يجب على إدارة بايدن معرفة موقف الصين من الانقلاب بوضوح قبل أن يواجه الرئيس الأمريكي الجديد أولى أزماته الخارجية الكبرى

نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية مقالًا لـ عظيم إبراهيم، أستاذ الأبحاث بمعهد الدراسات الاستراتيجية بكلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي، قدَّم فيه قراءة لتطورات الأوضاع في ميانمار، لا سيما بعد حدوث انقلاب عسكري في البلاد، مشيرًا إلى أن نجاح جو بايدن في أول اختبار يواجهه في ملف السياسة الخارجية يتوقف على التحديد الدقيق لموقف الصين من هذا الانقلاب.

يستهل الكاتب مقاله بالقول: فوجِئ كثير من المراقبين الدوليين عندما بدأ جيش تاتماداو، الجيش الوطني الميانماري، في التلميح إلى حدوث انقلاب في البلاد خلال الأسبوع الماضي، ما أنذرَ باستيلائِه على السلطة في مطلع شهر فبراير (شباط).

ما سبب الانقلاب في ميانمار؟

يؤكد الكاتب على أنه من غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت هناك مخاوف حالية من أن الانتخابات الاتحادية التي أُجريت مؤخرًا، والتي فاز فيها حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية التابع للمستشارة أون سان سو تشي بأغلبية ساحقة، ربما أعطت القوى المناصِرة للديمقراطية في البلاد فرصة لمحاولة تجريد المؤسسة العسكرية من بعض سلطاتها التي لا تزال مترسخة، أو ما إذا كانت هناك أحداث أخرى قد وقعت مؤخرًا دفعت الجنرال مين أونج هلاينج إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة.

وتتمثل ذريعة حدوث الانقلاب في تزوير مزعوم للانتخابات أثناء إجراء الانتخابات الفيدرالية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وهو ما يشبه إلى حدٍ مخيف ادِّعاءات حملة دونالد ترامب في الولايات المتحدة، التي تفتقر إلى أسس موضوعية أيضًا، بحسب الكاتب.

Embed from Getty Images

ولكن ربما يتبين أن الطرف الأكثر أهمية هو الصين. وقد يكون الاجتماع الذي جمع بين الدبلوماسي الصيني الكبير، وانج يي، ومين أونج هلاينج بمثابة النقطة المحورية في اتخاذ قرار بشأن الانقلاب. وربما تصبح كيفية تعامل الصين والولايات المتحدة مع الأزمة مؤشرًا حاسمًا في علاقتهما.

وكان جيش تاتماداو قد روَّج لرواية تزوير الانتخابات منذ نوفمبر، ولكن القيادة ترددت في اتخاذ إجراء ما لم يكن لديها ثقة في إمكانية اعتمادها على بكين لحمايتها من التداعيات الحتمية في الأمم المتحدة من جانب الدول الغربية، وربما تعويضها أيضًا عن فرض عقوبات مقبلة من خلال توسيع نطاق العلاقات الاقتصادية بين الدولتين الجارتين. ويبدو من المرجح أن شيئًا ما يتعلق بهذا الاجتماع دفع القائد العسكري إلى الاعتقاد بأن الصين تستعد للوقوف بجانب جارتها.

هل تنتهي العزلة الدولية للجيش الميانماري؟

ويضيف الكاتب: ومع ذلك، فإن الأمر الغريب هنا هو أن بكين لطالما وطَّدت علاقاتها مع حكومة سان سو تشي أكثر من توطيد علاقاتها مع النظام العسكري في ميانمار في الماضي. ويرجع السبب في ذلك إلى جيش تاتماداو إلى حدٍ كبير، الذي دائمًا ما يفضل العزلة الدولية على مر التاريخ على أي شكل من أشكال الاعتماد على بلد أجنبي، حتى وإن كان بلدًا مثل الصين الذي يتوافق معه من الناحية الأيديولوجية على صعيد وطني باعتبارهما دولتين اشتراكيتين.

وأدَّى الخوف من الاعتماد على الصين، في بعض أشكاله، إلى تكيُّف الجيش الميانماري مع الديمقراطية لعقد من الزمان وتعليق كبرى المشروعات الصينية مثل سَد ميتسون؛ وهو ما وضع عوائق دائمة في طريق تحسين العلاقات بين البلدين منذ ذلك الحين. ولذلك، ربما يكون التزام مين أونج هلاينج باستعادة العلاقات الاقتصادية وتعميقها بين البلدين هو السبب في أن الصينيين لم يترددوا في وضْع حدٍ لدعم أون سان سو تشي. وإذا استؤنف مشروع السد، بصرف النظر عن تبِعاته التي ستؤدي إلى تهجير عدد لا يحصى من القرويين المحليين وتشريدهم، فسيكون ذلك دلالة كبرى على تحوُّل المؤسسة العسكرية نحو الصين.

دولي

منذ سنتين
العسكر عادوا بعد غياب عقدين.. 4 أسئلة تشرح لك انقلاب ميانمار

ولكن ربما لم يُعطِ الصينيون إذنًا صريحًا للجنرال الميانماري بالمضي قدمًا في مخططاته، ولكن القيادة العسكرية اعتقدت أنه بإمكانها اجتذاب بكين إلى صفوف دفاعها على أي حال. وسيكون التقدير في هذه الحالة هو أن الصين نادرًا ما تفوِّت فرصة لتوسيع نفوذها في آسيا على حساب الولايات المتحدة، ولذلك عندما تعتزم واشنطن وحلفاؤها فرض عقوبات على ميانمار، فسيجد المسؤولون الصينيون أنه من مصلحتهم التدخل لصالح القيادة في ميانمار.

بايدن يواجه الاختبار الأول

ويرى الكاتب أن هذا هو أول اختبار حقيقي يواجهه فريق الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن على صعيد السياسة الخارجية، ويجب التعامل معه مع وضع شعب ميانمار وتطلعات بكين في الاعتبار. وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد أدان الانقلاب العسكري على نحوٍ صحيح وملائم.

ولكن بكين لم تُعرِب بدورها عن دعمها الكامل للانقلاب. ويبدو أنها تدعم بالفعل إجراء مصالحة بين جيش تاتماداو والرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، على الأقل في العلن. ولذلك، ربما مضى هلاينج قُدُمًا بالفعل في هذا الانقلاب من دون دعم صيني صريح. وفي هذه الحالة، ربما تستاء بكين من إجبارها على دعم المخططات السياسية المحلية لدولة تابعة صغيرة، وربما تنفتح على التعاون مع واشنطن في القضاء على جيش تاتماداو بسبب هذا الانقلاب، ما يؤدي في أسوأ الأحوال إلى تراجع ميانمار مرةً أخرى إلى العزلة الكاملة، ولكن من المرجح أن يؤدي ذلك إلى استعادة الدستور الأكثر ديمقراطية والحكومة المدنية بعد أن تشتعل احتجاجات جماهيرية واسعة النطاق على الأرجح.

هل يجد بايدن حلًّا لأزمة الروهينجا؟

ويشير الكاتب إلى احتمالية عقْد صفقة في هذا الصدد؛ إذ يمكن أن تعترف الولايات المتحدة بمصالح بكين التجارية في تطوير مبادرة الحزام والطريق في ميانمار، في مقابل دعم الصين لإجبار ميانمار على حل أزمة الروهينجا الموجودين في الأراضي الحدودية حلًّا إنسانيًّا، وترسيخ سلطة القوى المحلية في البلاد التي تعقد علاقة طيبة بالفعل مع بكين. وستكون هذه نتيجة متفائلة، ليس فقط بالنسبة لميانمار بل أيضًا لتوقعات التعاون بين الولايات المتحدة والصين عند إيجاد مصالح مشتركة حقيقية.

Embed from Getty Images

وذلك هو أكثر السيناريوهات تفاؤلًا. وربما تكون بكين أيضًا أيَّدت الانقلاب بصورة ضمنية في قت سابق. وفي تلك الحالة، ينبغي أن تطرح الولايات المتحدة القضية للنقاش حتى تجبر الصين على كشف أوراقها. ويطرح الكاتب سؤالًا: هل تؤيد الصين الانقلاب أم لا؟ وهل ستستخدم بكين، على سبيل المثال، حق الفيتو في قضية توجيه اللوم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؟

ويجيب: إذا فعلت ذلك، فسيكون ذلك خطوة أخرى في التشدُّد الأيديولوجي ضد الديمقراطية من جانب بكين، ليس في الداخل فحسب بل في أوساط الدول المجاورة لها. وسوف ينتقل نظام الرئيس شي جين بينج من تأمين الحكام المستبدين في آسيا الوسطى وسَحْق الديمقراطية الوليدة في هونج كونج إلى إلغاء الديمقراطية الناشئة في الدول المجاورة لها. وهذا سيعطي الولايات المتحدة فرصة مطلوبة بشدة لإعادة تأكيد دورها بوصفها رائدًا للعالم الحر.

ويختم الكاتب مقاله بالقول: يجب أن يدرس فريق بايدن الساحة دراسة متأنية وأن يحاول تحديد موقف بكين الدقيق من الانقلاب. ولكن في كلتا الحالتين، إذا أحسن فريق بايدن التصرف، فسوف يحقق مكاسب كثيرة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية في المنطقة، فضلًا عن أن هذه فرصة كبيرة للولايات المتحدة لكي تُحسِّن صورتها على الساحة العالمية.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد