فرت الأسر النازحة من محافظة دير الزور السورية، التي اجتمعت في أحد المراكز في ريف حلب في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، من الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). ومع ذلك، ما تزال هذه الأسر تكافح للتغلب على تبعات حكم التنظيم السام: وعلى وجه الخصوص، كان الآباء يشعرون بالاستياء من الفجوة المتزايدة بينهم وبين أطفالهم الذكور، بحسب ما ذكر تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية.
رصد تقرير المجلة الأمريكية ما دار في اجتماع الأسر النازحة في حلب، حيث تذكر أبو سالم والدموع في عينيه ابنه البالغ من العمر 15 عامًا، والذي قتل في عام 2016 بعد وقت قصير من انضمامه إلى تنظيم داعش. خلال مقابلة أجريت في جنوب تركيا، وصف أبو سالم كيف قضى ابنه وقته وهو يستمع إلى الموسيقى المستوحاة من الجهاديين، ويشاهد مقاطع الفيديو على هاتفه، وصدم والده يومًا ما عندما قال: «داعش على حق… 100% أنت لا تسير على الطريق الصحيح في هذه الحياة».
اقرأ أيضًا: صورة من قرب: كيف تأثر أطفال العراق وسوريا بمدارس «داعش»؟
رد أبو سالم بإلقاء الشتائم على تنظيم داعش، وردًّا على ذلك هدد ابنه بإبلاغ الشرطة الدينية في الحسبة. وبعد ثلاثة أيام من التزامه الصمت، غادر ابنه المنزل ولم يعد أبدًا. أبو سالم هو واحد من العديد من الآباء والأمهات الذين لا يزالون يتحملون المسؤولية عن أبنائهم الذين يتحولون إلى التطرف. وقال أبو سالم إن محاولة فرض الانضباط الصارم لم تنجح، وكذلك جهوده المستمرة لتشويه سمعة أفكار التنظيم بأدلة من القرآن.
وفقًا للتقرير، تكشف المقابلات التي أجريت مع أولياء الأمور، الذين فروا إلى تركيا من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش في سوريا، أن التنظيم اتبع حملة محسوبة تهدف إلى خلق حالة من عدم الثقة بين الآباء، وأطفالهم. وقد استهدف التنظيم بقوة الشباب، ولا سيما الذكور، لتجاوز سلطة الآباء، وإنشاء هياكل جديدة للسلطة في المجتمع، ونشر أيديولوجية داعش. والنتيجة هي أن تنظيم داعش قد تمكن من حشد الشباب من أجل قضاياه الخاصة، ووضع داعش الأساس لإعادة إحياء التنظيم. على الرغم من أن الخلافة فقدت معظم أراضيها، إلا أن أفكارها يمكن أن تستمر في أذهان المجندين السابقين من الشباب.
التعافي من داعش
وقال التقرير إن مجموعة دير الزور الحقوقية هي التي نظمت اجتماع حلب، وهي منظمة غير ربحية تهدف إلى مساعدة النازحين السوريين –معظمهم نزحوا بسبب تنظيم داعش– من المحافظة الشرقية. وهي توفر لهم المأوى وتوجههم إلى الخدمات الاجتماعية، وتحول بينهم وبين الاستغلال من الجماعات المتطرفة المحلية. إن عمل المجموعة يخلق مساحات آمنة للمناقشات التي تشتد الحاجة إليها حول التعافي في مرحلة ما بعد داعش في مجتمعاتهم، بما في ذلك سلامة العائدين.
الهجوم على الرقة- سوريا
وفي حين أن بعض الآباء قد فقدوا أبناءهم بالفعل لانضمامهم إلى تنظيم داعش، إلا أن آخرين ما زالوا يقاتلون في معركة يومية لمنع التنظيم من كسب ولاء أطفالهم. وشرحت إحدى الأمهات نضالها لإبقاء أبنائها في المنزل. ووجهت هي وآخرون نداءً إلى الحاضرين للحصول على مشورة حول كيفية مكافحة عدم وجود سلطة لديهم على أبنائهم. وردًّا على ذلك، أرجع أحد الوالدين الفضل في حل هذه الإشكالية للتواصل وإشراك ابنه في المحادثات للتخطيط للمستقبل. ولم تكن استراتيجيات الآباء الآخرين ناجحة، كما تبادلوا خبراتهم في فقدان أطفالهم الذين انضموا إلى التنظيم.
اقرأ أيضًا: أين ذهب الأطفال الذين أنجبهم مقاتلو «داعش» بالاغتصاب؟
ووصف العديد من أولياء الأمور السوريين كيف اتبع أطفالهم مسارًا مماثلًا للتطرف، ودعم تنظيم داعش في نهاية المطاف.
ووصفت سارة، البالغة من العمر 22 عامًا من محافظة الباب، كيف بدأ شقيقها، سامر، حضور دورات الشريعة وهو في سن الرابعة عشر، ما قاده إلى التردد بشكل متكرر على مراكز الإعلام التابعة للتنظيم، وهي مراكز دعاية تشبه دور السينما في الهواء الطلق مع شاشات كبيرة تشغل لقطات من المعارك، ومشاهد قطع الرأس، والهتافات الإسلامية والأناشيد. بالإضافة إلى ذلك، قصر سامر شاربه وفقًا للمعايير الإسلامية. وعندما انضم أخيرًا إلى تنظيم داعش، سألته سارة كيف يمكنه التخلي عن أسرته، ورد بأن التنظيم قد بات «عائلته».
كيفية العلاج
أشار التقرير إلى أن تنظيم داعش قد صاغ على وجه التحديد دعايته لاستهداف الشباب، واستغلال التمرد في سن المراهقة لأغراض التوظيف الخاصة به، وتشجيع المراهقين على وضع ثقتهم في قيادة التنظيم بدلًا من آبائهم وأشقائهم. كان لزامًا على العديد من السوريين تحت حكم التنظيم حضور دورة تتعلق ببر الولدين.
وفي الوقت نفسه، شمل تدريب التنظيم نماذج ساهمت في تحفيز الشباب على الاعتراف بما يسمى بنفاق الوالدين الذين قد ينخرطون في أعمال محظورة من قبل تنظيم داعش، مثل: التدخين، أو عدم الصلاة خمس مرات في اليوم. ودعت الدورات الشباب إلى حب الله أكثر من أسرهم، وبالتالي اتباع توجيهاته أولًا. تم إضفاء الشرعية على هذه الأفكار من خلال استخدام المثل الديني المعروف: عصيان أي شخص، حتى الوالد، يجوز «إذا كان يشجعك على عصيان الله».
عائلة تنزح من الرقة خلال الهجوم الذي شنته قوات سوريا الديمقراطية لطرد تنظيم داعش.
وتنتظر العائلات التي نزحت من الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش سابقًا في سوريا مثل الرقة ودير الزور الآن العودة إلى ديارها، ولكنها تخشى أن يتم محاسبتها على أعمال أطفالها الذين انضموا إلى تنظيم داعش. وتخضع مدنهم وقراهم الآن لسيطرة الحكومة السورية والميليشيات المتحالفة معها، أو قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي يمكن أن تقضي على أولئك الذين يرون أنهم متعاطفون مع المتطرفين.
وبحسب التقرير، فإن لديهم أسباب تدعو إلى الخوف: أشارت منظمة العفو الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إلى تعرض المدنيين للعقاب الجماعي من قبل القوات العراقية لعلاقات أسرهم المزعومة بتنظيم داعش، وأفادت منظمة هيومن رايتس ووتش بأن الهجمات الانتقامية ضد السنة هي بالفعل حقيقة واقعة في العراق، ويمكن أن تزداد سوءًا في سوريا.
اقرأ أيضًا: «ذي إنترسبت»: هكذا صنعت أمريكا داعش بـ3 قرارات فقط!
شدد التقرير على أن الأسرة هي الوحدة الأساسية والحرجة في المجتمع السوري. ولتعزيز النسيج الاجتماعي للبلد ومنع التطرف، يلزم تعزيز الروابط الأسرية. في سياق المجتمع المحطم الذي انهارت فيه السلطة، يرى العديد من الشبان تنظيم داعش على أنه النظام الذي يستحق احترامهم وولاءهم. كما أن القضاء على تنظيم داعش من قبل القوات الحكومية السورية والميليشيات المدعومة من إيران في دير الزور، والتي غالبًا ما ينظر إليهم السكان المحليون على أنهم محتلون أجانب، تدفع المدنيين من سلطة وحشية إلى أخرى.
واختتم التقرير بقوله إن الجهود الدولية لمكافحة التطرف العنيف هي دائمًا رد فعل أكثر من كونها جهودًا وقائية: فالولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون يمولون برامج إعلامية لمواجهة وسائل الإعلام التابعة لتنظيم داعش، على سبيل المثال، ويدعمون إنشاء مدارس لمواجهة نهجه المتطرف في التعليم. قد تكون هناك استراتيجية أفضل عن طريق تهيئة الآباء، من خلال التدريب العلاجي؛ لدعم الاحتياجات الاجتماعية والعاطفية التي تؤدي بالشباب إلى الشعور بالإهمال، وأحيانًا التعاطف مع الشخصيات المتطرفة.
هذا المقال مترجمٌ عن المصدر الموضَّح أعلاه؛ والعهدة في المعلومات والآراء الواردة فيه على المصدر لا على «ساسة بوست».