تتشابه أعراض الإصابة بـ«فيروس كورونا» مع العديد من أمراض الجهاز التنفسي الأخرى، ومع قلّة البيانات المؤكدة التي نعرفها حتى الآن بشأن الوقاية من هذا الفيروس، تنتشر ظاهرة ارتداء الكمّامات بأنواعها في الأماكن العامة للحماية من العدوى. يناقش تقريرٌ حديث منشور على موقع «Gizmodo» مدى فعاليّة هذه الأقنعة في مواجهة هذا التفشّي والخيارات الأخرى المتاحة لاتخاذ التدابير الأمثل في حال الخوفِ من الإصابة بالفيروس.
ظاهرة عالمية
ارتفع عدد الأشخاص المرتدين لأقنعة الوجه في الأماكن العامة والشوارع في الأسابيع الأخيرة، وإذا زرتَ أي مطارٍ مؤخرًا لا بدّ أنك لاحظت زيادتها في كل مكان، إذ غدت الكمّامات علامة بارزة على المخاوف التي أثارها «فيروس كورونا» بعد ظهوره في الصين والدلائل التي تبرهن على قدرته الفائقة على الانتقال الواسع بين البشر، فضلًا عن حالات الإصابة بالفيروس المستجدّة في مختلف البلدان خارج الصين. قد توفّر الأقنعة شعورًا مريحًا بالحماية، لكن يبحث التقرير في مدى فعاليّتها في منع انتشار مثل هذا المرض، وكذلك الإجراءات الأخرى التي يمكن اتّباعها للوقاية من العدوى بالفيروس.
يمكن منطقٌ بسيط وراء ظاهرة ارتداء كمّامات التنفس في الأماكن العامة مع تفشّي الأمراض الفيروسية. لم نتمكن من معرفة آلية انتقال «فيروس كورونا» الحديث «2019-nCoV» رسميًا، أو الطرق الأفضل لمنع انتشاره من شخصٍ لآخر، وإذا ما كان الأمر محصورًا بالاتصال الوثيق بين الأشخاص. سواءً كان الفيروس معديًا أم قادرًا على الانتشار قبل ظهور الأعراض، بكلّ الأحوال غالبًا ما يُظهر الضحايا المصابون به أعراضًا مثل السعال وسيلان الأنف وهو ما يسهّل انتشار الفيروس من خلال القطيرات المنقولة جوًّا.
يرتدي الأشخاص المهتمّون بحماية أنفسهم من العدوى الأقنعة الجراحية عمومًا، وهي الخيار الأكثر شيوعًا، وتكون مصنوعةً من الورق. يرتدي العاملون في مجال الرعاية الصحية كمامات وأجهزة تنفسية أثقل وأمتن، وهي كمّامات تعمل على تنقية وتصفية جزيئات الهواء وقد تفيد بصورةٍ خاصة أثناء موجات تفشّي الأمراض المماثلة. تُعتبر «أقنعة N95» الخيار الأكثر شيوعًا في هذه الفئة.
أثرٌ إيجابي عام
يُثار الجدل مرارًا حول المستوى الحقيقي لفعالية الأقنعة ضد فيروساتٍ مثل «فيروس كورونا» المستجدّ «2019-nCoV». استعرض باحثون كنديون عام 2014 العديد من الدراساتٍ عالية الجودة التي تختبر مدى قدرة الأقنعة الجراحية وأجهزة التنفس على حماية العاملين في مجال الرعاية الصحية من «فيروس سارس» (فيروس متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد) –وهو فيروس قريب من فيروس ووهان الحديث – أو «فيروس(RSV)» (فيروس الجهاز التنفسي المخلوي) وهو مصدر شائع لأمراض الجهاز التنفسي. توصل الباحثون الكنديون إلى نتيجةٍ تقع تمامًا في المنتصف ما بين الآراء المتعاكسة: إذ وجدت ثلاث دراسات أن الأقنعة لها تأثير وقائي، فيما نفت ثلاث دراسات وجود أي تأثير لهذي الأقنعة.
وعلى الرغم من النتائج غير المثمرة للأبحاث السابقة، إلا أنّ الباحثين الكنديين وجدوا في مراجعتهم تأثيرًا وقائيًا لاستخدام أجهزة التنفس مقارنةً بالأقنعة الجراحية البسيطة، وذلك بغض النظر عن محدوديّة البيانات المتاحة. لا يعني هذا أن ارتداء الأقنعة لا نفع له في مواجهة «فيروس كورونا» الحديث؛ لأن هذه الأقنعة بمقدارِ ما تمنحه من حمايةٍ طفيفة تبقى أفضل من عدمِ فعل أيّ شيء على الإطلاق. تحمي الأقنعة الجراحية البسيطة من العديد من الأمراض المعدية الأخرى أيضًا – مثل الأنفلونزا – وهو أمر كاف لتبرير استخدامها المنتشر عالميًا في أماكن الرعاية الصحية، وفي العالم الخارجي على حدٍّ سواء.
على سبيل المثال، وجدت تجربة سريرية عام 2008 أن الأسر التي استخدمت أقنعة الوجه الورقية بعد أن زار أطفالها غرف الطوارئ لإصابتهم بأمراضٍ مماثلة للأنفلونزا كانوا أقل عرضة بنسبة 80% لأن يصاب أعضاء آخرون من الأسرة بالمرض مقارنةً بالأسر التي لم تستخدم الأقنعة الورقية، وذلك شريطة أن تستخدمها الأسرة بالقدرِ والشكل اللازمين. ووجدت دراساتٌ أخرى متعلقة بمساكن الطلبة الجامعيين والوحدات الأسرية أن للأقنعة تأثيرًا وقائيًا مماثلًا، علمًا أن الأشخاص في هذه الدراسات طُولِبوا بالحفاظ على النظافة بالغسل الجيد لليدين.
لكن لا تبالغ في تقدير فعالية القناع الجراحيّ في مواجهة الأمراض المعدية، خاصةً إذا لم تكن مريضًا بنفسك وتستخدم الأقنعة لتتجنب الجراثيم المحمولة من قبل أشخاصٍ آخرين.
وقايةٌ بالحدّ الأدنى
لا يمكن التعامل مع الأقنعة الجراحية باعتبارها الحلّ الأخير والجدار الواقعي في مواجهة الأمراض المعدية؛ إذ قد يتسبب ذلك في إغفال أمورٍ أهم للوقاية الصحية. يستشهد التقرير بكبير المسؤولين الطبيين السابق في وكالة المواد السمية وسجلات الأمراض التابعة لمراكز مكافحة الأمراض واتقائها روبرت آملر – وهو عميد كلية الطب في نيويورك حاليًا – وينقل عنه تصريحه بشأن الأقنعة الجراحية: «ليست مصممة لحماية مرتديها من الآخرين. عوضًا عن ذلك فهي مصممة لحماية الآخرين من قطيرات بلغم مرتديها نفسه».
يوصي مركز السيطرة على الأمراض أي شخصٍ مشتبه – أو مؤكد – بإصابته بفيروس ووهان بارتدء أقنعة الوجه كلما وجد في الغرفة مع شخصٍ آخر. وإذا لم يكن باستطاعة المريض ارتداء قناع، ينصح المركز الأشخاص الآخرين الذي يوجدون معه بارتداء الأقنعة بدلًا عنه. يُطلب من العاملين في مجال الرعاية الصحية ارتداء الأقنعة أيضًا بأجواء الأشخاص المشتبه بإصابتهم بالفيروس وذلك أثناء الفحوصات الأولية.
مقارنةً بأجهزة التنفس والكمامات المعقدة، تُعتبر الأقنعة الجراحية أسهل للاختراق وأكثر ارتخاءً، وهو ما يسهّل من تسرّب الهواء بما يحمله إلى داخلِ الأقنعة ومن خلال حوافها. ليست هذه الخاصية أمرًا مثاليًا في الأقنعة، لكنها مع ذلك تمنع بعض القطرات والرذاذ من الوصول إلى وجهك. كما تبعد الأقنعة يديك عن ملامسة وجهك، وهو أمر يفعله معظم الأشخاص أكثر مما يدركون.
تمنع الأقنعة الجراحية بعض القطرات والرذاذ من الوصول إلى الوجه، كما تبعد يديك عن ملامسة وجهك وهو أمر يفعله معظم الأشخاص أكثر مما يدركون.
وحتى لو كان هناك متجر مستلزمات طبية متاح أمام يديك، فإن أقنعة التنفس المتخصصة من نوع «N95» لا تخلو من العيوب هي الأخرى. يشرح التقرير أن هذه الأقنعة تحمل السمعة الأفضل في الوقاية من البكتيريا والملوثات الدقيقة في الهواء، ويرتديها الوجه بإحكام لكنها غير مريحة للارتداء والتنفس لفترةٍ طويلة جدًا، خاصة إذا كان لديك مشاكل في الجهاز التنفسي أصلًا. لا تناسب أقنعة «N95» الأطفال الصغار ولا الأشخاص ذوي شعر الوجه.
يوجّه التقرير إلى التركيز على النقطة الأهم والهدف الجذري وراء كل هذه الخيارات: ارتداء القناع هو الأمر الأبسط الذي يمكنك فعله للحفاظ على نفسك والآخرين في مأمنٍ من الأمراض المعدية، وأن هناك خيارات متعددة أخرى ينبغي عليك تذكّرها على الدوام. يقول آملر إن غسل يديك بصورةٍ متكررة وتجنب الاتصال الوثيق مع الأشخاص المصابين هي «تدابير وقائية مناسبة على الجميع ممارستها». وأخيرًا إذا كنت تشعر بالمرض ابق في المنزل.
يُعتبر ارتداء القناع من أبسط الأمور الممكنة للحفاظ على النفس من الأمراض المعدية، كما أن غسل اليدين بصورةٍ متكررة وتجنب الاتصال الوثيق مع الأشخاص المصابين هي تدابير وقائية مناسبة على الجميع ممارستها.
ويذكّر التقرير بأنه وبالرغم من عمومِ حالة القلق من خطورة انتشار «فيروس كورونا» وتحوّله إلى وباء عالي، إلا أن التهديد الفعلي الأهم لأغلبنا حاليًا هو «فيروس الأنفلونزا». تسبب هذا الفيروس بمرض 15 مليون أمريكي في الموسم الأخير، مدخلًا 140 ألف أمريكي للمستشفى، وينصح التقرير القراء باتخاذ كافة التدابير التي أصدرتها الجهات الرسمية، بما في ذلك إجراء اللقاحات الأساسية.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».
علامات
أسرة, أعراض فيروس كورونا, أعراض كورونا, أمراض التنفس, أمريكا, أوبئة, الصحة العالمية, الصين, بحوث ودراسات, تحور الفيروس, تربية, ترجمات, تعليم, تكنولوجيا, سارس, صحة, طب, عائلة, علوم, كورونا, مشافي, نصائح, وباء, وباء عالمي, وقاية