قالت زهرة علي في مقال لها على موقع «ميدل إيست آي»: «إن الأزمة الأخيرة بين واشنطن وطهران تعرقل مجهودات الشعب العراقي لتحقيق التغيير المنشود، الذين ضحوا بالعشرات من الأشخاص لأجله. وإليكم ترجمة المقال كاملًا».

في خيام ساحة التحرير ببغداد، يتوق المحتجون الشباب إلى الحديث عن تجاربهم مع الانتفاضة الثورية التي بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

لكن التطورات الأخيرة، بما في ذلك الغارات الجوية على مقرات الحشد الشعبي، والهجوم على السفارة الأمريكية، واغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني وقائد قوات الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، والهجوم الإيراني على قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في العراق، قد وضعت المتظاهرين في موقف صعب.

يُعتقد أن قادة الميليشيات الأقوياء هم المسؤولون عن القمع الدموي للانتفاضة السلمية في العراق، حيث قُتل المئات وأُصيب الآلاف وجُرح كثيرون آخرون، أو فقدوا. ومع ذلك اتهمت النخبة السياسية العراقية الولايات المتحدة بالوقوف وراء الانتفاضة الشعبية الضخمة.

دولي

منذ 3 سنوات
«نيويورك تايمز»: هكذا حشدت أمريكا العراقيين ضدها دون أن تقصد

الوحدة والسيادة

تدعو الانتفاضة إلى وحدة العراق وسيادته ورفض النفوذ الإيراني والأمريكي. تحت شعار «نريد وطنًا»، يطالب المتظاهرون بدولة فاعلة توفر خدمات وحقوق متساوية لجميع المواطنين. إنهم يدينون فساد النخبة السياسية العراقية، والطائفية والمحسوبية، إلى جانب هجمات الميليشيات على الصحافيين، والمجتمع المدني، والناشطات.

ويطالب المحتجون أيضًا بحكومة جديدة وقوانين انتخابية جديدة ودستور جديد ومحاكمة الزعماء السياسيين المتهمين بالفساد وقتل المتظاهرين المسالمين. ونظرًا لأن هذه النخبة السياسية مرتبطة بإيران، فإن الشعارات ضد النفوذ الإيراني كانت بارزة.

المتظاهرون في ساحة التحرير ناضجون سياسيًا وحذرون من أي يصبحوا أداة في يد الآخرين. كانت هناك بعض التعبيرات السعيدة المتفرقة والعفوية لاغتيال سليماني والمهندس، إلا أن معظم المحتجين ظلوا حذرين.

أصدر المتظاهرون بيانًا يعبرون فيه عن عزمهم على البقاء في الساحات وتكريم ذكريات الشهداء الذين قدموا التضحية القصوى من أجل بلادهم. ودون ذكر إيران أو الولايات المتحدة، ندد البيان بالهجمات على سيادة العراق وخرق القانون الدولي، وأكدوا عملهم من أجل العراق أولًا والدفاع عن المصالح الوطنية. وأشاروا إلى أن العملية السياسية بعد عام 2003 هي السبب في ضعف العراق، ودعوا قوات الأمن لحمايتهم.

صراع سياسي ضيق

في ساحات الاحتجاج في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في المقاطعات الجنوبية، من الشائع رؤية شبان أصيبوا بجروح خطيرة، أو يستخدمون العكازات. كثيرون منهم مقاتلون سابقون في الحشد الشعبي، الذي حارب «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» بعد سقوط الموصل في عام 2014. أخبر العديد منهم «ميدل إيست آي» أنهم تأثروا بشدة بهذه الحرب، وأصابتهم خيبة الأمل من القيادة السياسية التي حولت تضحياتهم إلى صراع سياسي ضيق تستفيد منه النخبة.

ينحدر معظمهم من أسر متواضعة، وبدلًا عن مكافأتهم على خدمتهم كما توقعوا، عادوا من الخطوط الأمامية للموصل إلى حياة من الفقر والمشقة. لقد اختاروا الآن طريق الاحتجاج السلمي، حيث واجهوا هجمات قاتلة من قوات الأمن والميليشيات، بدءًا من الغاز المسيل للدموع إلى الذخيرة الحية.

إن انتفاضة أكتوبر ثورية. وهي حركة غير مسبوقة وشاملة للنضال المشترك، تضم طبقة واسعة من السكان، من الطبقات الفقيرة والعمالية إلى الطبقة الوسطى المتعلمة. وقد تضافرت جهود طلاب الجامعات ونقابات العمال ونشطاء المجتمع المدني الشباب.

وتمثل ساحة التحرير في بغداد مجتمعًا صغيرًا. فمن خلال التنظيم الجماعي، توحد المتظاهرون حول شعور بالانتماء للوطن. لا يقتصر الأمر على انتفاضة سياسية لعلاج قضايا التمثيل السياسي والانتخابات، بل يروج المحتجون لإستراتيجيات إبداعية على المستويين الاجتماعي والمجتمعي.

فالأفراد من خلفيات متنوعة لديهم مطالب مماثلة؛ إذ يرفضون الطائفية والفساد، وحكم الميليشيات، التي تهدد سيادة القانون وسلطة الدولة. ويصر المحتجون على حصر حمل السلاح على قوات الأمن العراقية. لكن مثل هذه المطالب واجهت تحديًا خطيرًا منذ الضربات الأمريكية، إذ إن مختلف الجماعات المسلحة والميليشيات – بعضها غير نشط – أصبحت الآن جاهزة للرد.

استغلال المشاعر المعادية لإيران

لطالما استخدم قادة الميليشيات المشاعر المعادية للولايات المتحدة لتبرير وجودهم وحكمهم، خاصة في سياق اعتقاد البعض أنهم عملاء إيرانيون. لقد منحتهم الضربات الجوية الأمريكية فرصة لإعادة تأكيد قوتهم وشرعيتهم؛ مما أضر بكفاح المحتجين من أجل تجريد القوى السياسية من السلاح وحصر الأسلحة على قوات الدولة.

علاوة على ذلك فإن بيان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي عزف على وتر المشاعر المعادية لإيران في الاحتجاجات، قد عرّض المتظاهرين لخطر إضافي باتهامهم بأنهم عملاء للولايات المتحدة؛ مما قوض تصميمهم على الابتعاد عن التدخل الأجنبي.

تعرقل الأزمة السياسية الهائلة التي غرق فيها العراق العملية السياسية التي كان المتظاهرون يقاتلون من أجلها، ومات الكثيرون في سبيلها.

لم يعد تعيين رئيس وزراء جديد وتنظيم انتخابات جديدة من الأولويات، إذ تتوق مختلف الفصائل الآن إلى حمل السلاح ضد الولايات المتحدة مرة أخرى، واستخدام الأزمة السياسية لصالحها.

في الأيام القليلة الماضية كان المتظاهرون المسالمون ضحايا لهجمات عنيفة على أيدي أنصار سليماني والمهندس في بغداد والبصرة والناصرية، إذ قُتل اثنان من المحتجين. يستغل أعضاء الميليشيات الأزمة لتحطيم حركة الاحتجاج وفرض آرائهم السياسية.

ثمن باهظ

لقد دفع المدنيون العراقيون ثمنًا باهظًا لغزو الولايات المتحدة واحتلالها لبلادهم عام 2003 وعواقبه الوخيمة على حياتهم، من تدمير الدولة العراقية – التي أضعفتها بالفعل عقود من عقوبات الأمم المتحدة – إلى فرض نظام سياسي أغرق البلاد في حرب طائفية، وأدى إلى صعود «داعش».

وكانت الهيمنة الإيرانية على العراق هي أيضًا نتيجة مباشرة للاحتلال الأمريكي. كانت الجماعات والميليشيات المسلحة المدعومة من إيران، التي تعتبرها الآن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ميليشيات إرهابية، حلفاء للولايات المتحدة خلال الحرب ضد «داعش».

يؤدي تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة وإيران إلى تحويل العراق إلى ساحة معركة بالوكالة وإغراقه مرة أخرى في دائرة العنف.

لقد مر العراقيون بعقود من الحروب، بدءًا من ثماني سنوات من الحرب الدموية مع إيران في الثمانينات، تلتها حرب الخليج المدمرة عام 1991، ثم الغزو والاحتلال الأمريكي في عام 2003، والحرب الطائفية في 2006 و2007، وأخيرا المعركة ضد «داعش».

إن عواقب هذه الدورات من العنف المسلح والعسكرة مدمرة. فحياة العراقيين وذكرياتهم الجماعية تتشكل من خلال هذه التجارب المؤلمة.

إذا عبرت بعض الأصوات في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم عن رفضها لحرب جديدة، يشير المحتجون إلى أن حقبة ما بعد الغزو والاحتلال الأمريكي في 2003 لم تنته فعليًا.

إن انتفاضة أكتوبر هي محاولة بطولية قام بها عراقيون عاديون، معظمهم من الشباب، لعكس الديناميات السياسية لما بعد عام 2003 – للمطالبة بوحدة العراق وسيادته، وتعزيز مؤسسات الدولة وتوفير الخدمات على قدم المساواة لجميع المواطنين.

إن شعار الاحتجاج هو «العراق أولًا، لا لأمريكا، لا لإيران، لا للحرب». ومع ذلك، فإن الأزمة الحالية تقوض ما يقاتلون ويموتون من أجله.

دولي

منذ 3 سنوات
«ناشيونال إنترست»: لماذا لن تندلع الحرب بين إيران وأمريكا؟

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد