علمت السلطات عن ثلاثة على الأقل من مهاجمي باريس، ولكن لم تتصرف، وتجاهلت تحذيرا بهجوم محتمل.
قم بالحساب وسيكون من الصعب ألا تشعر بالتعاطف مع وكالات الاستخبارات الفرنسية. يواجهون كل يوم معضلة صنعتها الفجوة بين العاملين المتاحين وعدد المشتبه بهم الضخم.
لدى الاستخبارات والشرطة الفرنسية ما يقدر بـ500- 600 عامل فقط الذين مهمتهم هي مراقبة الناس. لكن لدى الوكالات حوالي 11,000 شخص في ملفاتهم مصنفين كتهديدات محتملة للأمن القومي.
للقيام بعملية لمراقبة شخص واحد 24 ساعة في اليوم يتطلب هذا حوالي 30- 40 شخص. لذلك يجب أن يأخذوا قرارات صعبة حول من سيكون لهم أولوية للمراقبة.
غالبًا ما يكون اختيارهم صحيحا، ويحبطون العديد من المؤامرات. ولكن عندما يخطئون، كما فعلوا مرتين هذا العام، الأولى في الهجوم على صحيفة تشارلي إيبدو وفي مذبحة يوم الجمعة الماضي، وقعوا تحت ضغط كبير.
سيكون هناك حتمًا تحقيق بشأن الإخفاقات. لكن الحكومة الفرنسية قد اقترحت بالفعل تشريعات جديدة لإدخال تدابير أمنية أكثر صرامة.
فما زال أعضاء كبار من مجتمع أجهزة الاستخبارات الأمريكية يعانون من خسارة جمع البيانات الضخمة من تسجيلات الهاتف على أثر صدور قانون الحرية هذا الصيف، ويستغلون أحداث باريس من أجل تجديد الجدال حول المراقبة.
في نيويورك الأربعاء الماضي، اشتكى مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي، من الإنترنت أصبح غامضا. كما قال “يحتاج كل من الاستخبارات ووكالات تطبيق القانون وصولا سريعا وأفضل لبيانات الاتصالات”.
والحجة المجردة هي لو أنك يمكنك الوصول لأي شيء، سيكون من السهل أن تُبقي الجميع آمنين. عندما تحدث هجمات مثل الهجمات في باريس، تصرح الوكالات بأنها تحتاج بسرعة للعودة للبحث في البيانات عن من الذين كان يتحدث معهم المشتبه بهم، والمساعدة على التعرف على شبكاتهم ومنع أي هجمات محتملة.
والمشكلة في هذا وتقريبًا في كل حادث إرهابي منذ الحادي عشر من سبتمر، هي أن وكالات الاستخبارات الفرنسية علمت بالفعل عن ثلاثة على الأقل من المهاجمين.
كان يعرف أن عبد الحميد أباعود متواطئ مع اثنين من الجهاديين قتلوا في بلجيكا في يناير. كان لدى الشرطة ملف عن عمر إسماعيل مصطفى حتى من قبل أن يسافر إلى سوريا في 2013، بينما تم احتجاز سامي عميمور عام 2012 للاشتباه بأن له صلات إرهابية.
بكلمات أخرى، لا يرجع فشل وكالات الاستخبارات الفرنسية لكونهم لا يملكون بيانات كافية، لكن لكونهم لم يتصرفوا بناء على ما لديهم من معلومات.
كان يمكن للثلاثة أن يكونوا موضوع المراقبة المستهدفة التقليدية، في حين أن المراقبة الجسدية صعبة من حيث عدد العاملين، فإن تتبع اتصالاتهم يحتاج إلى عدد أقل من العاملين.
لا يتطلب تتبع مثل هؤلاء المشتبه بهم تجميعات بيانات التواصل مثل تسجيلات الهاتف والبريد الإلكتروني ومنشورات الفيس بوك والمحادثات على الإنترنت لكل مواطن فرنسي، المشتبه بهم فقط.
أحد نقاط الجدال الرئيسية التي وضعها كومي وفي وقت سابق من هذا الأسبوع رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية جون برينان، هي أن الإرهابيين أصبحوا أفضل في الاتصالات السرية. لكن الهاتف المحمول المُتخلص منه الذي قاد الشرطة إلى مخبأ سانت دينيس احتوى على نص غير مشفر.
أحد أكبر الإخفاقات لم يكن نقص قوة المراقبة الكافية لوكالات الاستخبارات الفرنسية، لكن كان نقص التعاون بين وكالات الاستخبارات الأوروبية منذ فترة طويلة والإحجام عن مشاركة المعلومات بسبب المخاوف من حدوث تسريبات. عندما يتعاونون، فالعملية تكون بطيئة حتى في أشياء بسيطة مثل الترجمة.
أرسلت الحكومة العراقية تحذيرات للاستخبارات الفرنسية بشأن هجوم محتمل وتم تجاهلها. تستلم الوكالات مثل هذه التحذيرات بشكل منتظم والتي تكافح من أجل اكتشاف أي منهم يعكس تهديدًا حقيقيًا.
والإغفال الأكثر خطورة هو الفشل الفرنسي في الرد على الحكومة التركية عندما أعربت عن قلقها إزاء مصطفى. وبالإضافة إلى ذلك نقص التعاون بين فرنسا وبلجيكا، حيث كان يقيم بعض المهاجمين.
مثل هذه الإخفاقات هي ما يجب أن تبحث فيه وكالات الاستخبارات الفرنسية والأمريكية، عوضًا عن استغلال المأساة من أجل بيانات المراقبة الضخمة.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».