأسد بارتكابها ومعتقل سابق في سوريا، الذي يقول بأنه رأى السيد رسلان في البداية في مركز برلين لطالبي اللجوء عام 2014. ويضيف مستذكرًا: «كان السيد رسلان هو من اعتقلني، كنت متأكدًا بأني أعرفه. يتغير الإنسان بعد ثمان سنوات بالتأكيد، فقد أصبح أكثر بدانة قليلًا ويرتدي الآن نظارة».

انشق السيد رسلان وغادر سوريا عام 2012، حتى أنه حضر محادثات برعاية الأمم المتحدة إلى جانب المعارضة السورية عام 2014. لكن محامي الضحايا يصرون على أن انشقاقه المزعوم لا يمحو الجرائم التي ارتكبها.

وقال السيد كاليك، مؤسس مركز «ECCHR» الحقوقي إنه يأمل أن تساعد هذه القضية البارزة اللاجئين السوريين على الاندماج في المجتمع الألماني من خلال تسليط الضوء على محنتهم.

وأضاف: «لدينا 750 ألف سوري هنا، من بينهم العديد من الناجين من العنف والتعذيب. وستوضح المحاكمة للشريحة الأكثر تشككًا من الشعب الألماني لماذا فرّ هؤلاء». ويتوقع أن يدلي 20 شخصًا على الأقل بشهادتهم في هذه المحاكمة.

عربي

منذ 3 سنوات
«نيويورك تايمز»: بينما لا ينتبه العالم.. هل يشهد السودان انقلابًا عسكريًّا؟

العدالة قبل أي حل سياسي

يشير التقرير إلى سيطرة الأسد على 70% من الأراضي السورية، وتوقُّف المحادثات التي تجرى بوساطة الأمم المتحدة بين نظامه وشخصيات المعارضة المنفية. وعلى الرغم من ذلك، يقول المحامون الحقوقيون السوريون بأن محاكمة كوبلنز يمكن أن تكون خطوة نحو الحل السياسي.

ويختم التقرير بما قاله مازن درويش رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير: «لا يمكن أن نصل إلى حل سياسي في سوريا دون أخذ العدالة على محمل الجد». ويُتوقع أن تستغرق المحاكمة عامًا على الأقل.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد