أعلنت الحكومة الإيرانية الشهر الماضي عن قوانين جديدة تُزيد من القيود حول عمليات الإجهاض والوصول إلى وسائل منع الحمل
نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية مقالًا لبارديس مهدوي، الأستاذة وعميدة كلية العلوم الاجتماعية في جامعة ولاية أريزونا الأمريكية، تحدثت فيه عن القيود الجديدة التي فرضتها الحكومة الإيرانية على وسائل منع الحمل وعمليات الإجهاض، والأسباب الكامنة وراء ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الحالة الإيرانية.
تستهل الكاتبة مقالها بالقول: بينما ينصب تركيز الولايات المتحدة على مسألة الإجهاض ومستقبل قانون رو ضد وايد (قرار أصدرته المحكمة العليا في الولايات المتحدة في سبعينات القرن الماضي تُمنح المرأة بموجبه الحق في الاحتفاظ بالجنين أو إجهاضه ضمن شروط محددة)، تجري محادثات أخرى حول الحقوق الإنجابية للمرأة في إيران، ففي الشهر الماضي أعلنت الحكومة الإيرانية عن قوانين جديدة تُزيد من القيود حول عمليات الإجهاض والوصول إلى وسائل منع الحمل. تستدرك الكاتبة: «وكما هو الحال في الولايات المتحدة، هذه ليست المرة الأولى التي نرى فيها الحكومة تستعرض عضلاتها عن طريق فرض السيطرة على أجساد النساء».
تضيف الكاتبة أن بحثها حول الثورة الجنسية في إيران يساعد في توضيح سياسات الحقوق الجنسية والإنجابية في إيران ما بعد الثورة، ولماذا تتعرض هذه الحقوق للهجوم باستمرار. فعندما يشعر النظام الإيراني بأنه يفقد سلطته، يميل القادة إلى التركيز على السياسات المتعلقة بالجنس والإنجاب.
وما نراه الآن يشبه إلى حد كبير موقف المتشددين الإسلاميين المحافظين الذين كانوا على رأس السلطة في ثمانينات القرن الماضي، أي في الأيام الأولى للجمهورية الإسلامية، واستدعت الكاتبة الخُطب الأخيرة التي ألقاها المرشد الأعلى علي خامنئي، رئيس الدولة السياسي والديني في إيران وخليفة مؤسس الجمهورية آية الله روح الله الخميني، إلى الوحدة ونبهت إلى ضرورة زيادة معدلات المواليد، وحذرت من الخطر الغربي الذي يلوح في الأفق.
وتُظهر هذه الخطابات أن القيادة الإيرانية قلقة بشأن الاحتجاجات المناهضة للحكومة، التي تشير إلى تراجع شعبيتها بين الإيرانيين في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء. وفي غضون ذلك يضع خامنئي والرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي قيودًا على عمليات الإجهاض، ويقيد الوصول إلى وسائل منع الحمل.
وهذه خطوة مزدوجة من السلطة؛ إذ تدفع الحكومة مخطط زيادة المواليد قدمًا، وتشجِّع جيلًا جديدًا على إنجاب مزيد من الأطفال، ومن ثَم تأمل في زيادة عدد السكان الإيرانيين الموالين لها، بحسب الكاتبة. وفي الوقت نفسه تقلص الحكومة بموجب هذه القيود الخيارات أمام النساء فيما يخص تحديد وقت الإنجاب، أو أخذ فاصل زمني بين ولادة الأطفال، وترسل بذلك رسالة إلى جميع الأسر حول مدى سرعة زوال الامتيازات الخاصة.
منع الحمل والإجهاض.. التحكم في أجساد المواطنين
تشير الكاتبة إلى أنه في أعقاب ثورة عام 1979، أعطت الجمهورية الإسلامية في كثير من الأحيان الأولوية للسيطرة على أجساد مواطنيها. إذ تأسست الجمهورية الإسلامية على وعد باستعادة «النظام الأخلاقي» الذي من شأنه محاربة «السموم الغربية» وإعادة روح «إيران الحقيقية» إلى البلاد.
وكانت واحدة من أولى الخطوات التي اتخذها الخميني بعد توليه السلطة هي سن قوانين تفرض الحجاب على النساء، ليعيد بذلك إيران إلى تطبيق التفسير الصارم للقوانين الإسلامية. كما وضع الخميني قيودًا على أي علاقات جنسية خارج إطار الزواج، وعَدَّ ذلك جزءًا من القواعد القانونية القائمة على الأخلاق.
ولكن الحكومة شجَّعت صراحةً على الإنجاب داخل إطار الزواج. فكانت السياسات الجديدة في الثمانينات تهدف إلى زيادة معدل المواليد؛ إذ كانت تحصل كل امرأة تُنجب أكثر من طفلين على إعفاء ضريبي، وكانت أي عائلة لديها خمسة أطفال أو أكثر تُمنح قطعة أرض مجانية من الحكومة. وأراد النظام الإسلامي أن ينشئ جيلًا جديدًا مواليًا للجمهورية الإسلامية، وأدَّى هذا الجهد بالفعل إلى زيادة كبيرة في عدد السكان، مع أن من بين هؤلاء الإيرانيين الآن أناس كثُر من الذين أصيبوا بخيبة الأمل من النظام الإيراني.
ففي السبعينات كان معدل المواليد الجدد في إيران حوالي 40 ولادة لكل ألف شخص. وخلال السنوات الثلاث الأولى للجمهورية الإسلامية، ارتفع هذا العدد ليصل إلى 50 ولادة لكل ألف شخص ثم وصل العدد إلى 60 بحلول عام 1984. وأطلقت إيران على الذين ولدوا في هذه الفترة لقب «أطفال الثورة»، واعتقدت أن هذا الجيل سيسهم في تغيير الوطن.
ثم تراجعت كثير من هذه الأولويات، والقيود التي صاحبتها، في أواخر التسعينيات، عندما وصل الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي إلى السلطة، وتقول الكاتبة إنه من المثير للانتباه أن خاتمي أمر بإنشاء بنية تحتية تسمح بتوزيع وسائل منع الحمل على المتزوجين مجانًا.
وأضافت أنه من خلال عملها الميداني، لاحظت الكاتبة أن هذه العيادات تقدم الدعم لأي شخص يطرق بابها بغض النظر عن حالته الاجتماعية. وسنَّ الإصلاحيون الإيرانيون قوانين تُلزم دراسة علم التربية الجنسية لجميع الراغبين في الزواج، وسمحوا بالإجهاض في حالة «الضرورة لإنقاذ حياة الأم».
وانخفض بعد ذلك معدل المواليد بحدة بحلول عام 1998، أي بعد عام واحد من تولي خاتمي لمنصبه، ليصبح 17 ولادة لكل ألف شخص. وأفاد الشباب الذين أجرت معهم الكاتبة مقابلة في الأعوام بين 2000-2005 أن استخدام موانع الحمل قد تضاعف بين أقرانهم وأن عمليات الإجهاض التي كانت تجري في الخفاء انخفضت بشدة.
الجيل المُحبَط
تلفت الكاتبة إلى أنه على مدى العقدين الماضيين، أصبح «أطفال الثورة»، الذين هم الآن في عمر 25-42، محبطين جدًّا من النظام، وزاد سخطهم مع ارتفاع أسعار الغاز، وارتفاع معدلات البطالة التي وصلت إلى 40% والعبء الثقيل للعقوبات التي تثقل كاهل البلاد.
تضيف الكاتبة أنها عندما بدأت عملها الميداني عام 1999، كان الشباب في المناطق الحضرية في الغالب هم الذين عبَّروا عن خيبة أملهم من النظام. وحاولت الحكومة الإسلامية ترسيخ قواعد حكمها من خلال تطبيق قانون أخلاقي يتضمن تضييق الخناق على الحقوق الجنسية والإنجابية، وأي علاقات اجتماعية بين الجنسين. وقاوم الشباب الإيراني ما وصفوه بالثورة الجنسية، وألقت بعض الفتيات الحجاب وراء ظهرهُن وانخرطْن في أنشطة جنسية خارج إطار الزواج. وهاجمن النظام عن طريق مهاجمة ذلك النسيج الأخلاقي الذي يمارس النظام سلطته من خلاله.
ولكن بحلول عام 2017 لم يعد الشباب فقط في المدن مثل طهران أو شيراز أو أصفهان هم الذين يُعبِّرون عن إحباطهم من النظام. إذ شعر الإيرانيون في جميع أنحاء البلاد بالقلق من رئيسي، أحد أكثر قادة البلاد تحفظًا حتى الآن. ومنذ فوزه بالرئاسة، كان الإيرانيون يقاومون بشدة وذلك بتنظيم حركات عمالية وإضرابات واسعة النطاق، مثل إضراب عمال النفط الذي حصل هذا العام. كما دفع الإيرانيون في الخارج من أجل إبراز ملف حقوق الإنسان الإيراني والعثرات الاقتصادية، مناشدين الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى لزيادة الضغط على النظام وإنهاء العقوبات.
ويبدو أن الرئيس والمرشد الأعلى في إيران يتدافعان إلى الاستجابة لمطالب التغيير، بما فيها مطالب تحسين الاقتصاد وزيادة فرص العمل، ولكن لأنهم غير قادرين على تلبية هذه المطالب، فهم يحاولون تشتيت انتباه الشعب من خلال سن هذه القوانين الجديدة.
وتختم الكاتبة بالقول: لطالما كان رد فعل الحكومة عندما تجد نفسها في مأزق أن تحول انتباه الشعب إلى أجساد النساء، وهذا بالضبط ما يبدو أنه يحدث اليوم. وأولئك الذين ينظرون إلى اللحظة الحالية من خلال عدسة السياسة والاقتصاد، دون فهم سياسة النشاط الجنسي، لا يدركون شيئًا مهمًّا للغاية بشأن طبيعة إيران اليوم.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».