انتقدت الصحفية «روز أساني» النهج الذي يتبناه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي قد تتحول تركيا من خلاله من دولة ذات وجهة غربية إلى جمهوري إسلامية تمحي أركان الدولة التركية التي بناها مصطفى كمال أتاتورك.

تعليقات أساني عبرت عنها في تدوينة نشرها موقع «Spectator» البريطاني مؤخرًا.

الكاتبة استهلت المقال بقولها: «في يوم من الأيام  سيتحول جسدي إلى غبار، إلا أن الجمهورية التركية ستحيا إلى الأبد»، هكذا قال «مصطفى كمال أتاتورك»، مؤسس الدولة الحديثة. على هذا النحو حظى أتاتورك بمكافأة خاصة في تاريخ تركيا وأطلق عليه لقب «أبو الاتراك». والواقع أن هذا هو ما يعنيه أتاتورك، اللقب الذي منحه له الناس».

وأضافت الكاتبة أنه من المستحيل أن تكون في تركيا دون أن ترى صورة لأتاتورك في أي مكان تذهب إليه. وجهه يزين العملة الورقية والمعدنية، كما أنها محفورة على لوحات، وطبعت على الأعلام والتماثيل التي تحتفي بالرجل هي أكثر من أن تحصى، بل إن هناك متجر في اسطنبول لديه سلعة واحة وهي أقنعة لأتاتورك مغلفة بالذهب. بات الرجل رمزًا للأتراك. هو تركيا وتركيا هي هو، وفق ما ذكرت الكاتبة.

وتساءلت الكاتبة بقولها:ولكن إلى أي مدى قد يستمر ذلك؟

الكاتبة أشارت إلى أن رؤية أتاتورك كانت لتحويل أنقاض انهيار الإمبراطورية العثمانية السابقة إلى دولة علمانية قومية غربية، التي تبنت الديمقراطية. وقد تم إدراك الكثير من رؤيته. أصبحت تركيا لاعبًا قويًا على الساحة العالمية، ولديها انتخابات حرة ونزيهة، وهي بلد الابتكار. بل هي أيضًا البلد الذي يبدو أنه يتحول إلى مسار جديد. مسار أكثر قربًا من الدولة العثمانية.

الرؤية الجديدة

وأشارت إلى أن راعي التصميم الذاتي الجديد للأمة هو الرئيس رجب طيب أردوغان. لدى أردوغان رؤية لدولة ذات هوية دينية، بينما يجري تفكيك الديمقراطية ويبدو أنه لا يوجد أحد يستطيع أن يمنعه.

فمنذ محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو(تموز)، يحظى الرئيس التركي بدعم من الطيف الواسع من الإرادة السياسية والعامة ستفعل ما يرغب فيه. تم تمرير حالة الطوارئ. وقد يميل ميزان القوى في اتجاهه، وهو أمر رغب فيه أردوغان لسنوات.

وقالت الكاتب إن حزبه، حزب العدالة والتنمية الحاكم، يتولى  السلطة في البلاد منذ عام 2002. تبنى الحزب اقتصاد السوق الليبرالي وطالب بعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. في ظل هيمنته، شهدت البلاد نمو اقتصادي، ونشرت مخالبها المالية في جميع أنحاء العالم. في مواجهة ذلك، فقد كان تأثير حزب العدالة والتنمية جيد على الاقتصاد في تركيا. ولكن الكاتبة عادت لتقول إنه للأسف، قد تكون تلك هي الإيجابية الوحيدة.

انتقدت منظمات حقوق الإنسان مرارًا تركيا. ومنذ الانقلاب الفاشل هناك مزيد من القلق. وقد أوقف عشرات الآلاف من الناس أو أقيلوا من وظائفهم أو اعتقلوا وألغيت جوازات سفرهم. كما استضاف الرئيس قادة اثنين من أحزاب المعارضة، الذين عبروا عن دعمهم لهذه الخطوات. باستثناء حزب الشعب الديمقراطي (HDP) لا توجد معارضة بالبلاد. وقد يتلاشى ذلك الصوت المعارض قريبًا، بحسب ما ذكرت الكاتبة.

ذكرت الكاتبة أن أردوغان يريد أن يكون للرئاسة صلاحيات تنفيذية، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، ولفعل ذلك هو في حاجة إلى أغلبية الثلثين في البرلمان. كان الرئيس التركي يأمل بعد الانتخابات التي عقدت في يونيو(حزيران) 2015 أن يكون ذلك قابلًا للتحقيق، ولكن حزب الشعب الديمقراطي وضع ثغرة في طريقه بالحصول على مقاعد في البرلمان للمرة الأولى.

وفجأة بدأ حلمه يبدو وكأنه يتلاشى ورأينا لمحة من أردوغان الذي لا يرحم. العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني الذي تقول الحكومة أنه يرتبط مباشرة بحزب الشعب الديمقراطي، أصبحت أكثر وضوحًا وتداعى وقف إطلاق النار المعمول به منذ عام 2013. وحينما عقدت الانتخابات للمرة الثانية حاز حزب العدالة والتنمية الأغلبية التي لا تزال غير كافية لتمرير الصلاحيات التنفيذية المطلوبة.

وفيما يتعلق بالصحفيين في تركيا، قالت الكاتبة إن الصحفيين وجدوا أنفسهم فجأة قد يتم اتهامهم لمجرد توجيه تساؤلات بشأن سياسة الحكومة. تم السيطرة على أكثر الصحف التي كانت تنتقد اردوغان، وألقي القبض على الأكاديميين وأخيرًا تمت إزالة التشريعات التي أعطت النواب حصانة قانونية.

الانقلاب فرصة لأردوغان

محاولة الانقلاب الفاشلة أحبطت من قبل الشعب. وكان الرجل الذي حثهم على تحمل المسئولية هو أردوغان عبر الإنترنت. «انزلوا الى الشوارع كل ليلة»، هكذا طالب أردوغان الجماهير.

هنا قالت الكاتبة إن المسيرات تحولت إلى احتفالات، حولت الأعلام المدن إلى بحر من اللون الأحمر واستلهمت البلاد روح معركة «جاليبولي» في عام 1915، وهي حملة عسكرية شنتها قوات بريطانية وفرنسية مشتركة خلال الحرب العالمية الأولى بهدف احتلال العاصمة العثمانية إسطنبول، دارت معارك الحملة في شبه الجزيرة جاليبولي على مضيق الدردنيل عام 1915، وباءت جهود الحملة بالفشل، وخلال الحملة، بدأ جندي يدعى مصطفى كمال، صعوده إلى الشهرة.

تعرف حملة جاليبولي في الغرب على أنها كارثة الحرب العالمية لونستون تشرشل ولحجم ضحاياها. في تركيا، إنها المعركة التي فازوا بها تحت قيادة مصطفى كمال وزرعت بذور فصل جديد في التاريخ التركي.

الكاتبة تابعت بقولها إن في مسيرات عبر البلاد، تم عرض صور النصر على شاشات عملاقة. ووجه أردوغان خطاباته مع إشارات إلى أتاتورك. وقد اقترح بلا خجل أن هزيمة الانقلاب هي مثل معركة جاليبولي، مما أثار موجة من الاخلاص للرئيس.

واختتمت الكاتبة بقولها: «ما هو أكثر وضوحًا هو أنه جنبًا إلى جنب مع صور أتاتورك، هناك الآن صور لأردوغان. لقد مكنه الانقلاب من نسج أكبر حكاياته حتى الآن، وإزالة فكرة أتاتورك باعتباره الأب الوحيد في البلاد. من خلال ذلك، يمكنه تسخير هذه العاطفة ويدعي أن كل ما يفعله هو للأمة التركية. يمكنه القضاء على الرؤية الغربية لتركيا، والتحول نحو الشرق، نحو جمهورية إسلامية. كان أتاتورك محقًا بشأن شئ واحد، تحول جسده إلى غبار، ولكن ذلك سيطال أيضًا أسس الجمهورية».

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

عرض التعليقات
تحميل المزيد