بعد انتهاء ثورة يناير، سيطرت الأحزاب الإسلامية على كافة الاستحقاقات الانتخابية حتى عام 2013، سواء كان ذلك عبر حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، أو حزب النور السلفي. ورغم أنه يمكن أن تعزى الشعبية التي تحظى بها حركات الإسلام السياسي إلى البرامج الاجتماعية والمساعدات التي كانت توفرها للفقراء، إلا أنه قد جرى تجاهل عنصر فاعل هام، وهو الدور المؤثر لهجرة المصريين إلى السعودية على توجهاتهم السياسية.
أجرت صحيفة واشنطن بوست دراسة ميدانية في عام 2012 لتسليط الضوء على العلاقة بين تلك الهجرة وصعود المذهب السلفي في مصر.
شملت الدراسة 1100 مصري من مختلف مناطق البلاد. وقد أظهرت العينة أن 20% ممن جرى أخذ آرائهم كانوا جزءًا من عائلة مهاجرة، بمعنى أن أحد أفراد العائلة عمل خارج مصر مدة ستة أشهر. ومن بين تلك العائلات ما يصل إلى 31 في المئة، أو 6 في المئة من مجمل العينة، ممن لديهم قريب يعيش في السعودية.
من المعلوم أن المصريين هاجروا بكثافة إلى دول الخليج منذ إنشاء الأخيرة. حيث كانت تلك الدول الوليدة في حاجة إلى عاملين في شتى المجالات للمساهمة في بنائها. ومع ظهور البترول في باطن أرض دول الخليج، تسارعت تلك الهجرة وازدادت زخمًا. كما أن الفرص الاستثمارية التي لاحت في دول الخليج جذبت اهتمام المستثمرين المصريين. وبالطبع كان للقمع السياسي الذي مورس في حقبتي الخمسينيات والستينيات دور هام في ذلك الأمر.
وقد قبلت الممالك الخليجية بوجود القادة الإسلاميين الفارين من الاضطهاد في مصر، لكنها اشترطت عليهم ألا يتدخلوا في شؤونها الداخلية. وحسب الإحصائيات، بلغت الهجرة العربية عامة إلى دول الخليج ذروتها في السبعينيات، حيث بلغت حاجز الـ90% من نسبة المهاجرين إلى الخليج.
ولم تتأثر هجرة المصريين إلى الخليج إبان حرب «عاصفة الصحراء» والفضل في ذلك إلى المشاركة الفعالة التي قدمتها مصر في الحرب ضد صدام حسين. تظهر الإحصاءات أن المصريين كانوا أصحاب أكبر جالية عربية في السعودية في التسعينيات، يليهم اليمنيون والفلسطينيون. كما كان للمصريين تواجد معتبر في الكويت والإمارات العربية المتحدة. ويعتقد أن الإحصاءات الرسمية ليست دقيقة لأنها أغفلت الهجرة غير الشرعية.
كيف إذن أثرت عمليات الهجرة هذه على توجهات الناخبين في مصر؟
يقول الكاتب إن النتائج التي توصل إليها أن معظم من هاجروا إلى دول الخليج قد منحوا أصواتهم إلى الأحزاب الإسلامية. وقد بلغت نسبة المصوتين من غير المهاجرين نسبة 30% بينما بلغت نسبة تصويت العائلات المهاجرة حاجز 36.% وكان حزب الحرية والعدالة هو الأكثر حصدًا لتلك الأصوات. والغريب في الأمر هو أن نسبة المصوتين للحزب في السعودية لم تختلف بين العائلات المهاجرة وغير المهاجرة. لكنها اختلفت في كل من الإمارات العربية المتحدة والكويت.
وجهة الهجرة ونتائج الانتخابات البرلمانية في 2011 و2012
أما حزب النور السلفي، فقد كان أكبر دعم حصل عليه قادم من المملكة. فقد بلغت نسبة التصويت له في السعودية 32.% ويعزى جانب كبير من النجاح الانتخابي لحزب النور إلى العائلات المهاجرة إلى السعودية.
لكن الصحيفة تقر بأن نتائج هذه الدراسة اصطدمت بعدة قيود، حيث إنها أهملت المناطق غير الحضرية، ولا يمكن تحديد التوجهات السياسية لهؤلاء المهاجرين إلا بعد وصولهم وجهتهم الأخيرة.
ويختتم المقال بالقول «إن تدفق العمالة كان له تأثير كبير على الهيكل السياسي والاجتماعي والاقتصادي المصري. ومنذ أحداث الثالث من يوليو (تموز) في عام 2013، بدأت السلفية الجهادية تجد موطئ قدم لها في مصر». لكن البحث في العلاقة بين الهجرة والاستبداد يحتاج إلى دراسة أعمق.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».