نشر موقع المنتدى الاقتصادي العالمي الإخباري مقالًا لآشوين نايك، وهو رجل أعمال وكاتب ومؤلف، تحدث فيه عن ارتفاع حالات المرض النفسي بنسبة 20% في الهند منذ أن بدأت البلاد تطبيق تدابير الحظر والإغلاق العام، مشيرًا إلى أنه لن يتسنى للهند التعامل مع هذه الأزمة التي تتكشف إلا من خلال الاستجابات المجتمعية المحلية. وذكر كاتب المقال ثلاثة مناهج قائمة على الأدلة من شأنها إطلاق العنان للقوة المجتمعية في هذه المعركة.
في البداية أوضح الكاتب أن الهند شهدت أكبر تجربة احتواء في التاريخ، عندما استعد مواطنوها البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة – في 25 مارس (آذار) – لمواجهة ظروف صعبة في محاولة لتسطيح منحنى مرض كوفيد-19.
وربما توشك تدابير الإغلاق العام الآن على الانتهاء ولكن، كما هو الحال في جميع أنحاء العالم، بدأت جائحة جديدة في الظهور. فوفقًا لمسح أجرته جمعية الطب النفسي الهندي، في غضون أسبوع واحد من بدء الإغلاق العام، ارتفع عدد حالات المرض النفسي المبلغ عنها في الهند بنسبة 20%.
وخلال الأسابيع والأشهر المقبلة، ستعاني الهند من أزمة صحية نفسية هائلة بسبب البطالة، وتناول الكحوليات، والصعوبات الاقتصادية، والعنف المحلي، وغلبة الديون. وفي حين سيؤثر ذلك في معظم المواطنين، فإنه سيؤثر على نحو غير متكافئ على الفئات الفقيرة والأكثر ضعفًا وتهميشًا.
يقول نيلسون فينود موسيز، أحد كبار المدافعين عن منع الانتحار في الهند، عن ذلك: «يتكون المواطنون المعرضون للخطر من 150 مليونًا يعانون من مشكلات موجودة مسبقًا تتعلق بالصحة النفسية، والمتعافين من مرض كوفيد-19، والعاملين الطبيين في الخطوط الأمامية لمجابهة المرض، والشباب، والأشخاص ذوي القدرات المختلفة، والنساء، والعاملين في القطاع غير المنظم، والمسنين».
تعزيز القوة المجتمعية
ويضيف الكاتب: عندما أطلقنا خطًّا هاتفيًّا للمساعدة التطوعية لدعم الصحة النفسية – Let’s Talk – في أوائل أبريل (نيسان)، كنا ندرك أننا بحاجة إلى أكبر عدد ممكن من الموارد لدعم الجهود الحالية التي تقودها حكومات الولايات ومنظمات المجتمع المدني الأخرى.
واستنادًا إلى خبرتنا في تلقي مكالمات ميدانية من الأشخاص الذي يتعرضون للمحن، نعتقد أن أجهزة الصحة النفسية المنهكة بالفعل في الهند لن تكون قادرة على التعامل مع هذا الوضع الذي يتكشف، ويجب عليها تعزيز القوة المجتمعية من خلال الحلول التي تجري هندستها محليًّا والمبنية على الأدلة.
وفيما يلي ثلاثة من هذه الحلول:
إزالة وصمة العار
تسبب مرض كوفيد-19 في وجود قدر كبير من وصمات العار، وذلك في المقام الأول بسبب نقص الوعي حول كيفية انتشار المرض وكيفية مهاجمته لجسم الإنسان. ففي عديد من المدن، طُرِد العاملون في مجال الرعاية الصحية، الذين يعالجون المرضى الذين يعانون من مرض كوفيد-19 أثناء النهار، من منازلهم بالقوة؛ خوفًا من أنهم قد يجلبون الفيروس معهم وهم عائدون إلى منازلهم بالليل.
ويبتعد السكان في المجمعات السكنية عن جيرانهم الذين تثبت إصابتهم بالمرض، بعد أن تظهر نتائج اختباراتهم إيجابية. ويشدد الكاتب على أنه يجب إعادة صياغة مفهوم التباعد الاجتماعي بأكمله. ومن المشجع أن نرى كيف لجأ بعض المتعافين من مرض كوفيد-19 إلى وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة خبراتهم من أجل بناء الثقة لدى الآخرين.
وربما تكون هناك فرصة لتدريب أكثر من 19 ألف هندي تعافوا الآن، وتحويلهم إلى أبطال هزموا مرض كوفيد-19، وتجهيزهم ليكونوا رفاقًا للأشخاص الذين يُخشى عليهم الآن من أن تكون نتائج اختباراتهم إيجابية، أو الذين يشتبه في إصابتهم بالمرض. وهؤلاء الأبطال، بعد أن واجهوا التوتر مواجهةً مباشرةً وتعافوا منه، هم أنسب الأشخاص لحمل لواء هذا التغيير.

حجم عمليات الإغلاق العام بسبب فيروس كورونا وعدد الأشخاص الذين خضعوا لتدابير الإغلاق العام المفروضة بسبب جائحة فيروس كورونا، في كل دولة (عدد الأشخاص بالملايين) مصدر البيانات: ستاتيستا
تسخير البنية التحتية المجتمعية لتقديم الدعم
يتابع الكاتب: حتى مع وجود فريق يضم أكثر من 300 متطوع في Let’s Talk، ندرك تمامًا أنه من المستحيل بالنسبة لنا تقديم دعم طويل المدى للمجتمع. كما لا يمكن ذلك لنظام الصحة النفسية الرسمي في الهند، الذي يضم عددًا محدودًا من المتخصصين؛ 9 آلاف طبيب نفسي مقابل 1.3 مليار شخص.
ويقول شيكار ساكسينا، المدير السابق لقسم الصحة النفسية بمنظمة الصحة العالمية: «دائمًا ما كانت أنظمة الصحة النفسية قليلة جدًّا في الهند، وخلال هذه المرحلة، اتسعت الفجوة بين ما هو مطلوب، وما هو متوفر اتساعًا ملحوظًا».
ويضيف الكاتب قائلًا: إن الحاجة الماسَّة الفعلية، هي بناء القدرات المجتمعية بهدف معالجة القضايا المحلية لفترة طويلة، بعد انقضاء المرحلة الحادة من الجائحة. وقد تتمثل بداية الطريق إلى تحقيق ذلك في فريق صغير من المستشارين الأنداد، الذين يعملون تحت إدارة محلية ومُدرَّبين على النماذج القائمة، مثل النموذج الذي قدمه الدكتور فيكرام باتيل سانجاث أو نموذج Atmiyata، الذي قدَّمه مركز قانون وسياسة الصحة النفسية (CMHLP).
وسيتطلب ذلك شراكة وثيقة بين المجتمع المدني والإدارة المحلية وتدريبًا قياسيًّا وركائز تكنولوجية، إذا كان الهدف هو تقديم دعم ثابت على قدر من الجودة. وإذا لم يُمَكَّن المجتمع لرعاية نفسه، فإننا سنظل نحدق مشدوهين في شبحٍ متنامٍ من الاضطرابات النفسية والعقلية التي ستستمر لوقتٍ أطول بكثير من الجائحة.
وضع غير مسبوق.. القدرة على الصمود بين المراهقين والأطفال الصغار
في ظل إغلاق المدارس خلال الأسابيع الثمانية الماضية، يوجد 253 مليون مراهق في الهند في طي النسيان؛ عالقين مع عائلاتٍ غير متيقنة بشأن مستقبلها المالي، غير متمتعين بالمساحة الشخصية، والأهم من ذلك أنهم منفصلون عن أصدقائهم. ويتعرضون لخوف واسع النطاق يغذيه الانتشار السريع للفيروس، بالإضافة إلى الثرثرة الإخبارية المستمرة حول الموت والمرض، وهو ما خلق لديهم حالة من عدم اليقين والقلق بشأن أحبائهم.
وأصبح العديد من أنظمة الدعم المجتمعي خارج إطار العائلة غير متوفر، خاصة للفتيات، ووتيرة العنف المنزلي في تزايد. وبالنسبة لجيل كامل ينمو في ظل هذه الظروف، مع عدم وجود إجابات شافية بشأن المستقبل المنظور، فإن هذا الوضع غير مسبوق وسيكون له تأثير كبير في رؤيتهم للعالم.
وأردف الكاتب قائلًا: أما بالنسبة للمراهقين، فهذا وقت إعادة ترتيب الأوراق. لقد حان الوقت لبناء السلامة العقلية والنفسية، والمرونة داخل المدارس والمجتمع والعائلة. ونحن بحاجة إلى منهج منظم لبناء الطلب على السلامة العقلية والنفسية، تمامًا كما أدخلنا الأنشطة الرياضية على نطاق واسع في المدارس في أواخر التسعينيات من القرن الماضي.
وقد أعيد تشكيل برنامج الحكومة الهندية «الصحة الوطنية للمراهقين» ليتخطى حدود نطاقه الأولي الخاص بالصحة الجنسية والإنجابية. ومنذ فبراير (شبّاط) من هذا العام، جرى تحديث في النقاط التي يركز عليها البرنامج لتشمل التوعية عن طريق المستشارين، والاستشارات المعتمدة على المرافق، والتغيير الاجتماعي والسلوكي.
واختتم الكاتب مقاله قائلًا: وبينما نحاول إدارة المهمة الملحة الحالية – احتواء الفيروس – فإن سلامة المراهقين على المدى الطويل قد تُنحَّى جانبًا. ولكن إذا سمحنا بحدوث ذلك، فإن هذا سيكون خطأ مدمرًا.
وكما قالت اليونيسف: «لا يمكن أن تكون المخاطر أكبر. وإذا لم يجرِ التصدي لها على نحوٍ ملائمٍ وكافٍ، فإن تداعيات الصحة النفسية على جيل من الأطفال والشباب يمكن أن تتجاوز بكثير الأثر الصحي والاقتصادي الفوري لجائحة كوفيد-19، مُخلِّفةً وراءها عواقب اجتماعية واقتصادية طويلة المدى».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».
علامات
الهند