بعد فشل عملية السلام بين تركيا والأكراد وتطور الأمر إلى حد الصراع الدموي الذي امتد ليشمل سوريا، يمكن تلخيص موقف عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني عبر ما صرح به للمشرعين من حزب الشعب الديمقراطي خلال لقائهم عام 2014 في محبسه في جزيرة إمرال، حيث يقضي عقوبة السجن مدى الحياة. صرح أوجلان في تلك اللقاءات التي امتدت بين عامي 2013 و2015 قائلًا: “لدي عائلة من 10 ملايين شخص، وقد ثرنا. والآن نريد تحقيق السلام. فكيف يمكننا تحقيق ذلك؟ أود التخلي عن الحرب، فهل توافقون؟”.

تشير تلك التصريحات إلى أن محادثات السلام قد وصلت إلى طريق مسدود، بسبب حزب الاتحاد الديمقراطي وإنجازاته في شمال سوريا. حيث يبدو أن الإقليم الذي أنشأه الحزب هناك قد دفع بتركيا إلى رفض عرض وقف الحرب.

كان رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، قد هاجم وحدات حماية الشعب، الذراع المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي، في 16 فبراير على خلفية تقدم الوحدات نحو عزاز، متوعدًا إياها صراحة بالقول: “إذا ما اقتربوا من عزاز ثانية، سنرد بكل قوة. وإذا حاولوا استخدام قاعدة منغ الجوية ضد المعارضة أو المدنيين، سنحيلها إلى رماد”.

لكن وحدات حماية الشعب لم تواصل التقدم فحسب في الشمال السوري، لكنها سيطرت على قاعدة منغ الجوية التي هددت أوغلو بتدميرها. بعدها بساعات، اتهم أوغلو وحدات حماية الشعب بالمسئولية عن الهجوم الدامي الذي وقع في أنقرة قبلها بيوم متوعدًا بالرد. ونقلت رويترز أنباءً عن عبور 2000 متمرد سوري مسلح إلى داخل سوريا عبر تركيا، متجهين صوب عزاز لمواجهة وحدات حماية الشعب.

تمثل تلك الأحداث عودة التوتر الذي ساد بين سوريا وتركيا لمدة 17 عامًا ولكن مع فارق وحيد، وهو أن تركيا تبدو اليوم تتجه نحو الهزيمة.

بدأت الأحداث التي قادت لاعتقال أوجلان في سبتمبر من عام 1998، عندما هدد قائد القوات البرية التركي بالقول: “يبدو أن جيرانًا مثل سوريا يسيئون فهم حسن نوايانا. لقد فعلت تركيا كل شيء لحسن الجوار. وإذا لم نحصل على الرد المتوقع، يحق لنا اتخاذ كافة التدابير. لقد بدأ صبرنا ينفد”.

أرادت تركيا من سوريا طرد أوجلان. وقد هدد الرئيس التركي آنذاك سليمان ديميرل بشن عمل عسكري. أفلحت الضغوط وغادر أوجلان سوريا في أكتوبر من نفس العام. فطاف بين روسيا واليونان وإيطاليا، ثم استقر به المقام في كينيا، حيث أفضت عملية معقدة إلى اعتقاله في فبراير من عام 1999.

حينها بدأت العلاقة بين سوريا وتركيا تتعافى، وقد بلغ الأمر ذروته عندما اتفق وزيرا خارجية البلدين على إنشاء مجلس تعاون إستراتيجي مشترك على مستوى عالٍ لمواجهة الإرهاب.

فكيف انحدرت الاتفاقية الكاملة التي أبرمت عام 2009 إلى الأزمة القائمة عام 2016؟ لفهم هذا التحول الكبير في الأحداث، يجب النظر في رؤية أوجلان للحكم الذاتي الديمقراطي.

حشدت تركيا كل إمكاناتها السياسية والدبلوماسية وربما العسكرية قبل 17 عامًا لإجبار سوريا على طرد أوجلان، وتمكن في نهاية المطاف من اعتقاله. إلا أن التهديد الذي توجهه سوريا نحو تركيا الآن يقف على أرضية مبهمة. فما الذي تريده تركيا؟ منع تقدم وحدات حماية الشعب، وهي جزء من التحالف الدولي، غربًا؟ أو تدميرها تمامًا بوصفها منظمة إرهابية في نظر تركيا؟ أم تدمير الإقليم المستقل في شمال سوريا؟ وما المبرر الذي تمتلكه تركيا للقيام بذلك؟

يبدو أن تركيا تعتزم استغلال تفجير أنقرة لتبرير حاجاتها. فعلى الرغم من نفي وحدات حماية الشعب مسئوليتها عن الهجوم، إلا أنه يبدو أن تركيا تستعد للحرب.

في صيف عام 2012، أعلنت الحركة الكردية الحكم الذاتي الديمقراطي في عدة بلدات بعد إلغاء أنقرة عملية السلام وشنها عمليات عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني. ويعتبر نموذج الحكم الكردي المستقل في الشمال السوري نسخة معدلة من نظيره في تركيا.

انتشر إطار الحكم الذاتي الديمقراطي الذي وضع أساسه أوجلان ليس فقط في سوريا، ولكن أيضًا في إيران من قبل حزب الحياة الحرة الكردستاني، وفي العراق من قبل حزب الحل الديمقراطي الكردستاني. في سبتمبر من عام 2011، وقبل ظهور وحدات حماية الشعب، صرح صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي أن الحزب يريد حكمًا ذاتيًّا من دمشق دون الانفصال عن الدولة الأم.

تنص خارطة الطريق التي رسمها أوجلان على أن كافة الجماعات الدينية والعرقية في الشرق الأوسط يحق لها الحصول على حكم مستقل ضمن حدود الدولة التي ينتمون إليها. ولطالما أبدى إعجابه بنموذج الاتحاد الأوروبي.

منذ أبريل 2015، مُنعت الزيارات عن أوجلان. كما جرى عزله في 2012 عندما وُضعت أساسات الحكم المستقل في شمال سوريا. والهدف من هذا المنع كان منعه عن إصدار تعليمات لحركته، لكن الأمر لم يفلح.

السبب الرئيسي للعمليات العسكرية التركية الجارية منذ يوليو هو غضب حزب العدالة والتنمية، ومن الممكن أن تستند الحرب التي تلوح في الأفق على كلمات أوجلان. صرح أوجلان في فبراير 2013 قائلًا: “يسعى حزب العدالة والتنمية للهيمنة ولا يمكننا السماح له بذلك. لن أصبح أداةً للمساعدة في ذلك. هذا شرطي الوحيد لاستكمال عملية السلام”.

باختصار، ثمة صراع مرير قائم بين رؤية أردوغان المركزية ومناقضتها اللامركزية الخاصة بأوجلان، وتعتبر المناطق الكردية في كل من تركيا وسوريا ساحةً لتلك الحرب.

هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».

تحميل المزيد