من متابعة الصور الساخرة إلى الــ«ميمز» أو «Memes» ومقاطع الفيديو المضحكة، يقضي الشباب من جيل الألفية الكثير من الوقت في السنوات الأخيرة على الشبكات الاجتماعية. وبينما قد يرى البعض أنَّ في ذلك مضيعةٌ للوقت، لكنَّ هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» ترى بعدًا آخر للأمر.
نشر موقع «بي بي سي» تقريرًا ينظر في الدور الذي ساهمت به تلك الـ«ميمز» في خلق حالةٍ من التضامن بين الشباب المأزوم حول العالم عقب الأزمة الاقتصادية عام 2008، وكيف مثَّلت الـ«ميمز» متنفسًا ساعدهم إلى حدٍ ما على تجاوز الأزمة.
يوضح التقرير أنَّ خريجي الجامعات خلال الركود الاقتصادي العالمي كانوا يعانون للعثور على وظائف تناسب مؤهلاتهم. ويضرب مثالًا بحالة روبرت علام، الذي انتهى به المطاف في المملكة المتحدة، بعد أن قضى طفولته بين لبنان واليونان.
زار علام لندن للمرة الأولى عام 2006 من أجل الالتحاق بالجامعة، وحصل على شهادة الماجستير في هندسة المناظر الطبيعية من جامعة شرق لندن. ورغم أنَّه أتى إلى لندن تحديدًا بحثًا عن فرص عملٍ أفضل، لم يحصل على وظيفة. إذ إنَّ التخرُّج في الجامعة خلال الركود العالمي كان يعني مواجهة أزمة ندرة الوظائف، ولم يكن مجاله استثناءً لتلك القاعدة.
ووفقًا لـ«بي بي سي»، أضرت الأزمة المالية العالمية لعام 2008 بجيل الألفية أكثر من غيره. إذ انضم خريجو الجامعة الجُدد إلى القوة العاملة التي أُضيف إليها 30 مليون عاطل عن العمل بين عامي 2007 و2010. وحصل 43% من الخريجين الجدد في الولايات المتحدة على وظائفَ لا تتطلب شهادةً جامعية.
وقضى جيل الألفية السنوات العشر التالية في محاولة تعويض ما فاته على خلفية التقشف المالي و«الإصلاح الاقتصادي دون توفير ما يكفي من الوظائف». ومن بين 43% من جيل الألفية الذين يُعانون من البطالة المُقنَّعة، ظل 29% منهم على هذه الحال لخمس سنوات، وبعد مرور عِقْدٍ من الزمن، انخفضت تلك النسبة بتسع نقاطٍ مئوية فقط.
ويضيف الموقع أنَّه أثناء بحثه عن وظيفةٍ في أعقاب تخرُّجه عام 2013، بدأ علام في المشاركة على موقع «ريديت» تحت اسم المستخدم «Gallowboob». يحل ريديت في المركز الثامن عشر على قائمة المواقع الأكثر شعبية في العالم، وأصبح مركزًا يُعبِّر من خلاله أبناء جيل الألفية الذين يُعانون من البطالة المقنعة والحرمان من حقوقهم عن خيبة أملهم، اعتمادًا على قدرة هذا الجيل على استخدام وسائل التواصل المختلفة، من بين أسبابٍ أخرى.
وأصبح «Gallowboob» وما يزال واحدًا من أشهر الناشرين على «ريديت» وأغزرهم إنتاجًا. كان محتواه ينتشر كالنار في الهشيم على الفور، ويُعرض له منشورٌ على الصفحة الرئيسية لموقع ريديت بصورةٍ شبه يومية. وبعد مرور خمس سنوات، استفاد علام من نجاحاته في «ريديت» ليكسب قوته اليوم من العمل مديرًا للتسويق في شركة «سابلود» الرقمية ومديرًا للمحتوى في موقع «بورد باندا».
يقول علام: «نحنُ نعتمد على كثيرٍ من التقنيات والمنصات المُتغيِّرة. وانتهى بنا الأمر بفهم بنية الإنترنت».
بحسب «بي بي سي»، يُعتبر ريديت بمثابة مساحةٍ فارغةٍ لنشر وصناعة المحتوى بواسطة المستخدمين، واختيار المحتوى الأكثر مشاهدة. وتصل المشاركات إلى قمة الصفحة الرئيسة للموقع بناءً على عدد الأصوات التي تحصل عليها. وتعكس الـ«ميمز» التي تنتشر سريعًا روح العصر، سواءٌ كانت مَرِحةً وخفيفة الظل أو مُحبِطَةً ومُثيرةً للقلق. إذ أنَّ نفس ظاهرة الإنترنت التي قدَّمت لنا موقع «‘I Can Haz Cheezburger cat» قبل سنوات، تُساعد المستخدمين الآن على الخوض في خيبات أملهم بسبب البطالة والصعوبات المالية.
أصبحت الـ«ميمز» مُتنفسًا سهلًا وجاهزًا للتعبير، ويُعَدُّ ريديت منتدًى متاحًا وجاهزًا لبث تلك المشاعر. ويُمكن لصورةٍ مُرفقةٍ ببضع كلماتٍ أن تتصدى للصورة النمطية السائدة عن جيل الألفية، بأنَّه كسولٌ ويتمتع بالعديد من الامتيازات، وهي الصورة التي يُصدِرُها أبناء جيل طفرة المواليد والجيل «إكس»، وتفعل الصورة ذلك في وقتٍ يَمُرُّ خلاله الناس في مختلف أنحاء العالم بنفس التجربة.
ويقول علام: إنَّ تلك «الـ«ميمز» عن التقشف» قدَّمت مُجتمعًا من نوعٍ آخر، إذ «وَّفرت مناخًا من الاكتئاب يلتف (الناس) حوله، ويشعرون بالتواصل الفكري بين بعضهم البعض».
وبالنسبة لأولئك الذين يُصممون الـ«ميمز» ويشاركونها، أصبحت ميمات التقشف أكثر من مجرد محاولةٍ عالميةٍ لنشر الفكاهة. بل وفَّرت عوضًا عن ذلك وسيلة اتصالٍ شبه شفويةٍ ساعدت الناس على التنفيس عن إحباطهم، من أي مكانٍ في العالم، داخل مجتمعٍ عالميٍ يُدرك تمامًا ما يَمُرُّ به صانعوها.
«أرضٌ خصبةٌ جدًا»
يوضح التقرير أنَّه خلال الأزمة العالمية، وفَّرت الـ«ميمز» مُتنَفَّسًا للتعبير عن الشعور العالمي بانعدام الأمان في ما يتعلَّق بالمستقبل الذي ينتظر جيل الألفية، ومنحت جيل الإنترنت وسيلةً لمناقشة تلك القضايا بطريقةٍ شبه فورية.
ويشير تقرير «بي بي سي» إلى ميشيل كوسكيا، الأستاذ المساعد لتقنية المعلومات في جامعة كوبنهاجن، والذي يدرس الطريقة والكيفية التي اكتسبت بها الـ«ميمز» تلك الشهرة الواسعة على الشبكات الاجتماعية.
يقول كوسكيا: «إنَّ أحد أهم الأسباب يرجع إلى السرعة الهائلة لمشاركة الأفكار والتعليق عليها عن طريق أعدادٍ متزايدةٍ من الـ«ميمز» التي تُخاطِب بعضها البعض». وقال: «تُعَدُّ الـ«ميمز» والشبكات الاجتماعية بيئةً سريعةً جدًا لإرسال الرسائل الفورية. وتصميم واحدةٍ منها هو أمرٌ بالغ البساطة، ويسهل الحصول على ردٍ فوريٍ عليها».
في البداية، اختُزِل الأمر في ميمات الحيوانات اللطيفة والملاحظات المضحكة. لكن مع انخراط العالم في أسوأ أزمةٍ اقتصاديةٍ يمُر بها هذا الجيل، وجد مستخدمو الإنترنت أنَّ نظام تواصلهم العالمي يُمكن أن يساعدهم في التعبير عن خيبات أملهم وآرائهم خارج إطار عمل وسائل الإعلام التقليدية.
ويضيف كوسكيا: «تُعتبر حالة التقشُّف بمثابة أرضٍ خصبةٍ جدًا لفعل ذلك، لأنَّه من السهل التعبير عن الآراء المتشددة بشأنها. وتُعَدُّ الآراء المُتشددة أكثر أصالةً من الآراء المعتدلة. وإذا كنت متشددًا، فستلفت الأنظار بسهولةٍ أكبر».
ظهرت الكثير من المواضيع الحميدة في الـ«ميمز» الأولى: القطط والتورية اللفظية والحقائق عن الممثل تشاك نوريس. لكنَّ خطاب الـ«ميمز» تكيَّف مع تطوُّر الأوضاع الاقتصادية. وأصبحت الـ«ميمز» شخصيةً ومُوَجَّهةً أكثر، لأنَّها عبَّرت عن خيبة الأمل الجماعية التي شعر بها جيل الألفية.
ويتابع كوسكيا: «لا تُعَدُّ البيئة نفسها محايدةً في طبيعتها بالنسبة للرسائل. وفي حال كان المحتوى أصليًا، وتمكَّنت من تصميم شيءٍ أقل شبهًا بالـ«ميمز» السابقة، فسينتشر على الأغلب كالنار في الهشيم».
ومع انطلاقة الـ«ميمز»، لعب المصممون على نغمة الوضع المالي العالمي بطرقٍ فريدةٍ من نوعها. وفي خِضَمِ الخطاب الدائر، سخرت الـ«ميمز» من قطاع الخدمات المالية بنشر صورٍ لـ«شبانٍ مُغتمِّين في قاعات البورصة». في حين انتهجت ميماتٌ أخرى نظرةً ساخرةً تجاه نسبة الواحد بالمئة من سكان الأرض على طريقة «الغراب الثري»، الذي صُمِّم للسخرية من النخبة العالمية التي نجت من الأزمة بسلام.
وتميَّزت الـ«ميمز» الأكثر شعبيةً قبل الركود بخفة الظل أو الخروج عن المألوف بغرض المتعة فقط، لكنَّ الركود أسهم في خلق ظاهرةٍ عالميةٍ جديدةٍ فرضت نفسها على الـ«ميمز». ويقول كوسكيا: «لم يكن هذا النوع من الـ«ميمز» موجودًا قبل عام 2007. وفي أعقاب ذلك العام، جرى حديثٌ داخليٌ مونولوجيٌ مُطوَّل على الإنترنت. في السابق كان الأمر مجرد صورٍ للقطط».
الـ«ميمز».. آلية للتعايش
وفقًا لـ«بي بي سي»، بعد مرور عِقْدٍ من الزمن على سياسات التقشُّف والركود العالمي، ومع تعافي بعض الاقتصادات العالمية من آثار عام 2008، ما يزال عددٌ من المهنيين الشباب يُحاولون اللحاق بالركب. إذ يسعى بعضهم إلى سلك مساراتٍ وظيفيةٍ جديدة، أو التمسُّك يائسين بما يُمكن وصفه بأنَّه حياة عملٍ «طبيعية». وما زالت بطالة الشباب في بعض الدول مثل اليونان تُسجِّل أعلى مستوياتها.
ولعله ليس من المُستغرب في هذه الحالة أن تظل ميمات التقشُّف منتشرةً على الإنترنت حتى يومنا هذا.
وفي بعض الحالات، تأتي تلك المونولوجات من مصادرَ غير متوقعة. ففي سبتمبر (أيلول)، أثارت صفحة شركة شرائح اللحوم الأمريكية Steak-umm على تويتر ضجةً كبيرةً حين نشرت تحليلًا من ست أجزاءٍ عن المخاوف والقلق وحالة فقدان الأمل التي يُعاني منها جيل الألفية. وكان البيان عفويًا للغاية. لكن بدلًا عن حذف المنشورات سريعًا وإلقاء اللوم على مدير الشبكات الاجتماعية المسؤول عنها، قرَّرت الشركة الاحتفاظ برسائلها المنشورة، هي وابن جيل الألفية المسؤول عن نشرها.
هذا الشخص المسؤول عن نشر الرسائل كان ناثان أليباك، البالغ من العمر 27 عامًا، وهو مُنسِّق الشبكات الاجتماعية المسؤول عن حسابات الشركة على مختلف الشبكات الاجتماعية. لا تُمانع صفحة الشركة الظهور في صورةٍ انفعاليةٍ بعض الشيء، بنشر منشوراتٍ غير اعتياديةٍ تستخدم الـ«ميمز» الأكثر شعبية، والدخول في مشاحناتٍ مع صفحات العلامات التجارية البارزة على «تويتر». لكنَّ منشور أليباك عن مخاوف جيل الألفية وخيبات أمله ضرب على وترٍ أشد عمقًا، وعبَّر عن الكثير من المشاعر التي ظهرت في ميمات عصر التقشف.
وفي وسط ذلك الارتباك، تفاعل متابعو الصفحة بالثناء على المنشورات. ويقول أليباك: «يبحث الناس جاهدين عن أي شكلٍ من أشكال التواصل والتضامن. فهم أشبه بالمُقيَّدين تحت الماء؛ وبمجرد صعودهم إلى السطح للتنفس، يبحثون عن شيءٍ مرتبطٍ بهم».
أين ذهبت جميع القطط؟!
يختم تقرير «بي بي سي» بتوضيح أنَّه في الفترات التي شهدت اضطراباتٍ اقتصادية، سمحت تلك الـ«ميمز» للجيل المحروم اقتصاديًا أن يتشارك نوعًا من التضامن، ويبدو أنَّها ظلَّت مُتنفسًا للغرض نفسه. ومن ناحيةٍ أخرى، سَهَّلت التفاهة والفكاهة انتقال الـ«ميمز» بسهولةٍ عبر الحدود الدولية والانقسامات السياسية.
لكنَّ كوسكيا يرى أنَّ العالم «كان قبل 2008 لطيفًا للغاية، حين كان بإمكانك النظر إلى صور القطط فقط لتشعر بالرضا».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».