ما تزال قضية جزيرتي تيران وصنافير، اللتين انتقلتا من السيادة المصرية إلى السيادة السعودية بعدما وقعت البلدان على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينهما خلال زيارة العاهل السعودي لمصر، تحظى بتغطية إعلامية موسعة.
صحيفة المونيتور المعنية بشئون الشرق الأوسط، تساءلت في مقال نشرته مؤخرًا للكاتب العبري بن كاسبيت، وهو محلل سياسي وكاتب عمود بعدة صحف إسرائيلية، عن احتمالية أن يتم تشكيل تحالف يضم المملكة العربية السعودية ومصر وإسرائيل على خلفية ذلك الاتفاق الذي حظي بموافقة إسرائيلية.
ليس مفاجأة لإسرائيل
وفقًا لمقال الكاتب العبري، فإن إعلان مصر في التاسع من أبريل (نيسان) قيامها بنقل جزيرتي تيران وصنافير إلى السيادة السعودية، كان بمثابة مفاجأة كاملة للكثيرين في الشرق الأوسط. ولكن إسرائيل كانت البلد الوحيد الذي لم يفاجأ بتلك الخطوة.
ونقل المقال عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن إسرائيل كانت على علم بالمفاوضات السرية. وكانت إسرائيل قد أعطت موافقتها على هذه العملية، ولم تطلب إعادة مناقشة اتفاق السلام مع مصر، على الرغم من أن الاتفاق يعتبر أن أي تغييرات إقليمية أو نقل للأراضي التي تخضع للسيادة المصرية بعد أن أعادتها إسرائيل، يشكل انتهاكًا للمعاهدة، بحسب ما ذكره التقرير.
وأشار المقال إلى أن المحادثات بين السعودية ومصر على نقل هذه الجزر قد جرت منذ سنوات، مع معارضة إسرائيلية شديدة لهذه الخطوة. واعتبر أن حقيقة أن يحظى قرار نقل الجزر بدعم إسرائيلي، إنما يعكس عمق المصالح الحالية المشتركة بين الأطراف الثلاثة: القاهرة والرياض وتل أبيب.
ووصف التقرير ما حدث بأنه «دراما حقيقية جيوستراتيجية ودبلوماسية». ونقل التقرير عن آفي ديختر، وهو مسئول سابق في جهاز الشاباك -جهاز الأمن الداخلي في إسرائيل- وعضو الكنيست عن حزب الليكود، ما ذكره في مقابلة أجراها مؤخرًا مع إذاعة صوت إسرائيل، من أن هذه الخطوة هي واحدة من الحوادث الأكثر أهمية التي حدثت بين بلدين عربيين في الشرق الأوسط.
كما أشار التقرير إلى تصريحات كان قد أدلى بها وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون خلال احتفالية صغيرة قبل عيد الفصح مع الصحفيين العسكريين، وأكد من خلالها أن إسرائيل وافقت على سير العمل، بل وتسلمت وثيقة مكتوبة، موقعة من قبل جميع الأطراف.
الوثيقة -بحسب الكاتب العبري- أكدت على استمرار إسرائيل بالملاحة في مضيق تيران. وبالإضافة إلى ذلك، أشار يعلون إلى أن الأمريكيين شاركوا في المفاوضات وأنهم وقعوا أيضًا على الاتفاق. وهكذا، كما قال يعلون، فإن إسرائيل قد تلقت جميع الضمانات المطلوبة.
تعاون أمني غير مسبوق
ووفقًا لمسؤول أمني رفيع المستوى، تحدث لصحيفة المونيتور بشرط عدم الكشف عن هويته، فإن وزير الدفاع الإسرائيلي أكد على أن التعاون الأمني بين إسرائيل ومصر قد وصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق. نظم أمن البلدين يشتركان فى نفس المصالح. المصريون، على سبيل المثال، يساعدون في احتواء إسرائيل وتطويقها لحماس في غزة.
من جانب آخر، قال المقال إن هذه الخطوة الأخيرة -نقل اثنين من الجزر إلى المملكة العربية السعودية- تكشف جزءًا من الحوار الذي تطور بين إسرائيل وجيرانها السنة.
مسؤول أمني إسرائيلي، تحدث لصحيفة المونيتور، وأشار إلى أن علاقات إسرائيل في المنطقة عميقة ومهمة، معتبرًا أن الدول العربية المعتدلة لم تنس العهد العثماني، ويبدون قلقًا شديدًا حول تنامي قوة اثنين من الإمبراطوريات غير العربية في الماضي: إيران وتركيا.
انتقادات حادة
ونوه المقال أيضًا إلى أن خطوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أثارت انتقادات علنية حادة في مصر. ويرى معارضو السيسي أنه بموجب الدستور المصري، فإن الرئيس المصري ليست لديه أي سلطة في التخلي عن الأراضي المصرية.
وعقب المقال بالقول: «هذه الجزر تنتمي أصلًا إلى المملكة العربية السعودية، والتي كانت قد نقلتهم إلى السيادة المصرية في عام 1950 كجزء من الجهود الرامية إلى خنق إسرائيل من الجنوب، ومنع قوات الدفاع الإسرائيلية (IDF) من السيطرة عليها».
وتابع بقوله إن إسرائيل خاضت حربين (حرب سيناء عام 1956، وحرب الأيام الستة في عام 1967) للحفاظ على حقوق الملاحة في البحر الأحمر. وسيطرت إسرائيل على هذه الجزر مرتين، ولكنها أعادتها بعد ذلك إلى مصر في المرتين. والآن تعود عقارب الساعة إلى الوراء، والمصريون يعيدون الجزر إلى صاحبها الأصلي، المملكة العربية السعودية، وفق تعبير كاتب المقال.
وتـأتي تلك الخطوة -وفقًا للمقال- كبادرة حسن نية من السيسي تجاه الملك سلمان بن عبد العزيز، بعد الدعم السعودي للنظام المصري على مدى السنوات الماضية.
ونوه كذلك إلى أن هناك جانبًا آخر لنقل المصريين للجزر إلى المملكة العربية السعودية: حيث إنه في الماضي، طرحت عدة مقترحات بشأن تبادل الأراضي الإقليمية، بهدف حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
مقترحات بتبادل الأراضي
بموجب تلك المقترحات، فإن مصر كانت ستقوم بمنح قطاع غزة مساحات من الأراضي المصرية مما يسمح للفلسطينيين في قطاع غزة بمساحة أكثر انفتاحًا والتقاط الأنفاس.
في مقابل هذه الأرض، ستحصل مصر من إسرائيل على شريط ضيق على طول الحدود بين البلدين، منطقة النقب الصحراوية الإسرائيلية من سيناء المصرية. الفلسطينيون، في المقابل، سينقلون الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية إلى إسرائيل.
وكان يمكن للأردن أن تنضم أيضًا إلى هذه المبادرة من خلال مساهمتها بالأراضي التابعة لها، وتتلقى أخرى في المقابل. ولكن هذه المقترحات استبعدها المصريون قطعيًّا في عهد حسني مبارك.
والآن يبدو أن النقل الإقليمي أصبح ممكنًا في ظل الظروف الجديدة في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، فقد شدد المقال على عدم وجود معادلات بسيطة في الشرق الأوسط، وهذا ينطبق على هذه الحالة. ففي إسرائيل هناك أولئك الذين يشعرون بالقلق من تزايد النفوذ السعودي في مصر. وينعكس هذا في تأسيس المدارس الإسلامية التي تستلهم الفكر الوهابي. ولكن هؤلاء المتشائمين هم الأقلية.
وقال مصدر دبلوماسي في تل أبيب تحدث لصحيفة المونيتور بشرط عدم الكشف عن هويته: «من المهم للسيسي أن يقوى ويبقى على قيد الحياة، إنه مفتاح الاستقرار في المنطقة بأسرها».
وأخيرًا، يؤكد الكاتب أنه وفي ضوء أن أمريكا تنأى بنفسها عن المنطقة، فإن المساعدة السعودية والدعم الإسرائيلي لمصر يُنظر إليهما على أنهما في غاية الأهمية لمساعدة الرئيس المصري في إحكام قبضته على السلطة في مصر.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».