صحيحٌ أن بعض الممثلين المسلمين مثل ريز أحمد، أول مسلم يُرشح لجائزة أوسكار أفضل ممثل دور أول، حطموا جزئيًّا الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، لكن هل ما يزال طريق تصحيح هذه النمطية طويلًا؟
أعدَّت أبرار الهيتي، مراسلة الشؤون الثقافية في الموقع، تقريرًا نشره موقع «سي نت» الأمريكي، موقع وسائط تعليمي أمريكي يهتم بالتكنولوجيا وغيرها، تناولت فيه الكيفية التي تقدم الدراما الأمريكية وهوليوود المسلمين من خلالها على الشاشة، مسلَّطةً الضوء على ما اكتسبه المسلمون من أرضية كبيرة داخل صناعة الترفيه العالمية بفضل الجوائز التي حصل عليها عدد من الممثلين المسلمين.
هوليوود وتحريف لصورة المسلمين
استهلت الكاتبة تقريرها قائلة: في الأشهر القليلة الماضية، امتلأ موجز الأخبار على «تويتر» و«تيك توك» بمقاطع من المسلسلات التي شوَّهَت صورة المسلمين والإسلام. وفي أحد مقاطع الفيديو، يظهر شخص من مسلسل (Tiny Pretty Things أو أشياء جميلة صغيرة) الذي تعرضه منصة «نتفليكس»، وهو مستغرق في الصلاة حتى تظهر له من العدم سيدة تستدرجه إلى أن يرقص معها رقصة مغرية.
وفي فيديو آخر، مزَّقت طبيبة في مسلسل (Grey’s Anatomy أو جرايز أناتومي) معظم حجابها تقريبًا لكي تستخدمه في إيقاف النزيف الذي يعاني منه مريض ما، على الرغم من أن ذلك المريض موجود في المستشفى ويحيط به الضمادات والمعدات الطبية. وردًّا على ذلك كتب أحد الأشخاص على «تويتر» مازحًا: «لا نريد مزيدًا من المزاعم التمثيلية عن المسلمين، من فضلكم».
ويوضح التقرير أن هذه الصور غير الواقعية ليست جديدة؛ إذ تعرَّض المسلمون لمدة طويلة في وسائل الإعلام للإقصاء أو التشويه. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، خرج المسلمون إلى دائرة الضوء إلى حد كبير وصاروا يُصوَّرون في السينما والتلفزيون باستمرار على أنهم إرهابيون أو أشرار. أما في التغطية الإخبارية، فيُستخدم مصطلح «إرهابي» بصورة حصرية تقريبًا للإشارة إلى هؤلاء الذين لهم صلة بالإسلام. وتحظى الهجمات التي ينفذها مسلمون بتغطية إخبارية يزيد متوسطها على معدل 357%.
وترى كاتبة التقرير أن هذا الأمر يُخلِّف تداعيات كبيرة في الحياة الحقيقية. إذ وجدت دراسة أُجريت عام 2015 أن التعرض للصور السلبية «ضاعف من التصورات التي تنظر إلى المسلمين على أنهم عدوانيون، كما زاد من الدعم المقدَّم للقيود المدنية الصارمة ضد الأمريكيين المسلمين، بالإضافة إلى أنه أدَّى إلى مزيد من دعم العمل العسكري ضد الدول المسلمة». ويُمكن أن يُؤدي استمرار عرض هذه الصور النمطية في السينما والتلفزيون إلى إلحاق الأضرار بالمجتمعات.
صورة الإسلام.. نماذج براقة
وفي هذا الصدد، قالت إيفلين السلطاني، أستاذة مشاركة في قسم الدراسات الأمريكية والعِرقية في جامعة جنوب كاليفورنيا: «سمعتُ كثيرًا من الناس يقولون أوه، إنه مجرد عرض تلفزيوني، إنه مجرد عرض ترفيهي، حتى يتسنى لهم تجاهل الأمر كما لو أنه ليس له تأثير في العالم الواقعي. لكن هذه الصور تُشكِّل إلى حد كبير الكيفية التي ننظر بها إلى بعضنا البعض، وكيف نفهم بعضنا بعضًا».
وتستدرك الكاتبة قائلة: ولكن حمدًا لله، هناك مزيد من المسلسلات التي تضم شخصيات مسلمة غير مرتبطة بالإرهاب أو التطرف. مثل المسلسل الدرامي (Transplant أو زرع الأعضاء)، الذي عُرِض لأول مرة على قناة «إن بي سي» في سبتمبر، والذي يظهر فيه طبيب سوري مسلم. وهناك أيضًا مسلسل «رامي» من إنتاج موقع «Hulu» (هولو) لبث البرامج ومقاطع الفيديو عبر الإنترنت، ويقوم بدور البطولة فيه الممثل الأمريكي العربي رامي يوسف الحاصل على جائزة جولدن جلوب، وقد حاز المسلسل إشادة كبيرة بسبب الصورة الجيدة التي قدَّمها عن المسلمين الأمريكيين.
وبالإضافة إلى ذلك تضم مسلسلات أخرى مثل (Legends of Tomorrow أو أساطير الغد) و(The Bold Type أو النوع الجريء) و(إف بي آي) و(أورانج إز ذا نيو بلاك) شخصيات إسلامية بارزة. ودخل الممثل ريز أحمد التاريخ هذا العام عندما أصبح أول مسلم يُرشَّح لجائزة أوسكار 2021 أفضل ممثل دور أول عن دوره في فيلم (Sound of Metal أو صوت المعدن) والذي لا يؤدي فيه دور شخصية مسلمة. وتضمن مهرجان «صندانس» السينمائي هذا العام سلسلة من الندوات عن المسلمين في مجال الترفيه، مما يدل على حدوث تغيير في صناعة السينما والترفيه.
وخلال جلسة أُقيمت في مهرجان «صندانس» حول الكُتَّاب الشرق أوسطيين في وسائل الترفيه، قالت شيرين دعيبس، منتجة وكاتبة ومخرجة، إن: «التيار يتجه نحو: لا نريد تمثيل صورتك الحقيقية فحسب، بل نريد منك فعليًّا أن تروي قصتك. وكان وصول رامي بمثابة علامة على هذا الاتجاه، وأعتقد أننا ما زلنا في بدايته».
العمل في تطور
ومن جانبها، قالت الكاتبة والمخرجة لينا خان، التي عملت في عديدٍ من المشروعات الدرامية ومنها فيلم (فلورا وأوليسيس) الكوميدي الأمريكي الخارق على «ديزني بلس» (خدمة بث مباشر عبر الإنترنت)، إنها متفائلة بشأن التوجه الذي تتجه إليه صناعة الترفيه. ولا يزال هناك مجال كبير بحاجة إلى الازدهار. وبصفتها سيدة مسلمة ترتدي الحجاب، كان لزامًا عليها في بعض الأحيان أن تتعامل مع المنتجين الذين يتبنون آراءً نمطية عن الأشخاص الذين يشبهونها.
ووصفت لينا خان إحساسها قائلة: «في الدقائق القليلة الأولى التي تقابلهم فيها، ينبغي لك تقريبًا إقناعهم بأنك طبيعي ولديك أفكار جديدة». وتضيف أنها تحصل كل عام على مجموعة قليلة من النصوص والسيناريوهات تنتهج جميعها الفرضية نفسها: أربع فتيات مسلمات يعشْن في بيئة محافظة ويرِدْن التمرد عليها عن طريق القيام «بأي نوع من الأنشطة التي يشعر الناس أنها ضد التيار»، مثل ركوب الأمواج أو إنشاء فرقة لموسيقى الروك.
وأوضحت قائلة: إن «عديدًا من القصص تدور حول مسلمين يعارضون الثقافة الإسلامية السائدة. فهل صناعة الترفيه تعاني من مشكلة مع ممارسة المسلمين لشعائرهم»؟
حظر ترامب
ولفت التقرير إلى أن منظمات، مثل مجلس شؤون المسلمين العامة أو منظمة المسلمين في السينما والتلفزيون، تعمل على تعزيز الصورة الحقيقة الدقيقة للمسلمين. ولكن المال يفرض سطوته في الأعمال الدرامية التجارية. وحمدًا لله، وجد تقرير أصدره موقع «Mediaversity» الذي يقدِّم مراجعات عن الأعمال السينمائية في عام 2017 أن الأفلام الجامعة لكل شخصيات المجتمع تفوقت فعليًّا على نظيراتها غير المتنوعة عبر عدة مقاييس.
كما توصل تقرير صدر حديثًا عن جامعة كاليفورنيا في عام 2020 أن الأفلام ذات الميزانية الكبيرة ولكنها تفتقر إلى التنوع، تتعرض غالبًا إلى خسائر كبيرة في إيرادات شباك التذاكر في الأسبوع الافتتاحي.
وفي السياق ذاته، قالت سو عبيدي، مديرة مكتب هوليوود لمجلس شؤون المسلمين العامة في الولايات المتحدة، إنه: «عندما يحقق مسلسل مثل مسلسل رامي، من إنتاج هولو، أرباحًا كبيرة تصل إلى ملايين الدولارات، فإن الصناعة تراقب ما يحدث».
وألمحت الكاتبة إلى أن حظر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للهجرة من سبع دول ذات أغلبية مسلمة كان له تأثير كبير. تقول إيفلين السلطاني إن الكُتَّاب والمنتجين غاضبون بسبب الحظر المفروض، ونتيجةً لذلك، قدَّموا شخصيات أكثر تعقيدًا لا علاقة لها بالإرهاب ولا تحاول باستمرار إثبات انتمائها.
وفي العام الماضي، ابتكر كلٌ من إيفلين وسو اختبار العبيدي-السلطاني، وهو عبارة عن مجموعة من خمسة معايير «لتقييم هل هناك مشروع تلفزيوني أو فيلم يُقدم شخصيات مسلمة في قصص وسياقات ديناميكية ودقيقة ومتقاطعة». ويتضمن الاختبار مراقبة هذه المشروعات التي تضم شخصيات مسلمة لمعرفة هل تتجنب هذه المشروعات التشبيهات والاستعارات؟ أم هل تتمتع هذه الشخصيات المسلمة بحضور قوي؟ أم هل هناك كاتب مسلم في طاقم العمل؟ وتُؤكد إيفلين قائلة: إن هذا الأمر: «سيُحدِث فرقًا كبيرًا إذا كان لديك شخص بهذه الهوية بوصفه جزءًا من العملية الإبداعية».
اكتساب مجموعة من الأصوات
ويشير التقرير إلى ما نوَّهت إليه إيفلين أنه من المهم أيضًا إبراز التنوع داخل المجتمع المسلم. ويجب أن تتضمن المسلسلات والأفلام مجموعة من الشخصيات الدينية والعلمانية على حد سواء، والذين يربطهم بهوياتهم ما هو أكثر من مجرد روابطهم بالدين.
ومن جانب آخر، يقول حسين رشيد، الأكاديمي الذي يُركِّز بحثه على المسلمين والثقافة الشعبية الأمريكية، إن: «خدمات البث مثل «نتفليكس» و«هولو» و«ديزني بلس»، المتعطشة للمحتوى في مساحة تنافسية، توفر مزيدًا من الفرص لقصص متنوعة يمكن روايتها». وأضاف رشيد قائلًا: إن: «شاشة التلفاز تتبنى أسلوبًا للنجاح وتكرره. لكن خدمات البث أكثر استعدادًا للتجربة لأنها ليس لديها تلك الاتفاقيات في الوقت الراهن».
بيد أن الأخطاء واردة، إذا لم يكن هناك أشخاص مناسِبون في المكان المناسب، فمن المرجح – بحسب التقرير – أن تحصل على صور نمطية مثل مشهد الصلاة المحرج في مسلسل (Tiny Pretty Things أو أشياء جميلة صغيرة)، أو اللحظات التي تتخلى فيها النساء المحجبات عن الحجاب بعد الوقوع في حب رجل أبيض، كما هو مصور في مسلسل (Elite أو النخبة) على منصة «نتلفيكس». ويرى الخبراء أن هذا الأمر لن يتغير حتى يُشارك مزيد من الأشخاص لديهم مجموعة من الخبرات خلف الكاميرا وعلى الشاشة.
دور حركة حياة السود مهمة
وتطرق التقرير إلى أن تعزيز التمثيل المتنوع للمجتمع المسلم يشمل رفع أصوات المسلمين السود، وهو موضوع آخر نوقش هذا العام في مهرجان «صندانس». تقول منى ديريا، كاتبة ومخرجة، إن: «حركة حياة السود مهمة سمحت للناس بالتحدث بصدق وصراحة أكثر عن القضايا المحيطة بالتمثيل. وأشعر حاليًا بالجرأة لأطلب مستشارًا أسود ليعمل معي أو العمل مع منتج أسود».
وأوضحت منى قائلة: إن «حركة حياة السود مهمة تعني أن المسلمين من جميع الأجناس قادرون على فتح مناقشات ومحادثات، لولا هذه الحركة ما كان بإمكانهم فعل ذلك». وتشير منى إلى أنه من المهم أن تمثل صناعة السينما والتلفزيون المسلمين السود وغيرهم من الأقليات في جميع أطقم العمل. وينبغي تنظيم مزيد من برامج الإرشاد والتوجيه للشباب ليدركوا أن المستقبل في هذا النوع من العمل متاح لهم، ويجب أن تكون غرف الكتاب والمحتوى الذي يخرج منها أكثر تنوعًا.
وفي ختام تقريرها، أكدت الكاتبة أن المسلمين ماضون على الطريق الصحيح؛ إذ قالت إيفلين السلطاني إنها رأت تدفقًا من الطلاب المسلمين يتجهون إلى وظائف في مجال الإعلام، بداية من كتابة السيناريو إلى الصحافة إلى إنتاج الأفلام. بينما أوضحت لينا خان أيضًا أنها تتوقع تدفقًا كبيرًا من الشباب في مجموعة متنوعة من غرف الكُتَّاب في السنوات الخمسة المقبلة. ويمكن أن يكون لذلك تأثير كبير ليس فقط في تمثيل المسلمين على الشاشة، ولكن في كيفية فهم طبيعة المجتمع ككل في العالم الحقيقي.
وتُلفت لينا خان النظر قائلةً: «إن الفن يدفع المجتمع إلى العمل بأقصى كفاءة في كثير من الأحيان».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».