أحدثت التكنولوجيا تغييرًا جذريًا في كافة جوانب حياتنا اليومية، لدرجةٍ جعلتنا لم نعد نلحظ مدى ذلك التأثير رغم أنَّه يُحيط بنا من كل جانب. والحال نفسه ينطبق على الأعمال التجارية التي كان للتكنولوجيا تأثيرٌ كبيرٌ عليها، وهو الأمر الذي تطرَّق له تقريرٌ نشرته صحيفة «الجارديان» يُسلِّط الضوء على بعض الشركات التي تغيَّرت عملياتها تغييرًا جذريًا بفضل التكنولوجيا المُستحدثة، وذلك من خلال الحديث مع كبار مسؤوليها.

علوم

منذ 5 سنوات
الذكاء الاصطناعي.. مجال يجعل الشركات الكبرى تدفع لك راتب رونالدو!

من هؤلاء جيمس ريد، رئيس شركة ريد للتوظيف. عاد ريد بالذاكرة في حديثه مع الصحيفة إلى أيام طفولته، حين كان يصطف مع والدته في البنك وهو يشعر بالملل الشديد، حتى اختراع أجهزة الصرف الآلي التي سهَّلت الوصول إلى الأموال النقدية في أي وقتٍ من اليوم، ليلًا أو نهارًا، دون الحاجة للانتظار.

وتابع ريد: «بالمثل، حين يتعلَّق الأمر بالبحث عن الموظفين، أدركتُ أنَّ هناك طريقةً أسرع وأكثر فاعليةً للأشخاص الباحثين عن الوظائف. ولاحظتُ فورًا أنَّ الإنترنت هو الأداة الأنسب للراغبين في البحث عن وظيفةٍ في الأوقات التي تُلائمهم، أينما ووقتما أرادوا. وهكذا وُلِد موقع reed.co.uk».

وتذكر الصحيفة أنَّه في عام 1995، أصبح موقع «ريد» أول موقعٍ للتوظيف على الإنترنت تحت رعاية وكالة توظيف تقع داخل المملكة المتحدة، وفي غضون عامين، أصبحت البوابة الإلكترونية مصدر الشركة الرئيسي لاستقبال طلبات المتقدمين للوظائف. ورغم أنَّه أُنشئَ في البداية لتوظيف الأشخاص لصالح وكالة التوظيف نفسها، تحوَّل موقع reed.co.uk إلى شركةٍ تجاريةٍ متكاملةٍ في عام 2007.

ويوضح التقرير أنَّ شركة ريد تأسست عام 1960 حين افتتح السير أليك ريد، الذي كان يبلغ من العمر 26 عامًا حينها، أول مكتبٍ للشركة في مسقط رأسه بهاونزلو، برأس مالٍ بلغ 75 جنيهًا إسترلينيًا فقط، حصل عليها من صرف معاش تقاعده. لكنَّ تكنولوجيا الإنترنت أحدثت ثورةً في طريقة تشغيل الكثير من الشركات الضخمة التقليدية مثل شركة ريد بحسب الصحيفة.

Embed from Getty Images

وأضاف ريد في حديثه مع الصحيفة: «لقد مكَّنتنا تكنولوجيا الإنترنت من توسيع مجالنا وخدمة عددٍ أكبر من الجماهير. وأسهمت في تسريع عملية التوظيف، ونتج عن ذلك أنَّنا وفَّرنا مُرشَّحين أكثر لعملائنا بطريقةٍ أسرع مما اعتدنا في السابق».

تحدثت الصحيفة أيضًا مع مارك بشام، الرئيس التنفيذي لشركة «أكسيلوس»، التي تُقدِّم وتعتمد التوجيهات والمؤهلات للمتخصصين في مجال تكنولوجيا المعلومات. وقال للصحيفة بحسب التقرير: « التكنولوجيا الجديدة مثل الحوسبة السحابية وتطوُّر خدمات البرمجيات لتشمل خدماتٍ أخرى وفَّرت فرصًا للتوسُّع السريع كان لها التأثير الأكبر على الأعمال التجارية، في حين أسهمت الهواتف الذكية وتكنولوجيا تطبيقات الهواتف في تغيير شكل تفاعلات العملاء، عن طريق الارتقاء بسرعة الخدمات وتوقعاتهم منها إلى مستوياتٍ جديدة. وهذا يعني تغييرًا كبيرًا للشركات».

ووفقًا للصحيفة، خلق هذا حاجةً مستمرة لدى الأعمال التجارية لمواكبة تطوُّر التكنولوجيا الجديدة. إذ يُضيف ريد: «يستغل علماء البيانات لدينا تقنية التعلُّم الآلي في زيادة دقة نتائج البحث عن الوظائف ذات الصلة. ونعمل أيضًا على تطوير حلول تعتمد على الذكاء الصناعي في فحص السير الذاتية، للمساعدة في منع التحيز اللاواعي، كي تُقيَّم جميع السير الذاتية بنفس الطريقة».

وترى الصحيفة أنَّ هذه التغييرات أثرت على جميع الصناعات تقريبًا وطوَّرت عملياتها التشغيلية. وتضرب مثالًا بشركة «فورميكا جروب أوروبا»، التي شهدت في تاريخها الصناعي الذي يمتد لأكثر من 100 عام تغيُّراتٍ تكنولوجيةٍ ضخمةٍ وتبنَّت الكثير منها. ففي العام الماضي، أطلقت الشركة خطة استثمارٍ بقيمة 40 مليون جنيهًا إسترلينيًا تشمل تطبيق أحدث تكنولوجيا لإنشاء مصنعٍ متطور لإنتاج الصفائح الرقيقة في المملكة المتحدة.

وفي حديثه مع «الجارديان»، قال رئيس مجلس الإدارة بيتر راش: «ذهبت الكثير من الاستثمارات لصالح أتمتة خطوط إنتاجنا وتحديث منتجاتنا المعروضة بابتكاراتٍ جوهريةٍ على مستوى هندسة الإنتاج. ورغم كوننا شركةً صناعية، لكنَّنا نُعد شركةً ابتكاريةً قائمةً على التصاميم أيضًا، وموَّلنا الكثير من أبحاث المنتجات الجديدة التي تشمل إطلاق ابتكاراتٍ عالية التقنية باستخدام تقنية النانو».

وتُشير «الجارديان» إلى أنَّ تقدُّم الصناعة المُعاصرة سريعًا بفضل تطوير التكنولوجيا الجديدة أدَّى إلى تطوَّر مجموعة المهارات المطلوبة أيضًا. إذ يجد العديد من موظفي «فورميكا جروب أوروبا»، الذين يزيد عددهم عن 500 موظف، أنَّ أدوارهم داخل الشركة تتغيَّر نتيجةً للتطورات التكنولوجية.

وأضاف راش في حديثه: «مع تقدُّمنا إلى الأمام، نرغب في تقليل المعاملات وزيادة الريادة في ما يتعلَّق بأدوار الموظفين. إذ أنَّ التكنولوجيا والبيانات أصبح لها دورٌ حيويٌ على كافة مستويات وظائف الشركة، لذا نُواصل تدريب وتعيين فريق عمل يتمتَّع بالمهارات والخبرة التقنية اللازمة لإتمام العمل، بدلًا من الاعتماد على تكنولوجيا المعلومات فقط، بالتزامن مع تطوُّر التحوُّل الرقمي».

Embed from Getty Images

وهناك بعض الصناعات التي قد يبدو أنَّه لا يمكن فيها تطبيق التكنولوجيا المتطورة، ومن بينها صناعة مساحات التخزين حسبما ذكر التقرير. لكنَّ شركة «لاف سبيس» للخدمات اللوجستية ومساحات التخزين أدركت أهمية الابتكار التكنولوجي في الحفاظ على قدرتها على المنافسة، لذا طوَّرت منصةً جديدةً قادرةً على تلبية احتياجات المستهلكين المتزايدة.

وفي حديثه مع الصحيفة، قال ديف ووكر، مدير قسم التكنولوجيا بالشركة: «يُمكن للمنصة أن تتعقب كل قطعةٍ مشحونةٍ من منزل العميل وطوال كافة مراحل حركتها، داخل وخارج مرافق التخزين، وحتى عودتها إلى المستهلك. ولم تبدأ شركات الخدمات اللوجستية الأخرى في تحقيق هذا المستوى من الشفافية سوى مؤخرًا».

وتضيف الصحيفة أنَّ شركة لاف سبيس تستكشف حاليًا فكرة استخدام الصناديق الذكية المُتَّصلة بشبكات إنترنت الأشياء ويُمكن تعقُّبها بنظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس).

لكن تشير «الجارديان» في نهاية تقريرها إلى أنَّ النجاح في تطبيق ذلك التحول الرقمي يتطلَّب أن تأتي القرارات من قمة تلك الشركات، وليس عن طريق فرق تكنولوجيا المعلومات، حسبما أوضح لها أحد المسؤولين.

وأضاف المسؤول للصحيفة: «تُدرك فرق تكنولوجيا المعلومات الحاجة إلى سرعة العمليات والتكنولوجيا التي يمكنها أن تُسهِّل ذلك، لكنَّ الأقسام الأخرى في الشركات لا تشعر بارتياحٍ تجاه التغييرات التي ستجلبها تلك التكنولوجيا. لذا تقع على عاتق القيادة القوية في مجلس إدارة الشركة مهمة إشراك المنظمة كلها في عملية التحوُّل الرقمي».

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد