دعا المُحلِّل الإسرائيلي سيث جيه فرانتزمان، المتخصِّص في شؤون الشرق الأوسط، في تحليله الذي نشرته صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية إلى ضرورة التركيز على معرفة مَنْ هم قادة إيران الآن، في ظل استمرار المفاوضات المتعلقة بالاتفاق الإيراني في أوروبا ومحاولة طهران الضغط على الغرب لتخفيف العقوبات في الوقت الذي تخطو فيه إيران بخطًى سريعة نحو أن تصبح دولة على أعتاب حيازة أسلحة نووية.
النخبة الإيرانية الجديدة
وفي مستهل تحليله، يُشير الكاتب إلى ورقة بحثية جديدة تُحذِّر من أن القيادات الإيرانية الحالية ليست هي القيادة التي كانت موجودة منذ عدة أعوام. إذ كشف بحث جديد صادر عن معهد «توني بلير» للتغيير العالمي (منظمة غير ربحية تتمثل مهمتها في تجهيز القادة والحكومات لمستقبل عالمي) عن فئة جديدة في النخبة الإيرانية الحاكمة من التكنوقراط الملقَّنين تلقينًا عقائديًّا عاليًا. وأصدر المعهد هذه الورقة البحثية الجديدة هذا الأسبوع تحت عنوان «النخبة الصاعدة في عهد رئيسي: جماعة الإمام الصادق، التكنوقراط في إيران».
وتوضح الورقة البحثية الصادرة عن معهد «توني بلير» أن: «إدارة الرئيس الإيراني الجديد، رجل الدين الإسلامي المتشدد إبراهيم رئيسي، تتشكل الآن. وكان رئيسي طالبًا وتابعًا مخلصًا للمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، وقد أُعد رئيسي ليصبح رئيسًا لمرحلة «تطهير» الجمهورية الإسلامية. ويُعد التطهير أمرًا ضروريًّا لخامنئي وأتباعه المتشددين للانتقال إلى المرحلة التالية من الثورة الإسلامية، وهي إنشاء دولة إسلامية مثالية، والتي لم تتحقق حتى الآن كما يعتقدون».
ويُؤكد الكاتب أن هذا الأمر مهم لأن النظام في إيران أنتج الآن جيلًا جديدًا من القادة الذين يرون مستقبل إيران في إعادة توجيهها نحو الشرق. ويتجلى هذا بوضوح في اتفاق إيران الجديد مع الصين، بالإضافة إلى المحادثات الجارية بشأن إبرام اتفاق للطاقة في وسط آسيا. وأضاف الكاتب أن الورقة البحثية أفادت أنه «بالإضافة إلى تطهير النظام من التأثيرات الغربية، تتمثل أحد أهداف الدولة الإسلامية في جعل الجمهورية الإسلامية أكثر كفاءة من خلال تصحيح مسار سوء إدارة الحكومة الذي استمر لعقود. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يدرك نظام الملالي في إيران أن هذا الأمر يحتاج إلى تكنوقراطيين وبيروقراطيين مُحنَّكين يُمكنهم تنفيذ سياسات النظام».
تحالف جديد بين المرشد والحرس الثوري الإيراني والتكنوقراط
يرى الكاتب أن النخبة الإيرانية الجديدة ستجعل إمكانية التوصُّل إلى اتفاق أمرًا أكثر صعوبة أمام الدول الغربية. وعلى عكس إدارة أوباما، تُصغي الإدارة الأمريكية الحالية إلى مخاوف إسرائيل والخليج بشأن دور إيران في المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، عقدت إسرائيل مؤخرًا اجتماعات رفيعة المستوى مع المملكة المتحدة بشأن طموحات طهران النووية.
وتُحذر الورقة البحثية الجديدة من أن كبير المفاوضين الإيرانيين في محادثات فيينا هو أحد الذين ينتمون إلى جماعة «الإمام الصادق» الجديدة، كما يصفهم بأنهم تكنوقراط مُلقَّنين تلقينًا عاليًا، وأن هؤلاء الرجال كانوا ملتفِّين حول الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، ويكشف البحث أن «صعود جماعة الإمام الصادق»، لأول مرة منذ 42 عامًا، يُغيِّر من ديناميكية النخبة الإيرانية وتفاعلاتها، مما أدَّى إلى ظهور تحالف جديد ناشئ بين مكتب المرشد الأعلى والحرس الثوري الإيراني والتكنوقراط أصحاب الأيديولوجية.
ويلفت الكاتب إلى أنه يجري في الوقت الراهن تنسيق أكبر مع الحرس الثوري الإسلامي، ويتجلى هذا بالفعل خلال السنوات الأخيرة مع ابتلاع الحرس الثوري الإيراني للسلطة من جهات حكومية إيرانية أخرى، واستيلائه على برامج عسكرية ودفاعية رائدة وتصرفه بصفته وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات الخاص بالبلاد، وأورد البحث الجديد أسماء عدة شخصيات مهمة في الإدارة بوصفهم رموزًا للتوجه الجديد. وتتضمن هذه الأسماء عليّ باقري كني، نائب وزير الخارجية الإيراني الجديد وكبير المفاوضين النوويين، وإحسان خاندوزي، وزير الاقتصاد والمالية، بالإضافة إلى وزير العمل والرعاية الاجتماعية حجت الله عبد المالكي.
جماعة «الإمام الصادق» تُعقِّد التوصل إلى اتفاق نووي
يُنوِّه الكاتب إلى أن الورقة البحثية الجديدة حذَّرت أيضًا من أن الغرب أخطأ في قراءة بعض هؤلاء التكنوقراط؛ فهم ليسوا براجماتيين نفعيين كما اعتقد الغرب، لكنهم «أيديولوجيين متحمسين»، وهذا يعني أنه «على الرغم من كون جماعة الإمام الصادق ليست عسكرية بالمرة، فإنها تتبنى تمامًا الأيديولوجية ذاتها التي يتبناها الحرس الثوري الإيراني، نظرًا إلى عملية الاختيار الصارمة التي خضعوا لها من أجل الالتحاق بالحكومة كما خضعوا لعمليات تلقين مكثفة للتخرُّج».
وفي هذا الصدد، قال كسرى أعرابي، كبير المحللين الإيرانيين، الذي شارك في إعداد البحث: «استيلاء جماعة الإمام الصادق على النظام البيروقراطي يُقلل من احتمالية التوصُّل إلى اتفاق نووي مقبول، ويزيد من احتمالات استخدام أي أموال مخصصة للنظام، بفضل تخفيف العقوبات في إطار عودة الولايات المتحدة المحتملة للاتفاق النووي لعام 2015، من أجل تحقيق الأهداف الأيديولوجية في الداخل والخارج، لا سيما نزعة القتال الإقليمية، بدلًا من حل مشكلات إيران الاقتصادية».
ويدعو أعرابي الغرب إلى ضرورة التعرُّف إلى هذه النخبة الإيرانية الصاعدة حتى يتمكن من التنبؤ بالتوجه المستقبلي للنظام، وتتبَّعت الورقة البحثية كيفية صعود هؤلاء الأشخاص، الذي يعود إلى سنوات شبابهم في عهد الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي (1997-2005) ومن ثم في عهد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد (2005-2013)، الذي فتح آفاقًا جديدة لجماعة الإمام الصادق، وأفسح لهم المجال للانضمام إلى بيروقراطية الدولة التقليدية.
وأبرز الكاتب أنه في الوقت الذي ساعدت حقبة خاتمي في ظهور جماعة «الإمام الصادق»، فإن أفضل وصف لعهد أحمدي نجاد أنه كان يعد «مرحلة نمو وازدهار» لتلك النخبة، ويُمكن ملاحظة استيلاء هؤلاء الرجال على مفاصل الدولة في جميع المجالات رويدًا رويدًا، وقد ضاعفوا من قوتهم في قطاع الإعلام وغيرها من المؤسسات كذلك. وتوضح الورقة البحثية أن «نخبة الإمام الصادق جرى تعيينها من خلال البيروقراطية غير التقليدية للجمهورية الإسلامية في المؤسسات التي تديرها المؤسسة الإسلامية المتشددة، مثل مجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور ومؤسسة العتبة الرضوية المقدسة، وهي مؤسسة خيرية يُديرها خامنئي لتحقيق الأهداف الأيديولوجية للنظام».
وتضيف الورقة البحثية أنه «جرى استبدال خاجة سارفاري بصفته مساعدًا للثقافة والشؤون الاجتماعية في وزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا، التي تُشرف على التعليم العالي، ولكن بعد ذلك عُيِّن في منصب إداري في مؤسسة العتبة الرضوية المقدسة. وعلى نحو مماثل، خرج محمد باكر خورامشاد، الذي كان من بين التكنوقراط الصاعدين في نخبة الإمام الصادق بعد أن أصبح رئيسًا لمنظمة الثقافة الإسلامية والاتصال بوزارة الثقافة في عهد أحمدي نجاد، من الحكومة ليصبح سكرتيرًا لمركز الأبحاث الذي يديره خامنئي، المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية في الجمهورية الإسلامية».
انتهت ازدواجية طهران القديمة
وألمح الكاتب إلى أن قراءة الورقة البحثية الجديدة توفر عديدًا من النقاط الأخرى، ومنها أنه يُرجَّح حاليًا تحول القيادة الإيرانية الجديدة بعيدًا عن الغرب، فإذا كانت إيران في السابق تظهر بوجهٍ لطيف، إلا أنها حاليًا ترى في الغرب فائدة أقل، وبطريقة ما، قد يعني هذا الأمر أنه في محادثات فيينا، ستفرض إيران على الغرب أمرًا واقعًا: أعطونا اتفاقًا أو سنرحل.
ويخلص الكاتب إلى أن إيران تشعر بالقوة؛ إذ وصل النظام الإيراني إلى مستويات جديدة من القوة على الرغم من حملة «الضغط الأقصى» التي مارستها الولايات المتحدة خلال عهد ترامب، وحصلت المليشيات الشيعية في العراق على وضع شبه عسكري رسمي؛ مما رفع من شأنها وجعل وجودها دائمًا. كما عملت إيران على تمكين حزب الله في لبنان من خلال تدمير الاقتصاد اللبناني، بحسب الكاتب، وزودت المتمردين الحوثيين في اليمن بتكنولوجيا جديدة للصواريخ والطائرات من دون طيار، وضاعفت من ترسانة أسلحة حركة حماس، كما ساعد النظام الإيراني في إبقاء النظام السوري في السلطة، واستولى على بعض المناطق في سوريا، كما أدَّت إيران دور الوسيط في بعض الصفقات مع تركيا وروسيا فيما يتعلق بسوريا المحاصرة.
ويختتم الكاتب تحليله بتأكيد أن حقيقة النظام الإيراني أصبحت الآن واضحة لصانعي السياسات، فبدلًا من تكرار المشهد الازدواجي ذاته في المحادثات مع الغرب، والذي كان فيه «المعتدلِون» على استعداد للتفاهم مع الغرب بلغتهم في حين يتحكم «المتشددون» في كل الأمور عند العودة إلى الوطن، يبدو النظام الإيراني الآن أكثر وضوحًا. ولا توجد تناقضات كثيرة الآن بعد أن وصل هؤلاء الرجال إلى السلطة، وهذا يعني أن النظام قد يعرض بصورة أكثر وضوحًا وانفتاحًا ما سيفعله بالضبط، بدلًا من الاختباء وراء ازدواجيته القديمة.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».