يقابل موقع «ذا كونفرزيشن» كلًا من المدير العام للتربية الإسلامية في وزارة الشؤون الدينية الإندونيسية: قمر الدين. وأستاذ الفلسفة الإسلامية في الجامعة الإسلامية الحكومية في يوجياكرتا: أمين عبد الله؛ ليشرحا الأهمية العالمية للجامعة المنتظر افتتاحها حديثًا في إندونيسيا، والتوقعات المبنية عليها في العالم الإسلامي.
مركز إسلامي صاعد
في محاولةٍ منها لتقديم نموذجٍ جامعي إسلاميّ بديل عن هيمنة جامعات الشرق الأوسط السائدة حاليًا، أعلنت إندونيسيا خططًا لافتتاح «الجامعة الإسلامية الدولية الإندونيسية (UIII)» في ديبوك في مقاطعة جاوة الغربية.
تضم إندونيسيا أكثر من 200 مليون من معتنقي الديانة الإسلامية، ولذا فهي موطن لأكبر عددٍ من السكان المسلمين في العالم. يتعايش المسلمون بسلامٍ نسبيّ ضمن نسيجٍ مكوّن من مئات النظم العقائدية وآلاف المجموعات العرقية الموزعة في مختلف أنحاء البلاد. أفسح هذا التنوع الثقافي والعرقي البيئة المثالية لولادة الإسلام المعتدل على مدى تاريخ إندونيسيا.
أعلن نائب الرئيس الإندونيسي معروف أمين أن الجامعة الإندونيسية الناشئة هذه ستغدو مركزًا عالميًا للبحوث الإسلامية المعتدلة، وجاء هذا الإعلان ضمن «اجتماع الخبراء العالمي» الأخير التابع للجامعة، والذي حضره علماء الإسلام وقادة الجامعات من جميع أنحاء العالم كما يوضّح التقرير.
تحدث موقع «ذا كونفرزيشن» مع عالم إسلامي ومسؤول رفيع المستوى في الوزارة لفهم ما تعنيه تلك التصريحات على أرض الواقع، وكيف يمكن لطموحات الجامعة العالمية المساعدة في حلّ المشكلات التي تواجه المجتمع الإسلامي بكليّته؟
منهجية «الأرض الوسطى»
التقى الموقع مع المدير العام للتربية الإسلامية في وزارة الشؤون الدينية الإندونيسية قمر الدين أمين، والذي أوضح بأن تصميم المنهج الأكاديمي للجامعة الإسلامية الدولية الإندونيسية سيجمع عناصر من الأعراف الأكاديمية السائدة في الشرق الأوسط وفي الغرب.
مضيفًا: «تركز الجامعات الإسلامية في الشرق الأوسط عادةً على النهج الكلاسيكي لدراسة الشريعة الإسلامية من خلال النصوص والمصادر الأخرى. من ناحيةٍ أخرى لدى الجامعات الغربية ثقافة راسخة في المذهب التجريبي وتستخدم نهجًا متعدد التخصصات لفهم الإسلام من خلال عدسة علم الاجتماع، والتاريخ، والأنثربولوجيا. ستجمع الجامعة الإسلامية الدولية الإندونيسية بين المنهجين».
من المقرر افتتاح الجامعة الحكومية في سبتمبر (أيلول) عام 2020 تحت إشراف وزارة الشؤون الدينية، ووفقًا للتقرير ستُفتتح في البداية أربع مدارس هي: الدراسات الإسلامية، العلوم الإنسانية، الاقتصاد، العلوم الاجتماعية.
يُشيد أستاذ الفلسفة الإسلامية في الجامعة الإسلامية الحكومية في يوجياكرتا، أمين عبد الله، بتصميم الجامعة القائم على مبدأ «الأرض الوسطى». ويستشهد التقرير بكتاب «الإسلام والحداثة» الصادر عام 1982 للعالم الإسلامي العصري فضل الرحمن، حيث يعتبر أن التعليم الإسلامي المعاصر يفتقر إلى جوانب مهمة عديدة: « تتسم التفاعلات الدينامية بين العلوم الاجتماعية – علم الاجتماع، والأنثربولوجيا، وعلم النفس، وما إلى ذلك – والمجتمع الإسلامي بعدم خضوعها للدراسة الجيدة في التربية الإسلامية حتى الآن في جميع أنحاء العالم. ونادرًا ما تُتناول الأفكار والفلسفات المعاصرة».
وفقًا لأفكار أمين تسببت هذه الفجوة بالقصورِ عن الاستجابة الفعالة للتحديات المعاصرة، حتى لدى المؤسسات الإسلامية المحترمة والراسخة، مثل جامعة الأزهر في القاهرة ـ مصر. ومن بين القضايا المعاصرة أزمة المهاجرين الأوروبية، والمساواة بين الجنسين، والإرهاب العالمي.
ينقل التقرير عن أمين قوله أيضًا: «في خضم تدهور العلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي، يبدأ الناس في البحث عن الجامعات الإسلامية لإيجاد الإجابات. من المؤسف أن الجامعات لم تسهم في قضايا اليوم كثيرًا حتى الآن»، مضيفًا أن الجامعة الجديدة «تمثل تجربةً مثيرة واعدة لحلّ هذه التحديات العالمية المعقدة».
مركز عالميّ للإسلام «المعتدل»
يقول قمر الدين أمين: إنه بغض النظر عن تصميم الجامعة الإسلامية نفسها، فإن المجتمع والثقافة التي تُبنى ضمنها يحملان نفس القدر من الأهمية. تعدّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مركز الدراسات الإسلامية العالمية حاليًا، لكن يعتبر التقرير أن المنطقة تعرضت لاضطراباتٍ على مدار العقدين الماضيين بسبب التطورات الأخيرة، مثل: الربيع العربي، و«القاعدة» وتنظيم «داعش» وغيرها.
يعقّب أمين: «في الوقت الحالي يبحث المجتمع الأكاديمي عن مجتمعاتٍ أخرى تتمتع بيئة تعليمية إسلامية مواتية يمكنها تقديم الإجابات لحقبة الاضطرابات هذه»، مضيفًا: «وباعتبارها دولة غير متأثرة نسبيًا بالربيع العربي والفوضى التي تعمّ في أماكن مثل: مصر، وسوريا، واليمن، بدأ الناس ينظرون إلى إندونيسيا بوصفِها مصدرًا محتملًا لرسم (الإسلام المعتدل) كما يُطلق عليه».
وفقًا لمؤشر الديمقراطية الصادر عن وحدة الاستخبارات الاقتصادية عام 2018 – التابعة لمجموعة الإيكونوميست – تعد إندونيسيا الأكثر ديمقراطية بين الدول التي يتجاوز المسلمون فيها ثلثيّ السكان. وعلى الرغم من ظهور حالات التعصب في أحيانٍ كثيرة، إلا أن مسلميّ البلد – بعددهم الذي يزيد عن 200 مليون – نجحوا في التعايش بسلامٍ نسبيّ مع حوالي 250 نظام عقائديّ، وأكثر من 1300 مجموعة عرقية مختلفة منتشرة في أنحاء البلاد.
تمثل هذه النقطة رأس مالٍ اجتماعيّ وثقافي عالي القيمة يمكن للجامعة الحديدة الانتفاع منه لدراسة الإسلام الوسطي، أو الإسلام المعتدل، كما يعتقد قمر الدين، إذ إن «السمة المميزة للجامعة الإسلامية الدولية الإندونيسية ستكون في دمجِ الوسطية الإسلامية عبر أنشطتها البحثية والتعليمية والتعلّمية».
ستستفيد الجامعة من أركانها الثلاثة: (مدارسها، مركز الثقافة الإسلامية الإندونيسية، مركز الدراسات الإسلامية والإستراتيجية) لدراسة التقاليد الإسلامية الفريدة في إندونيسيا. ستضع الجامعة نموذج مركز الدراسات الإسلامية والإستراتيجية – الجناح البحثي المخطط للجامعة – على منوال معاهد البحوث الإسلامية التقدمية، مثل مركز جامعة لايدن لدراسة الإسلام والمجتمع ومركز أكسفورد للدراسات الإسلامية.
يؤكد قمر الدين: «ستمنح البحوث الأولوية لأكثر المشاكل إلحاحًا بهدف إتاحتها للاستخدام الملائم لدعم السياسات العامة. أتصور أنه يمكن التصدّي لمجموعة واسعة من القضايا، مثل النظام الإيكولوجي للراديكاليّة والسلفية في إندونيسيا وجنوب شرق آسيا».
يتفق أمين مع قمر الدين، مضيفًا أن مفتاح نجاح هذه الرؤية هو البيئة المتنوعة للطلاب الدوليين بقولِه: «إذا نجحت الجامعة الإسلامية الدولية الإندونيسية في اجتذابِ طلابٍ من أوروبا والشرق الأوسط، فأعتقد أنها خطوة واعدة لتقديم إندونيسيا بمثابة مركز عالمي للإسلام المعتدل».
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».