نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية تقريرًا تتناول فيه صعود قيمة شركة «مايكروسوفت» لتصبح الأعلى في العالم، متفوقةً على منافساتها «آبل» و«أمازون»، وينسب التقرير الفضل في هذا الصعود إلى مديرها التنفيذي ساتيا ناديلا، الذي ركز على بيع الخدمات الحاسوبية سريعة التطور للشركات، رغم كونها مملةً، بدلًا عن محاولات الشركة المنافسة في قطاعاتٍ متعددة للصناعات الاستهلاكية على مر السنوات الماضية.

 

يشير التقرير إلى أنَّ قيمة «مايكروسوفت» السوقية قد وصلت إلى 851.36 مليار دولار عند إغلاق مؤشرات البورصة الجمعة الماضية، أي أكثر بأربعة مليارات من قيمة شركة «آبل»، وتفوقت أيضًا بذلك على «أمازون» و«فيسبوك» و«ألفابت»، الشركة الأم لشركة «جوجل»؛ وجميعها شركات تكنولوجية عانت من جلسات الكونجرس، وقلق المستثمرين من حجم نموها، وتغريدات ترامب اللاذعة، إلا أنَّ ناديلا نجح في تجنب هذه الانتقادات بدرجةٍ كبيرة.

 

استراتيجية ناديلا

 

لم تحُز الشركة هذا اللقب منذ 2003، ويعود الفضل في عودته إلى سعي ناديلا الحثيث لتقديم خدمات الويب المعروفة باسم الحوسبة السحابية، والتي هددت بإضعاف نشاط الشركة في بيع برمجيات الأعمال ومراكز البيانات للأفراد والشركات. ويقول مات ماكلوين، المدير التنفيذي لمجموعة «مادرونا فينشر جروب»، وهي شركة تستثمر في شركات الحوسبة السحابية الناشئة: «وضعوا استراتيجية للسحابة (الإلكترونية) عندما كانت في بداية ظهورها. وعندما بدأت الشركات تعمل على توفير الخدمات السحابية كانت «مايكروسوفت» قد بدأت في التمكن منها».

 

Embed from Getty Images

ناديلا متحدثًا إلى الحضور في غداءٍ لنادي شيكاغو الاقتصادي شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2018.

 

يقول التقرير: إنَّ صعود «مايكروسوفت» سابقًا كان بسبب نظام تشغيلها ويندوز، وحزمة برامج «أوفيس»، والقيادة العدائية للشريك المؤسس بيل جيتس، الذي استغل احتكار نظام ويندوز ليفتح أسواقًا جديدة، وهي الاستراتيجية التي بدأت معاركَ مع السلطات التنظيمية في أمريكا وخارجها. وأدى حل هذه الأمور إلى وضع قواعد جديدة لسلوك الشركة، لكنَّ هذه القواعد أبطأت نموها، وعانت أسهم الشركة من الركود لعقدٍ كامل. لكنَّ قيمتها تضاعفت ثلاث مرات منذ تولي ناديلا منصب المدير التنفيذي منذ خمس سنوات، ليساهم في زيادة ثروة بيل جيتس وستيف بالمر، مديرها التنفيذي السابق، الذان لا زالا من بين أكبر المساهمين في «مايكروسوفت»، ومن بين أغنى الأشخاص في العالم.

 

وبحسب ما قاله بالمر في المؤتمر التكنولوجي «دي لايف» الذي أقامته صحيفة «وول ستريت جورنال» في نوفمبر (تشرين الثاني): «تقوم «مايكروسوفت» اليوم على أعمال الشركات، فقد نقل ناديلا الشركة التي كانت تحقق أرباحًا، وتصنع تكنولوجيا جيدة إلى مستوياتٍ جديدة تمامًا».

 

وتضيف الصحيفة أنَّ خدمة «مايكروسوفت آزور» كان لها دورٌ رئيس؛ فمبيعاتها ارتفعت بأكثر من 76% في كل ربع منذ بدأت الشركة في نشر الأرقام المتعلقة بها في أكتوبر عام 2015. وتابع بالمر متحدثاً عن ناديلا: «أرى أنَّ ساتيا قام بعملٍ رائع، وأرى أنَّ هذا عظيم، وكوني مساهم في الشركة أراه أعظم وأعظم».

 

بحسب التقرير، أراد ناديلا تغيير ثقافة «مايكروسوفت»، وبدأت الشركة في عهده اتخاذ مواقف علنية من قضايا جدلية، فنادت بوضع قوانين تنظم تقنية التعرف على الوجه وتحدد الاستخدام المسؤول لبرمجيات الذكاء الاصطناعي. وابتعد ناديلا عن بعض رهانات بالمر، إذ فكَّك نشاط الهواتف الذكية، ومنح أولويةً للعمل مع الشركاء في الحوسبة السحابية وغيرها، ليتيح تطبيقات «مايكروسوفت» الشهيرة على متاجر أنظمة «الأندرويد» و«الآي أو إس». ويقول بوب موجيلا، المدير التنفيذي لشركة «سنو فليك» لخدمات الحاسوب وتخزين البيانات، والذي كان أحد المديرين السابقين في «مايكروسوفت»: إنَّهم «نجحوا تحت قيادة ساتيا؛ لأنَّهم طوروا شخصيةً مختلفة للشركة».

 

الصراع مع أمازون

 

لا زالت «أمازون» تسيطر على السحابة الإلكترونية؛ إذ كانت تستحوذ العام الماضي على 51.8% من سوق بنية الحوسبة السحابية، بحسب شركة «جارتنر» للأبحاث السوقية. وتأتي «مايكروسوفت» بعدها في المرتبة الثانية بنسبة 13.3%.

 

وبحسب التقرير، تشير توقعات وول ستريت إلى استمرار الحوسبة السحابية في الازدهار، وتوقعت «جارتنر» أن يصل حجم السوق من 23.6 مليار دولار العام الماضي إلى 63 مليار دولار في 2021.

 

لا تُغفل «أمازون» حضور «مايكروسوفت»، ففي المؤتمر السنوي لخدمات «أمازون ويب» يوم الأربعاء الماضي 28 نوفمبر، أخبر آندي غاسي مدير الحوسبة الحسابية في أمازون الصحافيين بأنَّ «أمازون» تجني مالًا أكثر مما تجنيه «مايكروسوفت»، حتى وإن كان معدل نموها أبطأ. وقدَّم خلال المؤتمر خدمةً جديدةً لعملائه تتيح لهم تشغيل الحوسبة السحابية لأمازون من مراكز بياناتهم الخاصة، مستهدفًا بذلك نقطة قوة «مايكروسوفت».

Embed from Getty Images

وبحسب الصحيفة، يرجع نهوض «مايكروسوفت» مجددًا إلى برمجيات الأعمال أيضًا، والتي ساهمت في حصول الشركة على لقب أعلى الشركات قيمةً منذ قرابة العقدين. من هذه البرمجيات النسخة التجارية من أوفيس 365، وهي الخدمة السحابية المناظرة لبرامج أوفيس التقليدية. الخدمة متاحة للمستخدمين باشتراكٍ دوري، وتشكل الآن نحو ثلث أرباح الشركة، وصارت أحد أسرع قطاعاتها نموًا.

 

كانت «مايكروسوفت» إحدى القوى المسيطرة في عالم التقنية، وكان استخدامها لهذه القوة سببًا جعل الولايات المتحدة تسعى لإضعافها، لكن في السنوات الأخيرة لم يُركِّز المشرعون والهيئات التنظيمية على «مايكروسوفت»  بالقدر نفسه.

 

إذ لم تبنِ الشركة شبكةً اجتماعية مثل فيسبوك لتثير المخاوف بشأن أمن البيانات والمعلومات الخاطئة. وتأتي في المركز الثاني بعد جوجل بفارقٍ كبير في تطوير محركات البحث، لتُبعد عنها تهمة جمع البيانات. ويحظى جهازها «سيرفس» وجهاز الألعاب «إكس بوكس» بنصيبٍ صغيرٍ جدًا من أعمالها، إلى الحد الذي يحمي كلاهما من التأثر بالحرب التجارية بين بكين وواشنطن، أو بعاصفةٍ من الانتقادات لتصنيع المنتجات خارج أمريكا.

 

ويختم التقرير بالحديث عن الهواتف الذكية في «مايكروسوفت»، والتي كانت بحسب وصفه «محاولةً فاشلة». فقد تولت «مايكروسوفت» في النهاية مسؤولية شركة نوكيا بعد أن استحوذت عليها بأكثر من 9.4 مليار دولار، لكنَّ هذا الإخفاق الذي كلَّف الشركة الكثير منذ سنواتٍ عدة أدى إلى حماية «مايكروسوفت» اليوم من التراجع في سوق الهواتف الذكي، الذي هوى بأسهم «آبل» خلال الأسابيع الماضية.

 

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد