لو رسخت نفسك بعمق في مؤسسة الرياضة الدولية، لن يستطيع أحد اجتثاثك ولا حتى أعدى أعدائك.
نشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية مقالاً للكاتب جوناثان ليو، تناول فيه استخدام المملكة العربية السعودية للرياضة والرياضيين كوسيلة لتلميع صورتها والتغطية على انتهاكاتها الوحشية لحقوق الإنسان في الداخل والخارج.
يستهل ليو مقاله أن في شهر أغسطس (آب) من العام الجاري، كانت إحدى الحافلات تقل أطفالاً في محافظة صعدة شمال اليمن، عائدة من نزهة. توقفت الحافلة في بلدة ضحيان ليحصل السائق على شربة ماء. وعند هذه النقطة استهدفتها طائرة حربية سعودية بقنبلة موجهة بالليزر.
أسفر هذا الحادث عن مقتل 51 شخصًا، منهم 40 طفلاً، تشوهت العديد من جثثهم إلى درجة عدم التعرف عليها. وقال ليون إنَّ إحدى مجموعات حقوق الإنسان المستقلة وصفت استهداف الحافلة المدرسية هذا بأنه جزء من حملة أوسع ضد العربات المدنية. أما المتحدث باسم التحالف العسكري السعودي فقد وصف الهجوم بأنه «عمل عسكري مشروع».
موقف محرج
بعد ذلك بشهور قليلة، جلس نوفاك دجوكوفيتش ورافا نادال في مؤتمر صحافي في باريس، مستشعرين بعض الحرج، إذ كانا في معرض الدفاع عن قرارهما بلعب مباراة استعراضية مربحة للغاية في جدة في شهر ديسمبر (كانون الأول)، في مواجهة دعوات بإعادة النظر في قرارهما بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا.
قال نادال: «أعرف أنَّ شيئًا بالغ السوء قد جرى هناك. أما الآن، فليست لدينا معلومات كافية»، وقال دجوكوفيتش: «ينبغي أن نحقق في هذا الأمر أكثر من ذلك بقليل».
تساءل ليو، متعجبًا، عن المعلومات الزائدة التي يحتاجها دجوكوفيتش للحكم على بلد تمنع فيه النساء من الحقوق الإنسانية الأساسية، ويتعرض العمال المهاجرون، بشكل روتيني، لسوء المعاملة دون اللجوء إلى القضاء، ويتعرض أعضاء من مجتمع المثليين إلى الضرب والتعذيب. بلد يرتكب، بحسب الكثير من الخبراء، جرائم حرب في اليمن تحت ستار قتال المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
أضاف دجوكوفيتش: «لا أحب أن أنخرط في أي حديث أو مواقف سياسية»، وهي رفاهية لا شك أنَّ الضحايا المذكورين بالأعلى كانوا حريصين على الحصول عليها هم أيضًا.
استراتيجية واسعة النطاق
لكن الإجابة جاءت بعد أسبوعين. ألغيت المباراة فجأة، وكان السبب المعلن إصابة نادال في كاحله. لم يكن إلغاء هذه المباراة، أو ربما تأجيلها (ذلك أنَّ بيان دجوكوفيتش جاء فيه أنَّ المباراة «لن تحدث هذا العام» وهو ما يسمح بالغموض حيال ذلك الأمر)، سوى مشكلة صغيرة في استراتيجية السعودية للسماح للرياضة وأبطالها بالترويج لها.
منذ أسبوعين، لعبت البرازيل والأرجنتين مباراة ودية في جدة، وهي مباراة كانت غير مهمة للجميع باستثناء الحسابات المصرفية للاعبي الفريقين، والسعوديون أنفسهم الذين كانوا قادرين على نشر صور نيمار وباولو ديبالا وفيليبي كوتينيو وهم يلعبون على أرض سعودية أمام جمهور عالمي. وذكر ليو أنَّ جدة، المدينة الثانية في السعودية، قد استضافت أيضًا نهائي سوبر الملاكمة في شهر سبتمبر (أيلول)، حين فاز كالوم سميث باللقب بعد هزيمته لجورج جروفز.
مباراة المصارعة التي استضافتها السعودية
وثمة المزيد في الطريق. إذ سوف تستضيف الرياض افتتاح سباق الموسم الجديد من فورمولا إي في شهر ديسمب ر(كانون الأول). وسوف تستضيف، في شهر يناير (كانون الثاني)، مباراة كأس السوبر الإيطالي بين يوفنتوس وإيه سي ميلان، وهي مباراة قد استضافتها، في السنوات الأخيرة، قطر والصين وليبيا تحت حكم العقيد القذافي. وعلق ليون على ذلك بالقول إنه لم يبق سوى كوريا الشمالية وجنوب السودان لإتمام مجموعة حقوق الإنسان كاملة والفوز بمؤونة عام كامل من عظام المنشقين!
طبعًا، من السهل معرفة ما يحصل عليه النجوم من ذلك. ذلك أنّ حياة نخبة الرياضيين حياة قصيرة ومن الصعب أن نستكثر على من يريد ببساطة تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من إمكاناتهم الربحية محدودة الزمن. لكنَّ الأمر الأكثر إثارة للاهتمام، بحسب ليو، هو معرفة ما يحدث على الجانب الآخر.
قال التقرير إنَّ السعودية بدأت في إلقاء ثقلها بجدية وراء الرياضة منذ عامين فحسب، منذ إنشاء صندوق تنمية الرياضة، الذي كان هدفه توجيه بعض الثروة النفطية الهائلة للبلاد نحو بناء بنية تحتية جديدة بالكاملة: نوادٍ رياضية، ومرافق القواعد الشعبية وساحات النخبة وجذب أحداث رياضية دولية والترويج لها.
وقال ليو إنَّ السعودية قامت بالحد الأدنى من الجهد، خلال عقود، للمشاركة في المجتمع الرياضي الدولي، إذ كانت تنظر إلى الرياضة بالطريقة ذاتها التي كانت تنظر بها إلى أشكال الترفيه العديدة الأخرى: أنها غير مفيدة في أحسن أحوالها، وتشكل خطرًا ثقافيًا في أسوأ أحوالها. وقد عكس ذلك الموقف، نوعًا ما، موقف السعودية من بقية العالم: لا مبالاة متعجرفة عزز منها معرفتهم أنَّ بإمكانهم، في أي وقت، إيقاف صنابير النفط، ومن ثم إضعاف الاقتصاد العالمي.
الطفل الغني المكروه
لكنَّ النفط سوف ينتهي يومًا ما. وكذا، ومن أجل فطم اقتصاد البلاد عن الاعتماد عليه، كانت السعودية بحاجة لتنويع اقتصادها. كانت بحاجة إلى استثمار خارجي. ومن أجل الحصول على استثمار خارجي، كانت بحاجة إلى جعل الناس يحبونها. وكما هو الحال مع الطفل الغني في مدرسة يكرهه فيها الجميع، فما هي أفضل طريقة لجعل الناس يحبون بلدك سوى عمل حفل ضخم؟
بطبيعة الحال، هذه رؤية تبسيطية للأمور. إذ اتخذت الاستثمارات السعودية عددًا من الأنماط: فهي واحدة من أكبر المستثمرين في أوبر، ومن كبار المستثمرين في تويتر، بل إنَّ مواطنًا سعوديًا يدعى محمد أبو الجدايل، يملك حصة قليلة من الشركة الأم لصحيفة «الإندبندنت»، ناشرة هذا الموضوع. لكنَّ الرياضة أدت دورًا قيمًا للغاية، ليس لقدرتها على جلب السياحة فحسب – التي تعد إحدى شعب استراتيجية التنويع الأخرى – وإنما لسهولة استئثارها بالجمهور والأبطال الذين يمكن شراء صمتهم بسهولة.
وكما اكتشفت قطر وأبوظبي وروسيا ودول أخرى من قبل، فإنَّك لو رسخت نفسك بعمق في مؤسسة الرياضة الدولية، لن يستطيع أحد اجتثاثك، ولا حتى أعدى أعدائك.
وقال ليو إنَّ الحاجة إلى تغيير الصورة الشعبية عن السعودية بوصفها مكانًا وحشيًا محافظًا شديدة القمعية، قد رأت في الرياضة طريقًا مختصرًا لفعل ذلك. فالنساء ما يزلن تحت نظام «الوصاية» الشنيع، الذي يقرر الأقارب الذكور بموجبه إذا ما كانت النساء تستطعن السفر أو الدراسة أو حتى الوصول إلى الرعاية الصحية، لكنهن الآن يستطعن الذهاب إلى الملاعب الرياضية!
ارفع صوت الموسيقى
وكذا، بينما تنشغل الطائرات الحربية السعودية بنسف اليمن، يجوب رئيس الفيفا جيانو إنفانتينو العالم في محاولة للترويج لمنافسة كأس العالم للأندية الذي تموله السعودية. وبينما يقبع المنتقدون للنظام السعودي في السجون دون محاكمة، تستعد الجولة الأوروبية لاستضافة أول فعالية لها على الإطلاق في السعودية في شهر يناير (كانون الثاني)، مع وجود أمثال داستن جونسون وباتريك ريد من بين الحضور. ارفع صوت الموسيقى بما يكفي، ولن يكون أحد قادرًا على سماع الصراخ.
واختتم ليو بالقول إنَّ الرياضة تستخدم لأغراض سياسية منذ القدم، لكن في عصر وصلت فيه الرائحة الكريهة لعاصمة ملوثة إلى حد عالمي لم يعد من الممكن تجاهله، فإنَّ الانتقاد العلني يصبح أكثر أهمية بكثير. أما أولئك الذين يأخذون الأموال، فهم أيضًا ملزمون بقول الحقيقة.
ونقل ليو عن أحد الخبراء في السياسات السعودية قوله أوائل العام الجاري: «إنَّ عدم انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان يخلق جوًا يمكّن الحكام السلطويين من منع الحقوق المدنية عن شعوبهم»، كاتب هذه الكلمات اسمه: جمال خاشقجي.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».