نشر موقع «ستراتفور» تحليلًا لتطور العلاقة بين سوريا وإيران، منذ شهدت تقدمًا ملحوظًا بعد الأحداث التي شهدتها دمشق في 2011، وحتى المتغيرات الأخيرة التي ربما تذكر بأن دوام الحال من المحال. خلص تحليل ستراتفور إلى ثلاثة استنتاجات رئيسة:

– صحيح أن إيران قدَّمت مساعدة أمنية لا تقدر بثمن لسوريا أثناء حربها الأهلية، لكنَّ فوائد تلك المساعدة ستتقلص كلما هدأت نيران الحرب أكثر.

– مع تراجع قدرة إيران على تقديم المساعدة لسوريا، في خضم العقوبات الأمريكية، ستضطر دمشق إلى الاعتماد على روسيا، بينما تبحث عن شركاء آخرين لمساعدتها في عملية إعادة البناء. 

– في حين تسعى سوريا إلى استعادة سيادتها، وتقليص فرص تعرضها لهجوم إسرائيلي؛ ستضع دمشق استراتيجات لإعادة علاقتها مع إيران إلى وضعٍ أكثر نديَّة على غرار ما قبل الحرب.

التباطؤ الاقتصادي في سوريا

بينما تضع الحرب الأهلية أوزارها، تباطأت وتيرة التدهور الاقتصادي في سوريا، لكن ثمة مشكلات جديدة، من بينها التراجع الاقتصادي لشريكها التجاري الرئيس، لبنان، وهو ما قد يقوض التحسن الذي لا يزال هشًا. مصدر البيانات: البنك الدولي

بعد مضي تسع سنوات تقريبًا، ها هي الحكومة السورية تحرز نصرًا في الحرب الأهلية التي اجتاحت البلاد، ويرجع السبب في ذلك إلى حدٍ كبيرٍ إلى الدعم القوي من إيران وروسيا. لكن بينما تخمد نيران الحرب رويدًا، سرعان ما تبرز أسئلة حول كيفية تأمينها للسلام، وما يعنيه ذلك لنفوذ الحلفاء الذين ساعدوا في تحقيقه. 

وعلى وجه التحديد، ثمة قدر كبير من الغموض بشأن النفوذ الإيراني العميق في سوريا، في الوقت الذي تضع فيه دمشق إستراتيجيات تساعدها في الخروج من عزلتها الاقتصادية، واستعادة سيادتها على الشؤون الداخلية، وتقليص تعرضها لهجمات إسرائيل المتكررة. بيد أن هذه الضروريات تتصادم مع بعض إستراتيجيات إيران في سوريا، مما يخلق وضعًا ربما لا تجد فيه دمشق أمامها خيارًا سوى خفض نفوذ طهران إلى مستويات ما قبل الحرب، هذا إذا أرادت أن تجد طريقة لإعادة البناء، وإلا فلا.

نظرة أوسع

كلما خبت نيران الحرب الأهلية في سوريا، تغيرت قيمة الحلفاء بالنسبة لدمشق. فبينما كان الصراع كان أكثر احتدامًا، نجحت إيران في تحويل سوريا إلى جبهة أمامية لمواجهة إسرائيل، وطريق إمداد قوي إلى حزب الله اللبناني، ومسرح للحرب بالوكالة ضد دول الخليج العربي. ولكن الآن بما أن دمشق يتعين عليها التغلب على عزلتها الاقتصادية، وإعادة ترسيخ سلطتها على شؤونها الداخلية، فإنها تواجه ضغوطًا للتصدي لمختلف جوانب الاستراتيجية الإيرانية، التي تعزلها عن أصدقائها الجدد المحتملين، وتعرِّضَها إلى تكرار الهجمات الإسرائيلية.

قيمة إيران تتبدد

على مدى عقود، احتفظت طهران ودمشق بعلاقات وثيقة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى انعدام ثقتهما المشتركة في إسرائيل، وطابعهما الفريد باعتبارهما دولتين غير سنيتين (على الأقل فيما يتعلق بحكام سوريا، إن لم يكن معظم سكانها) وسط دول سنية في الشرق الأوسط. 

Embed from Getty Images

وعلى مدار الحرب الأهلية، نجحت إيران في كسب مزيد من النفوذ في سوريا؛ لأن تدخلها كان هو بالضبط ما طلبته دمشق في وقت شدتها. إذ قدمت طهران أسلحة ومليشيات عززت الجيش الوطني السوري الضعيف، الذي مزّقته الانشقاقات، وأصيب بالشلل نتيجة انعدام الثقة. في الواقع، قدمت القوات الإيرانية والقوات المرتبطة بها معظم الموارد التي أتاحت لدمشق استعادة المدن الرئيسية في سوريا، وصد الفصائل المتمردة وإجبارها على التراجع إلى الحدود الشمالية مع تركيا.

واستدرك التحليل: لكن أما وأن المدن الكبرى، مثل دمشق واللاذقية وحلب وغيرها، باتت الآن تحت السيطرة السورية الكاملة، آن للمقيمين في هذه المناطق، لا سيما الموالين للحكومة، أن يتطلعوا للعودة إلى الأوضاع الطبيعية والانتعاش الاقتصادي. 

بيد أن الأمم المتحدة تقدر تكلفة إعادة الإعمار بنحو 400 مليار دولار؛ ما يعني أن جهود إعادة البناء ستتطلب مساعدة كثير من الدول، ومن بينها دول معادية للحكومة الحالية. وبناءً عليه لن تستطيع إيران التي ترزح تحت وطأة العقوبات، سوى تقديم القليل من المساعدات، حتى لو رغبت في منح المزيد.

واليوم، تسيطر الحكومة السورية على معظم المدن الرئيسة في البلاد، حيث كان يعيش 77% من سكانها قبل الحرب (وبسبب عمليات النزوح، وسوء حفظ السجلات أثناء الحرب؛ فإنه لا يوجد تعداد دقيق لسكان سوريا اليوم). 

وفي ظل الأمن النسبي الذي تتمتع به المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، شهد السكان، حتى وقت قريب، انتعاشًا اقتصاديًا؛ حتى أن البنك المركزي رصد زيادة بلغت 1.9% في الناتج المحلي الإجمالي في 2017، وهو آخر عامٍ حدثت فيه المؤسسة هذه البيانات (وإن كان البنك المركزي يرى أن الناتج المحلي الإجمالي في سوريا تراجع خلال الفترة ذاتها).

ولكن الآن ثمة سلسلة من المشكلات التي تعوق التقدم الاقتصادي، مما يجبر البلاد على إعادة النظر في إستراتيجياتها للتغلب على عزلتها الاقتصادية. وأضرت العقوبات الأمريكية ضد إيران، وهي أقوى حليف اقتصادي لسوريا، بقدرة طهران على تمويل مشروعات البنية التحتية في سوريا، وتوفير خطوط ائتمان للسلع الأساسية. 

وقبل العقوبات الأمريكية، كانت إيران تضخ ما يصل إلى 8 مليارات دولار سنويًا في شرايين الاقتصاد السوري، لكن يبدو أنها لم تعد قادرة على الوفاء بالتزاماتها السابقة، إذ خفَّضت طهران رواتب المليشيات الموالية لها، وأجلت بعض المشروعات أو أحالتها إلى شركات روسية، بحسب ستراتفور.

وفيما يتعلق بالتجارة وتدفقات الطاقة، لم تُستأنف الخدمات بوتيرتها الطبيعية حتى الآن. ولا تزال طرق التجارة القديمة في سوريا مُعطَّلة إلى حد كبير، إذ لا تزال الحدود الرئيسة مغلقة، بينما عجزت الطرق التي تمر عبر العراق والأردن في أن تحل محلها. في الوقت ذاته، لا تزال حقول الطاقة الصغيرة في سوريا في أيادي قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة. 

فضلًا عن أن الفساد الداخلي المزمن ما زال هو الآخر يستنزف ما تبقى من موارد. ويزيد من حجم المشكلة؛ تفاقُم الصعوبات الاقتصادية في سوريا، والأزمات الاقتصادية والسياسية في لبنان، التي تعد آخر شريك تجاري محلي رئيس لسوريا، وأحد منافذها الاقتصادية الرئيسية إلى العالم.

آن الأوان لكسب أصدقاء جُدد

بعد ما هزمت دمشق أخطر أعدائها، بات حتى الموالون لها يطرحون تساؤلات حول مستقبل سوريا. 

وأطل الاستياء برأسه في دمشق الصيف الماضي، حيث أدى النقص المستمر في الطاقة إلى وقوف المواطنين في طوابير طويلة لشراء وقود. وعلى الحدود مع لبنان، يؤثر نقص الدولار الآن على الأعمال التجارية في سوريا؛ مما يذكي لهيب الاستياء إزاء عزلة البلاد عن العالم.

Embed from Getty Images

وألمح ستراتفور إلى أن العمل على الحد من النفوذ الإيراني لمستويات ما قبل الحرب ربما يُقَرِّب سوريا من دول الخليج العربي، ليس ذلك وفقط، بل سيثبط همَّة إسرائيل أيضًا، ويحول دون استمرار حملتها طويلة الأمد ضد القوات الإيرانية في سوريا.

حتى حكومة سوريا – التي ظلَّت متوحدة في وجه الانتفاضة – لا زالت تسودها التشرذمات الداخلية، ويتجاذبها أمراء الحرب، وتغزوها المناورات السياسية. وفي حين تسيطر العائلة المقربة من بشار الأسد على الدولة، فإن العشائر الطائفية ورجال الأعمال وقادة المليشيات وضباط الجيش والبرلمانيين يتصارعون جميعًا للحصول على حصة من الغنائم التي يضمنها ولاؤهم للدولة. وفي الحقيقة، ولطالما كان إيجاد توازن بين هذه الفصائل الداخلية أولوية لعائلة الأسد، وسيظل كذلك في العام المقبل، حسبما يخلص التحليل.

بالنظر إلى الوضع الراهن، يجب أن تعثر سوريا على موارد اقتصادية جديدة لتوزعها على تلك الفصائل. ونظرًا لمحدودية ما تستطيع إيران تقديمه، وتردد موسكو وبكين حتى الآن في فتح دفاتر شيكاتهم، تتطلع سوريا إلى مكان أبعد، وعلى وجه التحديد بعض دول الخليج التي حققت معها بعض الإنجازات الدبلوماسية، خاصة الإمارات والبحرين.

 الإمارات، على وجه الخصوص، تتمتع بثراء كافٍ لتستثمر في بعض أعمال إعادة إعمار سوريا. وتُمثِّل أبوظبي أيضًا شريكًا دبلوماسيًا مفيدًا يمكنه إقناع الرياض بتقديم بعض المساهمة أيضًا. وفي الوقت الراهن، ستضمن الموجة الجديدة من العقوبات الأمريكية المرتقبة على سوريا أن الشركات التي لديها استعداد لتحمل المخاطر هي فقط التي ستضخ المزيد من أموالها.

هل تستطيع سوريا الفطام عن الدعم الأمني الإيراني؟

من الطبيعي، أيضًا، أن دول الخليج العربي المشار إليها آنفًا لها متطلبات في مقابل الدعم الذي تقدمه، تتمثل في تقليل نفوذ إيران في سوريا. ولكن نظرًا لعودة الأمن إلى مستوياته الطبيعية نسبيًا في المحافظات التي يسيطر عليها النظام، فإن الثمن الذي تنتظره دول الخليج ستكون سوريا قادرة على تحمّله، لأنها لم تعد تحتاج المستوى ذاته من التدخل الإيراني كما كانت في السنوات الماضية، بل إن القوات الإيرانية ربما تضر دمشق الآن في بعض القضايا أكثر مما تنفعها، وينطبق ذلك بصفة خاصة على إسرائيل، التي تستمر في ضرب القوات الإيرانية داخل سوريا، مما يفاقم الضرر الذي يلحق بالبنية التحتية السورية مثل مطار العاصمة. 

والحال هكذا، تجد حكومة الأسد نفسها مكرهة على السماح للنفوذ الأجنبي بالاستمرار أبدًا في سياسات سوريا الداخلية. ولكن في ظل سعي سوريا إلى استعادة بعض استقلاليتها في التصرف، وتقليص نفوذ إيران في البلاد، سوف تتحرك طهران بطبيعة الحال للحفاظ على نفوذها، ولكن حين تفعل ذلك، ربما ينتهي بها الحال إلى معاداة سوريا أو الروس أو كليهما، خاصة إن اتبعت نهجًا أكثر صرامة أو تعجلًا مما قد تقبله سوريا.

ختم ستراتفور تحليله بالإشارة إلى أنه‏ في حين تحاول سوريا الاندماج في المجتمع الدولي والعثور على مَن يمول بعض مشروعات إعادة إعمارها، ربما يوشك عصر نفوذ طهران في دمشق على الانتهاء. وإذا كان الأمر كذلك، فربما تجد إيران نفسها ترجع إلى الوضع الذي كانت عليه في عام 2011، عندما كانت حليفًا كبيرًا لسوريا، وليس راعيًا رئيسًا قادرًا على استغلال سوريا كما يشاء.

سياسة

منذ 7 سنوات
إيران تشتري سوريا.. وتستوطنها

مشروع سكني إيراني كامل أقيم في منطقة (المزة) التي توجد بها السفارة الإيرانية في دمشق، ومناقصات حكومية سورية مفتوحة فقط للإيرانيين، أحياء سكنية مدمرة اشترت ليعيد الإيرانيين إعمارها ومن ثم استوطنها، وآخري تم ابتزاز سكانها حتى المؤيدون للنظام السوري ومن ثم إجبارهم على التخلي عن عقاراتهم تحت التهديد.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد